[] هِجْـرَة []

[أشرف المصري]

فنجان شاي. وقطعة سكر. أُذوب هذا المكان الرث. كلما سلكت طريقي نحو الكتابة. أنسى الميليشا التي تذبحنا كل صباح. أقلب صفحات الأيام. التي ركبتها الآهات. كما يركبنا الخوف تماماً. وأوصي أمي قبل أن أموت. أن تدفنني مع أشعار محمود درويش. أريد أن أموت على جسد قصيدة عربية. عربية فقط. أريد أن أفقد توازني مع الشعر. فالشعر هو الديانة التي تحنن القلوب. وتدمل الجروح. وتشبع الذاكرة. بحوافز الأمل. الشعر هو الفقراء جميعاً حين تكنسهم الأرصفة.

لا أريد أن يمر عليّ الوقت وحيداً. أفضل أن أبقى في بحر الكلمات. مع حبيبتي الميتة. أريد في هذا العالم أن أتحول وردة. أو يمامة. أو عصفورة مذبوحة تحت ظل الجدار. أريد أن أكتب عن الوجع داخل الإنسان. عليّ أن أكون كذلك. كي أجفف الحمض الذي تقاسيه المعاني. داخل هذا العصر المريض بايدز الغرور. عليّ أن أكتب عن الوجوه ككل. وقت مات الإنسان. وقت ماتت حبيبتي في روتين غزة المرير.

[أشرف المصري]

وأنا على صوت "عمر فاروق". تتفجر بداخلي أعظم معانٍ للإنسان. حين يشعر بالفقد. وأدور. أدور كثيراً حول أشياء كانت أكبر مني.. أنا الآن عن عمر لا أعلمه جيداً. أتذكر كل الأعزاء. كل الفقراء. كل شحاذين غزة في كل زقاق. أتذكر أصدقائي الموتى. أتذكرهم فيتجمهرون جميعاً في ذاكرتي كي يكملوا هذا السطر الحزين معي. يتجمهرون كي يدخلوا هذا العالم الضال معي. كي أنذر لهم الفرح داخل هذا السرد العقيم. كي يشهدوا معي هذا الألم المتخم في حزن كلماتي. أتو جميعاً بأضرحتهم كي يشعلوا سجائرهم. ويقيئون على وجه هذا الزمان.

إن ما يدفعني للسرد. ضيق الذاكرة لدي. العبارات تتكوم. تنتحر. تتجمهر في أحشائي كنوارس فقدت عزلتها. الكلمات تتنافس كي تمخض على بياض قلوب الغارقين في رائحة فيروز. الكلمات تبكي في داخلي. تحوم كطيف فقد المكان. الكلمات هي رائحة حبيبتي تتهافت فوقي كسلاسل.. كدراما هي الكلمات تسيطر عليّ. وأنا دائما سكران. بأشعار درويش. أهذي كلما مرت عليّ كلماته (أنساك أحياناً. لكي ينساني رجال الأمن). الكلمات هي وجع الحبيبات حين يرتبطن بجيدي. هي وخز يستعطف الإناث. الكلمات لعنة تمردت على المساء.

[سودة الكنوي]

هنا ألمح في عيون البوح ضوءاً ساطعاً
و أحتسي من كؤووس الذكريات مذاقا
شهيا كأنت
يا شهداً أشهى من شهد ملكة النحل..

[سودة الكنوي]

أحرقت جواز سفري
و مزقت شهادة ميلادتي
و أتلفت أواقي الثبوتية
لأنك أغريتني بالهجرة من وطني إلى وطنك
فأعماني الطمع في قربك و أصمّني عن سماع العاذلين..
فأرسلتني إلى منفاك..بلا رحمة..
فأصبحتُ يا مأواي، بلا مأوى

[سوسن ادكيدك]

" يطير الحمام
يحط الحمام "

وقررت الرحيل
سأرحل عبر البحر
لا بل عبر أجفان العيون
هجرتي ستكون حتما قبل غروب الشمس
سأرحل
سأعتق كؤوس الخمر الوردي في قلبي وأحملها لك مانحتك روحي وإياها
انتظرني عندما يأتيك طيفي في المساء
واطمئن البال
فهجرتي الآن باتت أقرب
سأرحل
عبر البحر
لا بل عبر الضباب
لا بل فوق أجنحة الحمام
" يطير الحمام
يحط الحمام "

[أشرف المصري]

إني حزين. جداً حزين.
حزين بقدر هذا الشتاء. بقدر دعاء أمي في كل ليل وفجر وفجور. حزين بقدر هذي السنين التي تجادلت معي منذ كنت صغير. أنا الآن خارج صبري. أنفذ من واقع تجردت منه أعف معان للإنسان. أنا الآن داخل البوح وحدي. أسكر وحدي. أهجع وحدي. أغني وحدي. أنا في غيبوبة التورط وحدي. أنا خارج هذه القبيلة التي ترعرعت في أحضان الغرباء. أنا الآن في عزلة تامة مع اللغة. أبحث عن رثاء للأصحاب. فلا أجد الرثاء. لا أجد أعظم من الدمعات. فأسرع بالبكاء.

[هند بنت محمد]

ماذا لو اكتشفتُ يوماً
أن قلبك بلا بابٍ ولا نوافذ
كيف سأهجره ولامنفذ
وكيف سأبقى وانت تامرني بالهجره

[مُحَمَدْ الحَمامي]

و ملقَنا يا حَبيبي خَلف الصَيف و خَلف الشتي ،’

[هند بنت محمد]

سأزج بي الى غياهب الصمت
لأفتش عن نفسي التي قد تاهت مني
في سبيل .. اللاسبيل !

[حسين مرزوق]

ذات أمس ..
ولأني أخطأت في التقدير كنت أرغب في أن أفقد ذاكرتي بشدة ..
وحين غادر الغيم مدينتي .. صرت أجهل كل شئ
فقدت أناي .. وصرت أدعو .. لأن تعاودني الذاكرة ..

اليوم .. حين عاد الشتاء .. وأرسل أولى غيماته
صرت أبحث عن ذاكرتي .. وأتمنى أن أضيع بعيداًَ عن مدينتي
ولأني بدأت بتذكر روحي .. وغجريتي
صرت أتمنى أن تحملني غيمةٌ لأسافر بعيداً
صرتُ تواقاً للضياع
فلا شئ يشابه الضياع .. خصوصاً حين نبدأ بالبحث عن الأماكن .. فنكتشف أنفسنا



غنت موسيقىً تائهة .. من وسط الذاكرة ..
حركت قدميَّ لأرقص .. وعاودني وجه ح ـبيبتي
حملةُ تذكرةً باليةً .. وصرت أمارس الرحيل .. كما علمني صديقي
حفرتُ قبراً .. وزرعت قلمي على أطرافه
ومضيتُ بدمي أكتبُ قصيدةً .. على أكثر الطرق بعداً .. عن مدينتي

.
.
.


رغم أني بعيدٌ جداً ..
إلا أن طيف مجنونتي لا زال يعصف بشده
صرت أدعو أن تحمل الرياح أغنية حنين
بدأت أحلم .. من جديد


وأظنني عدتُ إلي ؛