عرض مشاركة واحدة
قديم 16/10/2008, 10:26 PM   #38
محمد صلاح الحربي
 
الصورة الرمزية محمد صلاح الحربي
افتراضي


مراحب كما المطر

مقدراً للأخت الزميلة الرائعة / فتحية الشبلي
ولكل الزملاء والزميلات هذا الطرح المفيد والممتع عن الأمثال العربية شعبية وفصيحة ..
فقد دار في تفكيري، وأنا بصدد أن أكتب ما يتوافر بالذاكرة عن الأمثال،
كيفية تكون المثل وإنتشاره وبقائه حيا يتردد متنقلا بين القرون والأجيال..
وأظن بأن أكثر الأمثال جاءت عفو الخاطر الصافي والقائم على
خبرة حياتية ثرية ، فمن يأتي بالمثل لا يجلس يفكر طويلاً في صياغته وبتعمد
ولكنه في الغالب ينطلق منه إثناء حادث معين يقول تجاهه ما يناسبه ..
وحيث كانت الأقوال المأثورة والأشعار بمثابة وسائل التثقيف فإن الناس
ترددها وتتناقلها حتى تنتشر على أكثر من محيط وإلى أكثر من عصر..

يقودني ذلك إلى التسائل عن السبب في كون كل أمثالنا العربية من فصيحة وعامية
كلها قديمة، وبعضها قدم الدهر ..
هل صرنا أعجز حتى من أن نبتكر لنا حكم وأمثال تناسب عصرنا؟
أم أن الأمر يعود إلى إستمرارنا بالإستئناس بالقديم والأثري لأن ذاكرتنا الجمعية تتأسس
منذ الطفولة على القديم الذي يظل يتدوال ويستخدم بمعزل عن كل فكر جديد؟
ولا أريد أن أقرر ، لكني أعتقد بأن هناك كثير مما ينتشر فيما يكتب من نثر وشعر
ويصلح لأن يستخدم كمثل أو حكمة، لكن الناس صاروا لا يقرأون بذاكرة قابلة
لأن تحتفظ بالجميل وتساعد على إبقائه حيا،
لذلك يظلون يكتفون بالقديم وعلى عواهنه ..

وإستخدام القديم على عواهنه وبدون تفكير في مدى صلاحيته من عدمها
هو ما يجعلنا نستمر في ترديد أمثال خاطئة كالقول
(عصفور في اليد خير من عشرة على الشجرة)
فالعصفور مخلوق صغير وجميل ولا يسمن أو يغني من جوع ..
ووجوده حرا طليقا خير من أن يكون في اليد أو البطن ..
صحيح أنه مثل تشبيهي، وقد يقال تجاه أشياء مفيدة للشخص أو الجماعة
وغير ضارة بأحد ، لكن أظن بأن حياتنا لم تجدب بشكل باهظ
حتى تكاد تخلو من حولنا إلى ما يشير إلى قابليتها لكل المخلوقات
إلا لكون ثقافتنا مؤسسة ومكرسة على ما يتناسب والعدمية ..

وأتذكر بأن الصديق، الشاعر الكبير فهد عافت قد كتب في أحدى زواياه:
( وردة سجينة خير ألف مرة من مزبلة طليقة )
ولا أدري هل هو له أم منقول ، لكني أفضل إستخدام هذا القول
عن ذلك المثل العصفوري .


كما أننا نردد أمثالا ذات صياغات غبية أو ساذجة ومن ذلك :
( اقلب الجرة على فمها تطلع البنت لأمها)
فما دخل الجرة بالأمر سواء وضعت على فمها أو على قاعدتها ..
لكنه السجع الذي لا محل له من القضية ..
علماً بأن بنت هذا العصر لا تطلع على أمها حيث تعتبرها معقدة ودقّة قديمة
لذلك تخالفها حتى في الجميل ، وتطلع لزميلاتها في الشلّة المدرسية ..
وهناك أيضاً ما ليس محل في العصر كالقول ( تجري الرياح بما لا تشتهي السفن)
فالأمر الآن صار عكسياً ، وإن وجدت سفن تصدها الرياح فهي فقط سفن تخلفنا ..

هذا إستطراد قد يكون في غير مكانه، وربما أنه جاء لكي أقول بأني أفكر..
وبصراحة هذه المساحة الجميلة التي شرعتها الأخت فتحية للأمثال جعلتني
أتذكر كتابا قديما لدي عنوانه ( الأمثال الشعبية في الجزيرة العربية )
فبحثت عنه في مكتبتي ولم أجده ، وكنت سأغش منه لو وجدته ،

من الأمثال المصرية الطريفة :
( قالت يا همّ أنا فايتاك وماشيه
قال لها : ليه .. هو أنا مكسّح؟ واركِ يا اختي )

وأظنه يوازيه في العامية ايضا :
( قليل البخت يلاقي العظم في الكرشه )

من الأمثال السعودية :
عور وينشق
بمعنى انه ليس أعور فقط ولكن منخاريه في شغل مستمر
وكنت سأعتقد بأن ما يقابله في العربية هو ( أحشفا وسوء كيله )
لكن ذلك المثل يقال عن الفعل ذو السوء المضاعف وليس عن الشخص..
وذكر الأعور يقودني إلى القول ( قل للأعور أعور في عينه )
وهو قول فيه قلة أدب وفجاجة ويقال كتحريض على الصراحة !

ومن الأمثال الحجازية :
( اللي تسلعه الشوربه ينفخ في الزبادي )
وهو ما يقال بصيغة أخرى :
( اللي تقرصه الحية يخاف من الحبل )

وهناك مثل يقال في عدة لهجات وصياغات
ففي الخليج يقال ( مصلوخ طاح على متميزر )
في حين ان الأخوة المصريين يقولون
( إتلم المتعوس على خايب الرجاء )

وهناك مثل سعودي قديم يقال عن المنافسة الخاطئة :
( قرعا وتجاكر أم قرون )
والقرعا هي الصلعاء وأم قرون هي ذات الظفائر لشعرها الطويل
وقد أستخدمته الشاعرة حصة هلال ( ريمية ) في قصيدة لها وقالت:
( قرعا وتتلي ناقضات العكاريش
................تزنها غمزة ويتلاها الأشفاق )
والعكاريش النهايات الكثيفة للظفائر حيث كانت موضة لجداتنا
ذات زمن أن يتركن آخر ظفائرهن منفوشة

ومن الأمثال المصرية التي يطيب لي إستخدامها كثيرا :
( يدّي الحلق اللي ماله ودان )
ويقابله في المعنى ما جاء في هذا البيت الفصيح:
( وإن من الداء العياء مرامنا
................أمورا تؤاتي غيرنا وهو أخرقُ )

وأختتم بهذا المثل السعودي المحرض على الرشوة :
( إدهن السير تسير )
فهل يقابله في الفصحى قول أمل دنقل في أحدى قصائده وأعتبره مثلا :
( القوانين تسن دائماً لكي تخرق ) ؟

و
انتبهت الآن إلى أني أطلت وكتبت الكثير
عسى أن يكون ولو قليله مفيدا .

سلام لقلوبكم

توقيع :  محمد صلاح الحربي

 

محمد صلاح الحربي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس