عرض مشاركة واحدة
قديم 27/06/2009, 06:50 PM   #9
جهاد خالد
[ . مَلائِكيّـة . ]
 
الصورة الرمزية جهاد خالد
افتراضي

إ.ع

هو .. رجل تجاوز الستين من العمر
طيب القلب .. بشوش الوجه .. كريم المعشر

كنت أسمع اسمه يتردد في حكايا العائلة عن أخبار أفرادها
وأكن له تقديرا واحتراما.. كأي صاحب سيرة حسنة

مرت الايام وتوالت الأحداث وأخذتني الحياة وجاءت بي
حتى رمتني يوما في البلد الذي يسكنه
وشاءت الأقدار أن يذهب نسيم البحر وضجيج الموج بعقلي
لأجدني أتصل به أسأله المبيت عنده !
وكـرجل كريم نبيل قال بكل بساطة : ( تبيتين عندي ، ياسلام ستكون أياما سعيدة ، طبعا تفضلي في أي وقت البيت بيتك)
كان يتحدث وكأن علاقتنا حميمة وثيقة لا كأنها المرة الأولى التي أخاطبه فيها، مما أضفى علي المزيد من الراحة
وزيادة تقديره

مكثت تلك الأيام عنده
أشهد كل يوم من أقواله وأفعاله ما يثير الحب والاحترام والتقدير
فتارة أدخل غرفته البسيطة لأجد كتب السيرة والحديث ومجلدات السلف قد ملأت أركانها
وتارة يحدثني عن سلوك شائن قام به أحد المصلين في المسجد وكيف نهاه عنه فانتهى
وتارة أرى منزله لا تنغلق أبوابه يستقبل الرائح والغادي أريحية وبشاشة وكرما
وتارات وتارات

حتى جاء ذلك اليوم الذي شهدت فيه مشهدا سيظل أبداً حبيس ذاكرتي..

كنت قد استيقظت في الصباح وخرجت من غرفتي متوجهة إلى غرفة المعيشة
لأجده واقفا هناك
أمام صورة على أحد الجدران لها ملامح امرأة جميلة تلونت بالأبيض والأسود تفسر قِدمها
وجدته
متسمرا أمامها كراهب خاشع في محرابه رُفعت روحه عن الدنيا
ودمعات رقيقات تنسكب على وجنتيه المسنتين

تسمرت مكاني أشهد وفاءه

حتى انتبه إلى وجودي فالتفت إلي قائلا ببساطة..
اشتقت إليها
وأتبع أشواقه تمتمات تفيض لها دعاءً بالرحمة والمغفرة

ولم أخرج معه مرة ولم أجالسه حينا بعدها إلا وكان يتحدث عنها
كطفل صغير كونه لعبته يحكي عنها لكل أحد
كنت أُسلم سمعي وقلبي لحكاياه وأنطلق معه على شاطئ البحر
يحكي تارة عن رقتها
وتارة عن حنانها
وتارة يتغزل في بهاء طلاتها وجمال قسماتها
ويروح في الحديث إلى حبها له ليجيء بحبه لها
ويصعد بها إلى حيث الملائكية حين يصف معاملاتهامع الناس
ثم يعود ليغرسها زهرة في أرجاء البيت ودفء الأسرة

وغنّى لي وأطرب قلبي بصدق الحروف
ثم كان يختم كل أغنيه بعبارة ( كانت تحبها)
وأسمعني أشعارا تفيض عشقا
ثم كان يذيلها ( هذه كتبتها لها يوم كذا )

وكان ختام الحديث دائما
(منذ أن رحلت لم أعد أسمع شيئا فكل الاصوات صارت سواء
ولم أعد أكتب شيئاً فالحرف هجرني وراح معها
ولم أعد أخرج ولم أعد أضحك ولم أعد أبتهج بقلبي .. فقد رحلت روحي إليها)

وقال أخيرا .. ( هل تعلمين ؟!! إنها المرة الاولى منذ عشرين عاما التي أمشي فيها هذا المشي الطويل وأستمتع بهواء البحر كل هذا الوقت )
قلت : ( ولمَ ؟)
قال: ( لأن من كنت أمشي معها .. رحلت منذ عشرين عاماً )


!!!!

ودَمَـعْــت
توقيع :  جهاد خالد

 

جهاد خالد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس