المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أحمد البصري
أعجبني كلام الأخ عبد العزيز
خصوصا تطرقه لشعر الشعراء وما يكتنفه من مغالاة لادعاءات
بعيدة عن أخلاق الشاعر وفعله وشخصيته
فلو سمحَ لي الأخ مشاركته الدردشة
.
عابَ الربُ جل في علاه الشعراءَ بآية واحدة من كتابه وذلكَ في سورة الشعراء, وكان الإنكار لفعل التهويل كما ذكر الأخ عبد العزيز آنفا,
سبقه سبب آخر وهو الهيام في الوديان, وحقيقتي أنني لا أحاول الخوض بالتفاسير, فما زلتُ أعتقد أن للتفسير والتأويل أهله ومتخصصوه, ولكنني لا أعلم حقيقةً إن كان سبب الإنكار واحد ذو شقين فجاءت الواو عاطفة الأول على الثاني أو أنهما سببان منفصلان
فإن كان كذلك فأعتقد أنه يتحمّل أكثر من تفسير
(على حد فهمي المتواضع)
فالظاهر من الواد والله أعلم
أنه يحتمل واحدا من تفسيرين
الأول – هو فعل السفر والتّرحال عبر ونحو أبعد الأصقاع بحثا عن غني أو سلطان يجود عليهم ببعض مال أو سلطة إن هم مدحوه أو هجو أعداءً له وهذا عيب حقيقي في الشعراء,
فمثلا - نجد المتنبي يمدح كافورًا بعدّة قصائدٍ
فيقول:
.
ترعرع الملك الأستاذ مكتهلا=قبل اكتهالٍ, أديبا قبل تأديبِ
مجرّبا فَهِمًا من قبل تجربة=مهذّبا كرما من غير تهذيب
.
ومن ثمة يهجوه ليهرب باقرا لجَّة الليل بقصيدة
"عيدٌ بأيةِ حالٍ عِدتَّ يا عيدُ"
فأثخن بهجاءِ كافورٍ قائلا:
.
لا تشترِ العبدَ إلاّ والعَصا معهُ=إنّ العبيدَ لأنجاسٍ مناكيدُ
.
لو نقرأ مديحه لكافور ومن ثم نعرّج على قصائد هجاءه, لوجدنا تناقضا عجيبا بفعل المتنبي وشخصه.
وهذا كثير وافر عند أغلب الشعراء فهو ليس بالغريب.
ولكن قد يكون للمتنبي رأيا آخرًا, فهو كأتراب له يعتبرون الشعر محض صنعه كما غيرها, فالمسألة لا تعدو أن تكون (فيد واستفيد)
عفوا – ما قصدتُ صنعة الدِراية بل الحِرفة
ولكن المتنبي كان صادق الشعر, فحينما قال
.
أنا ألذي نظر الأعمى إلى أدبي= وأسمعت كلماتي من به صمم
.
فقد أصاب الرجل, فهل منَّا من يقول غير هذا الكلام
.
كذلك قوله
.
الخيل والليل والبيداء تعرفني=والسيف والرمح والقرطاس والقلم
.
فلقد نبهه من نبهه عن من يحاول قتله متربصا له الطرق
فما اهتم لذلك, وهذا يعني أنه شجاع ولم يدعي شجاعة لم تك موجودة به أصلا, عكس ما قد قيل عنه من كلام سُطّر في بعض المصادر على أساس أنه هرب ومن ثم عاد فهذا الكلام ركيك بعيد عن الواقع,
.
لِمَه أورد الله الوادي دون غيره إن كان السبب متعلق بالترحال ؟
فنحن نعلم أن المسافرين يمرون على كل تضاريس الأرض
من جبل و فيافي وبحار وبساتين ومراعي ,, إلى آخره
أنا أعتقد أن ها هنا يمكن أن ينبلج لنا تفسر آخر للواد, فالوادي هو كناية عن المكان الرازح تحت وطأة الظلمة, فهو سوء المكان والمنقلب, نجده متكررا في وصف جهنم وأماكنها أعاذنا الله منها بلطفه ورحمته,
لسبب أن الشعر يقود لإنزلاقات قد تكون بعيدة عن ما اراده الله للإنسان من طريق فينتهي به للبعيد.
.
أما العيب الثاني ألذي عابهُ اللهُ عليهم,
وهو القول المخالف للفعل
لهو الصعب الأصعب على شاعر تلاعبُ به قريحته كيفما شاءت, فللشعر سلطان يعلم عنه الشاعر كثيرًا
فإن حضر - انتابت الشاعر حالة من الهيجان تفقده كل التركيز إلا من الشعر والفكرة, وقد يصاحبها بعض ارتفاع لدرجة حرارة جراءات الانفعالات وتلاطم الأحاسيس فإن زالت عنه تمخّضت عن فكرة تخمرت برأس الشاعر
فيبدأ بنسج أبياته حسب ما يتطلبه موضوع القصيد سواء كان ذلك مقررًا أو مفروضا عليه دون التحضير المسبق له,
.
تتمايز داخله أنفة الفارس, وعاطفة العاشق, وحاجات أخر
لتبصرَ في شعر الشاعر مرآة عاكسة لباطنه
فإن كذب في ما قال ولم يكُ وصفه من واقعه في شيء,
فذلك يعني أنه طالبٌ لهكذا خصال مُريدٌ لها
فردع المعنى - أصعبُ ما يكون على الشاعر
( ليس تبريرا مني لفعل من هتك سترا )
ولكننا تعودنا أن لا نتناقش في أمور الشعر لنحاول حصر مفاهيم المجون مثلا أو الخروج عن العرف والدين والتقاليد
وكم من مرة حاولت أن أستقطب الناس لذلك فلم أفلح
والسبب هو أنهم يخافون من ولوج هكذا مواضيع خوفا من النظرة الدونية لأشخاصهم والتعجل بإلقاء الأحكام عليهم من قبل القرّاء
وأخيرًا استثنى الله قوما آخرين من هذه الصفة
فنجد كل الشعراء يدّعون أن لهذه الخصلة فيهمو حظا
|