إملاءات المطر   إملاءات المطر


معطف [ الكاتب : مصطفى معروفي - آخر الردود : مصطفى معروفي - ]       »     مراحب [ الكاتب : فتحية الشبلي - آخر الردود : فتحية الشبلي - ]       »     آخر الأنقياء العابرين.! [ الكاتب : رداد السلامي - آخر الردود : رداد السلامي - ]       »     قصة حزن نوف [ الكاتب : خالد العمري - آخر الردود : خالد العمري - ]       »     مطر.. مطر [ الكاتب : أحمد بدر - آخر الردود : أحمد بدر - ]       »     حنانيــ .. آت ! [ الكاتب : عبد العزيز الجرّاح - آخر الردود : عبد العزيز الجرّاح - ]       »     ما أجمل أن..! [ الكاتب : عبد العزيز الجرّاح - آخر الردود : محمد الفيفي - ]       »     ركن خافت و [ أَشياء لن تهم أَحَداً ، ... [ الكاتب : ريم عبد الرحمن - آخر الردود : محمد الفيفي - ]       »     .. وَ .. [ الكاتب : أسامة بن محمد السَّطائفي - آخر الردود : محمد الفيفي - ]       »     افتقــــد !! [ الكاتب : ضحية حرمان - آخر الردود : محمد الفيفي - ]       »    


العودة   إملاءات المطر > الإملاءات الأدبيـة > حرائـر غيمتي
التعليمـــات التقويم

حرائـر غيمتي هنا .. تستأثر أنت بصوت حرفك وأصدائه.


] خ ـبايا الزوايا [

هنا .. تستأثر أنت بصوت حرفك وأصدائه.


إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 31/05/2007, 11:50 AM   #101
إيناس الطاهر
روح المـطر
 
الصورة الرمزية إيناس الطاهر
افتراضي


غرورةٌ هي تلك النفس ، تستعلي ، وتظن أنها ترتقي ، ودون ان تتقي تسقط في درك الوهم ودون أن تدري ، تصاب بالخيبة !!!

ما لي ونفسي ، أهذبها فأعذبها
أربيها فأزيدها غيّاً وجلافة
يقال أن النساء ، ذوات طبع ناعم في الطبيعة ، مجبولات على الحلم والعاطفة ، تكوينهن يمنحهن حرارةً ما تفتأ تنام حتى تفيق ، وكأنّهن بتلك العواطف الجياشة داخلهن ، يخلقن كوناً من نسيج متلاحم للإنسانية ، وكأنهن يبنين ما قد تعجز عنه أفكار أعظم مهندسي هذا الزمان

هكذا يقال ، ولكن أين الحقيقة من كلّ ذلك ؟؟؟
هل يجوز لي أن أمنح التعميم من وضع تخصيص لحالي ؟ أم أنني مجبرة على جعلي فأر تجارب ، وإعطاء النتيجة التطبيقية على حالي ، وكأنني كائن مستقل عن كلّ النساء ، لا علاقة له بهنّ ، غريبٌ عنهن ، وعن احتياجاتهن وعواطفهن ، ومشاعرهن ، وحتى تمردّهن !!!!

تارةً يأخذني الحنين للكلمة ، فأولد بكلمة ، وأعشق كلمة ، وأبكي من كلمة
وتارةً يلين جدار الوهم عند الخلائق وقلبي ما لان أو هان أو مارس فنّ الحنان !!!!

هل حين نحتاج للعاطفة نضعف ؟؟
وهل حين نستغني عنها نضعف ؟؟
أنا قبل أم عاطفتي ؟؟؟
مشاعري أم نفسي ؟؟؟

هل تلك الياء الملحوقة بكل كلمة ، ذلك الضمير المتصل شكلاً ، المنفصل معناً ، المستتر شعوراً ، العائد عليّ دون إرادةٍ مني ، يجعلني قويةً ظاهراً ، وضعيفةً من أعماقي ؟؟ أم هو العكس تماماً ؟؟؟؟

حين كنتُ صغيرةً ، كانت مشاعري فاترة من كلّ شيء ، من أيّ عاطفة ، لم يكن يثير اهتمامي معنى العائلة ، أو معنى البشرية ، كانت الأنا عندي ، مترفةً ، مغرورةً ، وربما هذا حالنا حين كنّا صغاراً ، نجد من يدارينا ، يعاقبنا ثم يعود لمراضاتنا ، لحتى نظن في وهلة أنّ الكبار يقعون بين إصبعين من أصابع ضغوطنا عليهم ، إصبع البكاء ، وإصبع الرياء ، ليصبح بعد ذلك ما نريده في كنف ( كن فـ يكون )

اليوم ، انا أكبر ، أكثر نضوجاً ، لكنني أقل خبرة
تلك الأساليب والدهاليز التي كنتُ أتقن فنونها في صغري ، حين لم أعقل ، أمست في ليلة دكناء غريبة عني ، أحاول تعلّمها فتنأى عني ، لحتى ما عاد يجدي البكاء ، ولا التوسل ، ولا حتى ممارسة عقاب الذات ، حتى الرياء ، صار ممقوتاً تصرفاً ومنهجاً
هل حين نكبر ، يضعف السحر فينا ؟؟ أم هي المهلة المعطاةُ لنا من الحياة حتى نتشبث بها ، ونتمسك بأذيالها ، فإذا ما حصّلت منّا مبتغاها تركتنا ومعتركها ، في نصف المحيط ، لا نحن حصّلنا الشاطيء ، ولا نحن استطعنا تجاوز الأعاصير والعواصف !!!!

ربما أكون نادمةً على أنني كبرت ، وربما اكون حزينةً لأجل ذلك
فكأننا كلما زاد العمر بنا ، تزيد إرهاصات الدنيا وضغوطات النفس ، فنعجز صدقاً عن مواكبة رغباتنا ومعادلتها بالإمكانيات المتاحة لذلك !!!

أظنني أفضل حالاً من كثيرين غيري ، فأنا املك القدرة على التعبير عمّا أحس وأشعر ، في حين يعجز الكثير عن التعبير عمّا يعتلج فكره ويؤرق روحه
لكن حتى تلك الميزة تكاد تخنقني ، تكاد تحاصرني وتضيّق الخناق علي ، فهي ، تجعلني سلعةً لمشاعري ، غير قادرةً على دبلجتها إلا وفق الصفحة وكيف يريد الترتيب و حرفنة الأدب

كم تتملكني الرغبة بأن أكون متسولةً تستجدي القلوب علّها تظفر بأحد الحسنيين ، وربما أريد أن اكون كتلك البليدة التي لا تتحرك فيها ذرّة مشاعر وإن قامت القيامة على من تحب

للحظة ، احب النذالة ، أحب الجور ، وأعشق النيجاتيف من كل شيء ، ربما لأن الأصل لم يسعفني ، وربما لأن العدل لم ينصفني ، وربما لأنني من الذين يعانون قلّة الرضا ، فلا هم يقبلون الواقع كيف هو ، ولا هم يرتضون الصمت على ما هم فيه

مهلاً ، هل اعتراضي على واقعي يعني أنني على أبواب الكفر ؟؟؟
لا وربي ، لست يا إلهي أعترض على القدر ، ولا على مجرى ما أحيا ، لكنني أريد البوح ، التنفس ، أريد ان افهم ، صدقاً أحتاج لأن أفهم الكثير عن كل شيء

ما هي الحياة ؟؟ ومن هم نحن ؟؟
ماذا نريد ، عن ماذا نبحث ؟؟ إلى أين نريد قطار الحياة كي يأخذنا
هل نرضى إن حصّلنا الأفضل ؟ وهل الأفضل يكمن في تحصيل الأكثر ؟؟؟

غني ، فقير
ظالم ، مظلوم
أبيض ، اسود
مؤمن ، كافر
ليل ، نهار
لمَ كلّ تلك المتضادات ؟؟؟ ولمَ كلُّ التعقيدات
هو ذاته القالب ، جسد فيه وجه وصدر وساقان
وفي الوجه فمٌّ وانفٌ وأذنانِ وعينان
وفي الصدر قلبٌ بأربع حجرات
وفي الساقين أصابع وأعصاب
ذات التركيب ، فلمَ كلّ ذلك التعقيد ؟؟ لمَ هي تفكر بشكل وأنا بشكل ؟؟ ولمَ هو غني وذاك فقير ؟؟ ولمَ هذا طيب وذاك شرير ؟؟
لماذا يفكر هؤلاء بقلوبهم ويفكر غيرهم بالعقول ؟؟ ولماذا ينام البعض ولا يحمل عبأ حياة ولا ينام آخرين رغم سهولات الحياة ؟؟؟

لماذا أنا إيناس ولم آنَس بذاتي بعد ؟ وكيف آنَس غيري بي ولم أعرف نفسي بعد ؟!! ، لماذا اليوم أنا حزينة وفي الأمس غاضبة وفي الغد انتظر المجهول ؟؟

من أعاقب ؟؟ ومن أجازي ؟؟ .. ومن أنتظر ؟؟؟
لماذا ؟؟؟
يا ربي كم أحتاج لإجابة !!!



توقيع :  إيناس الطاهر

 

إيناس الطاهر غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 02/06/2007, 03:15 PM   #102
إيناس الطاهر
روح المـطر
 
الصورة الرمزية إيناس الطاهر
افتراضي



أمرني من أثق به أنْ كفى ...



في متنْ الحلم :

ذات صبح إنصاتٌ لصوتِ البكاء على قارعة الطريق
لكن الليل يخبرني أن هناك أملا قد يظهر
من جديد ... أشعر بذلك حد التأكيد ...



البطولة لحلم لمْ يبدأ :

تختفي خلف الكواليس حكايات شرقية ، ومظاهر لنرجسية
ومشاعر لشاعر أبى الموت الا بقبر محروق ، لكن
في داخل الحكاية يبدو الرمز ناطقا ، أنه عما
قريب سيصل الى بر الامان برسالة شكر
وعرفان ، ترى هل هي أضغاث أحلام
أم يتحقق المنى ويتم الاتصال ولا
يبقى الحلم خارج نطاق الخدمة


ألف ، باء ، عتهٌ وحمق :



يقول الراوي يا كرام

أن الجميلة بقيت يومان بلا زاد ، وغير المرّ الأسود ما دخل جوفها ، وعيونها
الساحرة ما انقطع دمعها ... والوحش متربص أمام الباب لينفث النزاع عبر الأركان !!! والفارس المغوار مسجون في قلعة السبعة بحور لا يقوى على إنقاذ فتاته ، يبثها أشواقه وحبه وقربها الأزلي منه


يضيف الرواي يا كرام أن رسائل الشوق
في كل يوم تصل يد الجميلة دون مانع من وحشها
فحمائم البريد ترسل الشوق كل حين ، فأين المصيبة ؟؟؟؟؟
أن الجميلة تصرّ على الخنوع للوحش وتمزق أشواق فارسها البطل ، رغم علمهما
أن في قلب كليهما يرقد الأمل والرجاء ... فماذا يفعل الفارس بربك أيها الراوي أجب !!!!!


توقيع :  إيناس الطاهر

 

إيناس الطاهر غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 02/06/2007, 03:20 PM   #103
إيناس الطاهر
روح المـطر
 
الصورة الرمزية إيناس الطاهر
افتراضي محضُ خ ـيال


الجمال وقع الهمس الناعم في أرواحنا
يُخلد نوره سكناتنا ، كـ الضوء الخافت يرتعش خوفاً من نسيم بارد
رأيتُه يراقص أوراق الخريف لـ تتساقط تحت قدميه وتمنحه كلّ ما تملك ،
فـ إذا ما مرّ على الثلج زاد وسامة بـ الشيب
فـ كيف بربك أسعى للـ جمال وأجده إن لم يكن أنت ؟؟؟
وكيف لي أن أرى جمالاً وأنا لا أرى سواك !!!

أنت كـ وتر القيثار مشدود على افتراق أوتارك ، حين يداعبك الحنين لا تكون إلا ثابت اللحن
جمالك الحقيقي يكمن في رقة قلبك وقوّة عقلك
ينهضان متماسكين دون تلاصق فـ كأنّ قناعة روحك تخبرك أنّ أعمدة المعابد تقوم على إنفصال
والسرو والصنوبر لا ينموان في ظل بعض
فـ كيف أرتجي قلبك أو عقلك دون الآخر ؟؟؟ بـ الله خبرني


انجذابي لك كـ حنين الحياة لذاتها ، فـ بكَ ولك خرجت نفسي للـ حياة وقلبي يحيا في كنفي لكنه ما عاد مني / ملكي
هل أخبرتك قبل اليوم أني أحبك ؟؟
لا أدري لمَ حين أنطقها أشعر أنها الأولى ، والأخيرة بك / لك !!!
تأكد أنّ قلبي معك كـ قوس وحبي سهم إليك ينطلق
أرجوك حاول أن تدرك أنني لا آتيك إلا صادقة ،
يا من أفيق على وجهه النائم وأستفيق على نظراته المتفحصة




توقيع :  إيناس الطاهر

 

إيناس الطاهر غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 02/06/2007, 03:28 PM   #104
إيناس الطاهر
روح المـطر
 
الصورة الرمزية إيناس الطاهر
افتراضي أيضاً محض خيال



لح ـظاتٌ تمرُّ بنا ، نشعر بها أنَّ الوح ـدة ما ينتظر أرواح ـنا
ندور في الأرضِ بح ـثاً عن ذلك النصف التائه
فـ إذا ما رفضت الأقدار خلق روح ـه
تنتكس منّا الأماني





أشعر بـ وجودك ، كـ طيفٍ يجوبُ الحياةَ خافِتاً
أنبئني شهيقك ، أنّك لـ زفيري متابِعاً
وإنْ غابَ عن الاعتراف اسمك
يُشعرني أنينك ، بـ التصاقكَ






يا أيها المج ـبولُ من خيوط الخ ـيال
المرسوم من خطوط المح ـال
تنبثق منه الشمسُ ولا سبيلَ وِصال !!!






انع ـتاقي رتقٌ
وحريتي في صولج ـانك قيدٌ
تسح ـبني دوّامةٌ إلى حيث أكونُ
حالمةً تهذي !!!
حقيقة بربك أم خيال ما وصل ؟؟
أرسمكَ وجهاً به أحتفل
توقيع :  إيناس الطاهر

 

إيناس الطاهر غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 09/06/2007, 03:50 PM   #105
إيناس الطاهر
روح المـطر
 
الصورة الرمزية إيناس الطاهر
افتراضي

( سي السيد )




لستُ خيالياً ، ولا متأثراً بأفلامِ السينما القديمة !! صدقوني لستُ كذلك ، إنني فعلاً أنقل واقعي بتلقائيةٍ وشفافية ، فأنتم لا تعرفونه ، لقد كانَ لصوتُ أبي في الردهةِ مهابةٌ تنفثُ الخوفَ فينا ، فيصمت عن الكلامِ حتى دبيب النملِ في أعشاشه لا تسمع ، فأبي ، كان ( سي السيد ) ، حين يدخل البيت بعد عناء يومٍ طويل ، ونسمع تنحنحه ، تلوذ منّا كلّ كلمة كادت تخرج ، وتقطع كلّ جملةٍ قبل أن تكتمل ،
ملكُ البيت إنْ حضر ، عميَ من عيوننا البصر
حتى أمي ، تصبح كالنحلةِ الشغالة ، ما تفتأ تجلس حتى تقوم ،
تحضّر طست الماء بالملح ، والمنشفة الزرقاء الناعمة ، وجلابية أبي الحريرية ، وما أن يجلس على أريكته حتى تسرع إلى قدميه ، تخلع عنه نعليه ، وجوربيه ، ثم تدخل قدميه الطست وتغسلهما بحنان ، كأنها تداعب قيثاراً أوتاره أصابع أبي ، ثم تنشفهما جيداً ، وتدهنهما بالزيت الدافئ ،

وتبدأ النحلة الشغالة وبناتها بتحضير مائدة الطعام ، كلّ الأصناف التي يحبها والدي تتواجد على الطاولة ، وأولها طبق الزفر الذي يرمّم عظم الرجل الكادح في البيت ، ويوضع إناء الماء والكوبُ أمام الكرسي الذي ترأس الطاولة ، ثم تدخل النحلة غرفة نومها لتنادي سي السيد حتى يتناول غداءه ، وحتى يخرجان من الغرفة تبقى عيوننا ترمق المائدة ولعابنا يتسايل من أطراف الفم ، ورائحة الطعام تنخر أدمغتنا الصغيرة ، ألا ليت لي بقضمة قبل أن يحضر أبي .

ويأتي ليجلس خلف كرسيه ، ثم ينادينا للحضور فنحلق حوله كما الحمائم الوديعة التي تخرج هديلها الهاديء تطالبك العطف عليها ومسح جناحيها بحنان ، وننتظر والدنا حول المائدة ليبدأ طعامه أولاً ، وطبعا قبل أن يمدّ يمينه يرفع كفيه للسماء ، وبصوتٍ رصين يقول :

إلهنا ، ربّ الأرباب ، الواحد الرحمن الرحيم ، الحمد لك من قبل ومن بعد على ما أنعمت به علينا ورزقتنا ، شكر لا يليق إلا بوجهك ومهما زاد نقص في كمالك ، نسألك دوام النعمة والعافية ، ونسألك طهر مأكلنا ، وطهر مشربنا ، وطهر ملبسنا ، لا إله إلا أنت سبحانك إنّا أتيناك طائعين ، أدمها علينا من نعمة وامنعها من الزوال ، بسم الله

ويمدّ يده للطعام ، لنهتف بعده آمين ثم بسم الله ، ونمد أيدينا ، وطبعاً لا نأكل من طبق لم يضع أبي يده فيه ، ولا تسمع طيلة جلوسه صوتاً لملاعق أو صوت طعام يمضغ ، ومهما كانت لهفتك للطعام فلن تقبل عليه بشرهٍ أو فجع ، بل تدعي أدب تناوله في حضرة الملك ، حتى يشبع ويقول الحمد لله ، فتسرع النحلة الشغالة معه إلى المغسلة تمسك له منشفة تناوله إياها بعد أن ينتهي ، ينشف يديه ويدخل غرفته ليأخذ قيلولة الظهيرة ، وطبعاً لن أتحدث عمّا يحدث بعد نهوضه ، فكأن ضغطاً كبيرا ارتفع عن صدورنا لتبدأ رحلة العراك حول المائدة ، ويأكل كلّ بطريقته والشاطر من يأكل أكثر من حصته
توقيع :  إيناس الطاهر

 

إيناس الطاهر غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 09/06/2007, 03:53 PM   #106
إيناس الطاهر
روح المـطر
 
الصورة الرمزية إيناس الطاهر
افتراضي


(سي السيد - تابِع )


رغم أننا نحيا في بيت سي السيد ، إلا أننا لم نكن نشعر برجولتنا الكاملة ، فكان لا يحق لنا أن نضرب أخواتنا الإناث ، ولا يحق لنا أن نأمرهن ، أو ننهرهن ، أو نمارس طقوس الرجولة المتخمة في حضرة الوالد الكريم ، كان يوبخنا إذا ضايقناهن ويقول بعينين تقدحان شرراً ، لن يطال بناتي ضيم وأنا أتنفس

أبي مزيج عجيب ، لم أكن أشعر معه بالرحمة أبدا ، وكنتُ أشعر بالمقت له أحياناً كثيرة ، فطبيعته العجيبة ، توحي بالديكتاتورية والظلم والجور ، أيام العطل حين كنتُ أنزل معه إلى محل الأقمشة كنتُ أراه ذلك السيد الذي استولى على قلوب أهل الكار ، كلهم يقدمون الولاء والطاعة له ، يهتمون برضاه ، كان دوماً يتعامل مع الجميع بأسلوب التاجر المتمكن ، لم يخسر في تجارته يوماً ، وكان يقول لي بين الفينة والأخرى ، التاجر الحقيقي ، هو الرجل الحقيقي ،
لم أره في يومٍ من الأيام يردّ جائعاً أو متسولاً أو حتى فقير ، كان يعطي بلا حساب ، كم هو غريب هذا الرجل ، فيه من كل شيء خصلة ، حتى الرحمة اظنها تسكن قلبه الغليظ أحياناً

حين كنتُ أرافقه إلى المسجد أنا وإخوتي في الجُمع ، كان يقف في الصفِّ الأول ، وكنتُ أخجل ان أقف جواره ، كيف أقف جوار الملك ، فكان يشدني من ساعدي ويقول : أتكره أن تحصّل من الأجر أكثره ؟! ، الرجل الحقيقي لا يتخلّف عن المجلس الأول
يووووووووه ، من هو الرجل الحقيقي ؟؟ أهو التاجر الحقيقي ؟؟ أم صاحب المجلس الأول ؟ أم هو ذلك المتصدّق المحسن ؟ أم هو قابض الأصوات ؟؟ ما عدتُ أفهم تلك الفلسفة الرجعية ، ولكنني في ذات الوقت لم أكن لأجادل أبداً
وتمرّ الأعوام ، لأنهي الثانوية بمجموع كبير ، وتدخل الفرحة البيت من أوسع أبوابها ، فالابن البكر رفع رأس أبيه ، وتزغرد أمي في حضرة السلطان ، والغريب انه لم ينهاها أبداً بل كانت الضحكة تتراقص في عينيه وكأنه عاد طفلاً صغيراً يفرح بالعيد حين يحضر ، وزاد زهوه في الحارة ، ( يا أرض انهدّي ما عليكِ قدّي ) ، أنا من نجح وليس هو ، فلم كل ذلك الفخر العجيب؟

ذات مساء يناديني فأقبل إليه مهرولاً وأجلس قبالته وقلبي يطرق بشدّه
- والله كبرت يا ناصر وصرت رجّال
- كلّه من خيرك يا والدي
- إياك ، هو من خير الربّ يا ولدي فإياك أن تنسب الفضل لغير أهله
- عذراً والدي ،
- والآن ، ماذا تفكر أن تدرس يا ولدي ؟

ويلوح الصمت ، أدرس ؟؟ صدقاً لم أفكر في ذلك البتّة ، هل يعني ذلك أنني سأكمل تعليمي الجامعي ؟ وأدرس ؟ كنتُ أظنه سيطالبني الوقوف جواره في المتجر وتعلّم الصنعة ، يااااااااااه ، أنا طالب جامعي ما أجمل ذلك
قال أبي وكأنه ما كان ينتظر إجابة مني
- معدلك يؤهلك لدخول كلية الطب ،

صدمني ، لقد قرّر عني ، وافرض مثلاً أنني لا أريد دراسة الطب يا أبي ( طبعاً قلتها في قلبي )
- ألمحُ فيكَ خيراً كبيراً ، أظن نيويورك ممتازة لدراسة الطب ، وخالك هنا فلن تشعر بالغربة أبداً

ويقرر مرّة أخرى بالنيابة عني ، ويحك يا رجل ، من خوّلك لتفكر عني أنا ، فلتذهب للجحيم ما أبشع طريقتك !
- هاه يا ناصر ، ماذا قلت
- إ، إإإ ، أووووه ، كما تشاء يا والدي
- جميل جداً ، حضّر نفسك ، سأهاتف خالك اليوم ونتفق

لا أدري كم مرّ ، لكن عرفت من أمي أنّ أبي أرسل أوراقي بالبريد إلى خالي في ولاية نيويورك ،وبعد فترة جاء قبولي في إحدى الجامعات هناك ، وتحددّ سفري في اكتمال بدر الشهر المقبل ،
ولا اعرف ، هل كنتُ سعيداً بذلك أم حزيناً ، لقد كنتُ أصغر من أن أتحمل مسؤولية الغربة ، وفي ذات الوقت كنت سعيداً بالخروج عن سيطرة أبي ، كنت سعيداً أنني لم اعد من أملاكه الخاصة

وسط دموع أهل البيت جميعاً ، أغادر البيت ، ويرافقني أبي حتى المطار
وقبل إقلاع الطائرة ، يناولني مصحفاً في يدي ويشد على كتفي ، إياك النساء والخمر يا ناصر ، إياك ، كن رجلاً حقيقياً
توقيع :  إيناس الطاهر

 

إيناس الطاهر غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 10/06/2007, 11:55 AM   #107
إيناس الطاهر
روح المـطر
 
الصورة الرمزية إيناس الطاهر
افتراضي


(سي السيد - تابع )


وأصل نيويورك ، كان خالي فاضل بانتظاري في المطار ، وابل من القبلات والأحضان ثم استقليت معه سيارته مكشوفةَ السقف وانطلقنا في شوارع نيويورك ، عالم آخر ، عجيب غريب ، كألوان الورد ، صاخب يضجّ في الحياة ، حتى خالي ، ليس كما كنت اذكره ، حلق شعره حتى آخره ، واضعاً حلقاً في إحدى أذنيه ، يرتدي قميصاً فيه من كل الألوان ، كنت أزْوِره بطرف عيني وأقول في نفسي ، لو رآك أبي فهل سيقول عنك رجلاً حقيقي ؟؟

أمضينا النهار جلّه خارجاً نتنقل من مطعم لمقهى ، وندخل حديقة الحيوانات هناك ، ويعرفني خالي على جماعةٍ من أصدقاءه ، كلهم شذوذ عن ما اعرفه عن الرجولة ، منهم العرب ومنهم أيضاً الأجانب ، إنجليزيتي ضعيفة ولكن هذا لم يمنع أن ادخل معهم أحياناً في حوارات ، الغريب أنني وجدتُ نساء مغايرات لأمي ، في الشوارع كانت سائقة التكسي ، وسائقة الحافلة ، امرأة تشارك الرجل في كل ما يقوم به ، امرأة يقول الغرب عنها ، نصف المجتمع
لا أنكر ، سعدتُ برؤية امرأة تنظر للرجل كمكمّل لها وليس سيدها ومالك أمرها ، نسخة أخرى مختلفة عن أمي ، مختلفة تماماً

حين دخلتُ البيت مع خالي ، أشار لإحدى الغرف وقال هنا ستنام يا ناصر ، انقل حاجياتك وتعال نتسامر

ويمضي الليل ولم ينم لي جفن وأنا احدث خالي ، بدا مختلف عمّا عرفته قبلاً ، عرفتُ أنه لم يدرس في الجامعة ، وأنّ المصروف الذي يرسله جدي إليه ينفقه كلّه على متعته وحياته ، وأنه ينوي الزواج بإحدى الأمريكيات ليحصل على الجنسية
- الحياة هنا يا ناصر ، هناك ، في الوطن الموت ، ولا شيء غير الموت
- ولكن يا خال ، ألا ترى أنك تقتل حلم جدي ، لو عرف أنك لم تدرس سيموت
- ههههههههههههههه ، ومن سيخبره ؟؟؟ انت ؟؟ هل ستفعل ؟
- طبعاً لن اكون الخنجر الذي يقتل جدي ، ولكن عاجلاً أم آجلاً سيعرف
- لا تقلق المفروض أن اتخرج بعد عام ونصف ، حتى ذلك الوقت سأكون قد حصّلت الجنسية ، وحينها فليذهب الجميع للجحيم ، وأنت هل تنوي فعلاً دراسة الطب ؟ ام تنوي أن تكون مشرداً مثل خالك ؟؟ يا ناصر لا شيء يعدل الحرية ، عش كيف تشاء ، هنا النساء كحبات الرمل ، فقط أخرج بعض الدولارات ، واحصل على مئة امرأة في اليوم

وبدأ يقهقه بغباء ، ثم قال
- الأسبوع القادم تبدأ الدراسة ، حتى ذلك الوقت أتركك كي تقرّر ، وأريك كيف يعيش خالك

وصدقاً عشت مع خالي ثلاثة أيام لم أعش مثلها طيلة حياتي ، كنت أرى لهفته على الحياة ، وكنت امضي معه في ذلك القالب أجمل الأوقات لحتى بدأت فكرة أن احيا مثله تعشش في خلايا دماغي ، خاصة وأنا ارمق تلك الأجساد الساحرة تتمايل حول ذراعاه في غنج يوقف شعر الرأس ، ببضعة دولارات يمكنك أن تحصل على مئة امرأة في اليوم ،
أمران لم أجربهما مع خالي أبداً أولاهما الخمر ، فكم ساءني أن أراه مضحكة المحيطين به وهو يتمايل سكراناً ويتلفظ بأسوأ الكلمات ، بل وقد يهين نفسه لذلك لم أقرب الخمر أبداً ، ولو على سبيل المجاملة ، لا أدري صدقاً ، هل كان منظر خالي ما يمنعني أم صورة أبي التي تلاحقني كلما هممت بالخطأ ، أراه وسوطه اللعين يتربصان بي فينهراني ، حتى النساء ، كنت أهيم بتجربة عالمهن ، فخالي فاضل يقول أنّ الجنس أجمل متعة خلقت على الأرض ، ولكن لا أستطيع ان أفعلها ، هنالك شيء ما زال حيياً داخلي ، خالي ليس قلقاً من هذا الأمر فهو يقول أنني لا أحتاج اكثر من أربعين يوماً لأصير أفضل منه في كل شيء
توقيع :  إيناس الطاهر

 

إيناس الطاهر غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 10/06/2007, 11:58 AM   #108
إيناس الطاهر
روح المـطر
 
الصورة الرمزية إيناس الطاهر
افتراضي

( سي السيد - تابع )


اليوم الأربعاء ، الساعة الثالثة والنصف صباحاً ، عدت أحمل خالي على ظهري سكراناً يتمايل ، أدخلته غرفته ودوي الهاتف يوقظ الأموات ، جريت نحوه ، وجاءني صوته من بعيد يمسح أي سعادة كنتُ قد قضيتها منذ مطلع النهار

- ناصر ، أينك ، منذ يومين أحاول تحصيلك ولا أحد يجيب
- والدي ، أأأأأأأأأهلاً – بتردد - ، كنتُ ، في مدرسة ليلية لتعليم الانجليزية
- أجل ، فهمت ، - بدا غير مقتنع بكلامي – كيفك يا ولدي
- بخير ، كيفكم أنتم
- أمك ما تزال تبكي ، لكن ما عليك ، متى ستبدأ الدراسة
- الإثنين بالمشيئة يا والدي
- هل حضّرت المراجع والكتب ؟؟
- ماذا ؟؟؟ آآآآآه المراجع ، طبعاً ، طبعاً
- أكيد ؟؟
- طبعاً والدي أكيد
- وخالك فاضل ، كيف حاله ؟ وكيف حال دراسته
- خالي !! إنه بخير ، أموره على أحسن ما يرام
- هل ينقصك المال ناصر ؟
- لا لا لا ، اطمئن لا ينقصني شيء أبداً
- هل تصلي يا ناصر ؟
- أصلي ؟؟ - ياااااااااااااااه – طبعاً يا والدي لم أقطع فرض صلاة – بتردد –
- أكيد ؟؟
- أكـ ، أكييييييد
- ناصر ، ارفع رأس أبيك ، ولو نقصك شيء فأنا حاضر ، تأكد أنني أثق بك ، كن رجلاً حقيقياً يا ولدي

وينقطع الاتصال ، وكم حمدت الله أن المكالمة انتهت ، ولا أدري كيف قلبت مكالمة أبي أفكاري كلها ، كان اول شيء أقوم به في الصباح زيارة الجامعة وتحصيل الخطة الدراسية ، ثم شراء المراجع ، وفعلاً سجلت حينها في مدرسة ليلية لتعليم الانجليزية ، وبدأت رويداً رويداً أبتعد عن أجواء خالي فاضل

وبدأت الدراسة ، في كلية الطب كانت الجدية على ملامح كل الطلاب ، وبدأنا الدراسة ، هناك بدأت تربطني صحبة مع فتاً زنجي اسمه ميل ، فخبرته عن خالي ، وعن حياته ، حينها قال لي أنني أستطيع مشاركته غرفته ، بشرط ان أساهم في دفع إيجارها ، كان الاقتراح جميلاً ومقبولاً لدي ، ونقلت حاجياتي وسط ذهول خالي فاضل ودهشته
- بإمكانك الا تحيا حياتي ولكن هل رحيلك هو الطريقة ؟
- افهمني يا خال ، مسكن ميل أقرب للجامعة وأنا أريد ان اوفر من مصروفي
- يالك من اخرق ، والدك لم يمنع عنك شيء ، فلماذا تكترث بالمال
- والدي ، صدقني هو السبب يا خال
- ولكن إن هاتفتني العائلة ماذا أقول ؟
- لا تقلق لقد هاتفت أبي وأعطيته رقم منزل ميل وشرحت له السبب ، لن يحرجك احد
- كما تشاء يا ابن أختي

كنتُ ادرك ان حزن خالي لمفارقتي كان بسبب المال الذي سينقطع عنه وليس لأجلي ، فالمصروف الذي يمدّه به جدي إضافة لما كان معي كان يعطيه متعة اكبر ولهواً اكثر ولذلك لم اكن حزيناً جداً لمفارقته ،

بيت ميل لم يكن فخماً جداً ، كان غرفةً واحدة ومطبخاً وحماماً ، ربما لم يكن بفخامة منزل الخال ، لكنه كان اهدا وكله كتب ومراجع ، ورويداً رويداً بدأت اتأقلم مع الاجواء الجديدة ، مساء كلّ خميس كان البيت يمتليء بالشباب والبنات ، كما في بيت خالي ، لكن السبب في بيت ميل مختلف ، كانوا ياتون ليذاكروا سوياً وكنت اذاكر معهم ، وقد تحسنت لغتي كثيراً ، كانوا يحضرون مشروبهم معهم كما كان يحدث مع الخال ، لكن هنا يشربون في غير بحث عن المتعة ورغم ذلك لم اقرب المشروب معهم وكنت اكتفي بالشاي والقهوة ، إحدى الفتيات وتدعى ماري ، كانت تنعتي بالعربي المتخلف ، وكلما تشاجرنا معاً تقول اذهب وفكّ عذريتك أولاً أيها الخجول فيضحك الجميع ورغم ذلك لم أكن لأنصت لأحد ، بل لقد عدت للصلاة من جديد ، كان ميل يحترم ديني ، ولم يكن يسخر منه كما كان يفعل البقية ابداً ، كان يقول لي ، نحن الزنوج نكره البيض هنا ، ونمقتهم لأنهم يعاملون الحيوانات أفضل منّا ، لذلك قد أحبكم أيها العرب ، فأنتم كما الزنوج منبوذين مكروهين جداً ، كنت أستمع له وأبتسم ، لو عرف الأمريكان أبي ، فأظنهم لن يكرهوا العرب وحسب بل سيعلنونها حرباً عالمية ثالثة !!!
توقيع :  إيناس الطاهر

 

إيناس الطاهر غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 10/06/2007, 12:00 PM   #109
إيناس الطاهر
روح المـطر
 
الصورة الرمزية إيناس الطاهر
افتراضي

( سي السيد - تابع )



الأحد ، يوم العطلة الرسمي ، الذي يصير ميل فيه شخصاً آخر ، كان يخرج مع صديقته ويمضيان النهار خارج البيت ، يقول لي : لم أقرب الكنيسة في حياتي ، أمي تقول عني كافراً ، لكنني لا أؤمن بيسوع ، أتعرف يا ناصر أكره أن أفكر في أنني أصلي ليسوع الأبيض ، ربما إن كان أسوداً فسأؤمن به

كانت تلك المرة الأولى التي يحدثني ميل فيها عن معتقده ، صدقاً لم أظن في حياتي أنني سأستمع لرجل يجعل لون البشرة سبب إلحاده ، سألت ميل عن امه فقال أنها امرأة في السبعين من العمر ، تسكن في حي السود ، وهو لم يراها منذ عامين تقريباً ، طلبت منه التعرف عليها فضحك وقال أننا العرب عاطفيون بشكل مقيت ، وفعلاً ذات أحد أخذني عندها ، ودخلنا البيت ، كانت هنالك امرأة بدينة جداً ، تجلس على كرسي متحرك ، وجوارها كلبٌ أسود أيضاً ، نظر ميل نحوي همس بارتجاجة بدت في صوته
- أتعلم ، لم اكن أدري أن أمي تستخدم كرسياً متحرك
- هل هنالك أحد ( جاء صوتها المبحوح )
- إنه أنا ، ميل يا أم ، تقدم نحوها وطبع قبلة باردة على خدّها
- ميل ؟؟ ظننتك متّ ، جميلٌ أنك حضرت ميل

عاد ميل نحوي مشدوهاً
- ناصر أمي صارت عمياء

لا أنكر ، شعرتُ بحزن عميق نحو هذه السيدة ،
- ماذا تريد ميل ؟
- فقط أحببت أن اطمئن عليكِ وسأغادر حالاً

لم تتفوّه العجوز بكلمة ، وحين همّ بالخروج أمسكته من ذراعه وقلت له
- هل أنت مجنون ألا تريد ان تقضي اليوم معها
- مجنون لو بقيت ، ماذا أريد من امرأة عمياء كسيحة ؟ إن حضن صديقتي هذه اللحظة اجمل منها

وخرج ميل ، ولم تقوى قدماي على اللحاق به ، إلى أن جاء صوت العجوز
- ميل أما زلتَ هنا ؟؟
- لا يا سيدتي ، إنه انا ناصر ، صديق ميل
- أوه ، سعيدة انك ما تزال موجوداً ميل ، الجو بارد هل تدخلني لغرفتي

لا ادري ، هل أصيبت بالصمم ايضاً ، لكنها حادثت ولدها فكيف لم تسمعني ؟ ومع ذلك حرّكت كرسيها وأدخلتها لغرفتها
- ميل ، هلا أحضرت علبة الدواء إنها على المنضدة الموجودة تحت النافذة ومعها كوب ماء لو سمحت

وبحركات آلية أحضرت الدواء وكوب الماء
- هلا جلست جواري ميل ؟

وفعلاً حققت لها طلبها وجاورتها ، فمدت يدها البدينة ومسحت وجهي قائلة ، حلقت ذقنك إذاً ، اظنك صرت وسيماً يا صغيري ،
لم أحرك ساكناً ، وبقيت مشدوهاً من تلك المرأة ، خشيت انها لم تسمع صوتي في الخارج بسبب صوت الهواء فإن سمعته الآن فستعرف أن ولدها هجرها وربما لغير رجعة لذلك اكتفيت بتلبية رغباتها بصمت حتى استسلمت للنوم ، فتركتها وخرجت

بينما كنتُ أعود للبيت ، كانت الأفكار تأخذني لبيتي ، هل سيأتي الزمان وتضام أمي فيه وتحلم برؤيتي فأنأى عنها ؟؟ وهل لو عرف أبي أنني أخدم امرأة مسنة سيفرح بي ويفاخر ؟؟
لا ادري ، صدقاً لا أدري ، ومنذ ذلك اليوم ، أنهي جامعتي وأذهب إلى بيت تلك المقعدة ، اخدمها واطعمها واغسل ثيابها لها ، وأنظف البيت أيضاً ، مسكينة كانت تستأجر من يخدمها وتدفع المبلغ الذي تمنحها الحكومة إياه في سبيل خدمتها ، والغريب أن العجوز ما كانت تكف عن الحديث ولم تحاول يوماً ان تسألني ولم تستمع بعد تلك المرّة لصوتي أبداً ، ميل كان ينظر لما افعله باستغراب شديد ، كان يقول لي أن ما اقوم به هو الجنون بعينه ، لكنني لم أكن اجيبه ابداً ، وتركز محور حياتي حول دراستي وتلك العجوز ، حتى ذلك اليوم ، الذي دخلت البيت فيه ، وكانت العجوز ملقاة على الأرض ، اسرعت نحوها ، ورفعتها رغم ثقلها ثم هاتفت الإسعاف وتمّ نقلها إلى المستشفى ، أخبرني الطبيب الذي كشف عليها أنها تصارع الموت ، هاتفت ميل لأخبره لكنني لم أستطع تحصيله ، فتركت له رسالةً صوتية وكلّي أمل أن تظفر العجوز بلمس خدّ ولدها قبل رحيلها ، سهرت قربها طيلة الليل ، رغم فقدانها للوعي ، وحين استيقظت بحثت يدها عن خدي حتى لمسته وقالت بصوت منهك متعب : شكراً يا ناصر ، ليت ميل حمل قلبك .
ثمّ أخرجت الروح ، أدركت حينها وبعد موتها أنها كانت تعرفني لكنها كانت تمثل على نفسها ، كانت تريد ان تشعر أن ثمرة حملها لم تكن متعفنة
الغريب أن ميل لم يشعر بالحزن لموتها بل اعتبره راحة لها وله ، ورفض التكفّل بمصاريف الجنازة بحجة أنّ الحي أولى بالمال من الميت ، فدفعت تكاليف الجنازة مني ودفنتها وحدي حيث لم يحضر جنازتها أحد ، الجميل أنها عرفت كيف تنتقم من ميل ، فقد اوصت بالبيت وبكل ما ادخرته طيلة حياتها للكنيسة المجاورة لبيتها وأوصت لي بكلبها ، شعرت انها أوصت لي بأفضل شيء تملكه ولكن لأنني لا أحب الكلاب فقد اطلقته لسبيله فلا حاجة لي به
توقيع :  إيناس الطاهر

 

إيناس الطاهر غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 11/06/2007, 04:07 PM   #110
إيناس الطاهر
روح المـطر
 
الصورة الرمزية إيناس الطاهر
افتراضي


(سي السيد - تابع )


وكأن الخير أمرٌ عجيب ، لقد حدّث ميل أصدقاءه عما قمت به ، فوجدت لي شعبية كبيرة ، وصار لي من المعجبات الكثر ، والذكية من تستطيع أن تظفر بقلبي
حينها أدركت أن المراة الغربية رغم مشاركتها الرجل في كل أعماله ، لم تكن تبحث عن مكمل لها ، بل عمّن يحتويها بقلبه ، وطبعاً فقد ظفرت بناصر حسناء زنجية تدعى سارا ، كانت جميلة جداً ، بل أكاد أجزم حين أقول ساحرة ، كنا نمضي وقتاً طويلاً بعد الجامعة معاً ، وندرس معاً ، وكم حاولت استثارتي إلا أنها لم تنجح ، فقد كان المصحف في جيبي و صوت أبي يمنعاني عن رغباتي ورغباتها فعرضت الزواج علي ، رفضت بداية لكن أمام إلحاحها ورغبتي القوية بها وافقت ، ولم أرتأي في فعلتي الخطأ ، فأنا في غربة ، كلّ المغريات سهلةٌ ، أفلا أشتري صلاحي ؟؟ وعقدت قراني عليها دون حفلة ودون ان تخبر عائلتها فقد كانت مستقلة كلياً عن عائلتها ، بعد العقد انتقلنا للعيش سوياً في شقة جميلة
علاقتنا كانت هادئة ، ندرس ونتمتع بالحياة ، وبالعكس ابتعدت سارا عن الكحول لأجلي ،

وابتعدت عن كل صحبتها القديمة ، وصارت تفعل ما أحبه تماماً بل وكانت تطلب مني تعليمها كلمة عربية كل يوم ، كنتُ أخشى من حريتها ، لكنني وجدتها تفعل ما أحب وبنفس راضية.
كثيراً ما اخبرتها كيف تتصرف أمي مع ابي بطريق ساخرة رافضة لعلاقة الاستعباد تلك ،خبرتها أننا منذ قرون قد دفنّا علاقة السخرة وكنت لا أرى كهذا تخلف إلا في مسلسلات الجيل الأول وعند أمي ، وأنه لا يروقني ما كان من امي أبداً ، فكانت تنصت وتشاركني الضحك دون أن تتفوه بكلمة واحدة
وكلما انتهى فصل دراسي أهاتف أبي وأعلمه بالنتيجة فأشعر ان رئتيه امتلأتا فخراً وكأنني به ديك حبش منفوخ بسببي

أنا الآن في السنة الثالثة ، عدت للبيت ، وكانت سارا في انتظاري مضطربة الوجه ، بدا في وجهها ألف كلمة لا تقوى على الخروج ، حدقت بها في ريب ، وحين ألححت السؤال قالت : خالك في المستشفى

وصلت المستشفى ، وسألت عن غرفة خالي ، فعرفت انه بالإنعاش ، ما زلت اذكر ذلك التاريخ جيداً ، ثلاثة أيام في الإنعاش ثم غيبوبة حاول معها الأطباء كل جهدهم فلم تنفعهم ، وحاولوا في نهاية المطاف وبعد أن خذلتهم الحيلة عملية إحياء صناعيّ له إلا أنه قد رحل حيث لا عودة

المخدرات أذهبت عقل خالي ثم قتلته ، مسكين ، تلك الفتاة التي كان يطمع بالزواج بها ساعدته على الإدمان ، وبدل أن تقدم له الجنسية قدّمت الموت له على طبق من ذهب ، هاتفت أبي وتركت له وسيلة نقل الخبر للعائلة ، أذكر كم بكيت حينها ، مات خالي الذي لم يتجاوز الخامسة والعشرين بسبب بهرجة حياة ألهته ، وربما لأنه لم يكن رجلاً حقيقياً

سارا تحملت نفسيتي في تلك الفترة بروح راضية ، كنت أشعر كم تحبني هذه المراة ، بل اظنها تعشقني حدّ الثمالة ، ولست انكر كنت أبادلها الحب بالحب وليس هناك ما ينغص علينا العلاقة ، لم تحاول يوماً فتح موضوع الإنجاب معي ، بعد ان شرحت لها أنني لا أريد أولاداً هذه الفترة
وتمر السنين تباعاً وأحصل على شهادة الطب بتقدير جيد جداً ويعرض علي أن أكمل الماجيستير كمنحة من الولاية ، لكنني أشتاق لوطني وأحن إلى حضن امي

وتأتي مشكلتي مع سارا ، إنها تريد مرافقتي ، كيف آخذها معي ؟؟
قالت أنها مستعدة أن ترافقني فخبرتها باستحالة ذلك ، حينها بكت كطفلٍ صغير وتوسلت بقلب طهور إليّ ، قالت لي أنني من جعل لحياتها معناً ، وأنها قبلي كانت تحيا في الفراغ ، وكادت تسقط فريسة إدمان المشروب والإنحراف ، وأنني من ساعدها
كانت تتحدث وكأنني فارسها الهمام ، بل وكأنني نبيّها المنتظر ، لحتى شعرت أنني لو طالبتها الساعة بالتخلي عن كل ما تملك فلن تتردد إرضاء لي ، وحين التزمت الصمت أمام بكاها قامت لتقدم حلاً يحوي الإغراء لي والتضحية عندها ، حين قالت أنّ بإمكاني أن أستأجر لها شقة بعيدة عن البيت ، ودون ان تعرف العائلة بأمر زواجنا ، حينها وافقت ، ربما كان حلّها منطقيا ومرضياً لأنانيتي ، ولكنني لا أنكر أنني فعلاً وفي داخلي ، أهيم بها حدّ الجنون ،،،،




توقيع :  إيناس الطاهر

 

إيناس الطاهر غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:03 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.8 Beta 1
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
3y vBSmart
جميع الحقوق محفوظة لـ منتديات إملاءات المطر الأدبية - الآراء المطروحة في المنتدى تمثل وجهة نظر أصحابها