إملاءات المطر   إملاءات المطر


معطف [ الكاتب : مصطفى معروفي - آخر الردود : مصطفى معروفي - ]       »     مراحب [ الكاتب : فتحية الشبلي - آخر الردود : فتحية الشبلي - ]       »     آخر الأنقياء العابرين.! [ الكاتب : رداد السلامي - آخر الردود : رداد السلامي - ]       »     قصة حزن نوف [ الكاتب : خالد العمري - آخر الردود : خالد العمري - ]       »     مطر.. مطر [ الكاتب : أحمد بدر - آخر الردود : أحمد بدر - ]       »     حنانيــ .. آت ! [ الكاتب : عبد العزيز الجرّاح - آخر الردود : عبد العزيز الجرّاح - ]       »     ما أجمل أن..! [ الكاتب : عبد العزيز الجرّاح - آخر الردود : محمد الفيفي - ]       »     ركن خافت و [ أَشياء لن تهم أَحَداً ، ... [ الكاتب : ريم عبد الرحمن - آخر الردود : محمد الفيفي - ]       »     .. وَ .. [ الكاتب : أسامة بن محمد السَّطائفي - آخر الردود : محمد الفيفي - ]       »     افتقــــد !! [ الكاتب : ضحية حرمان - آخر الردود : محمد الفيفي - ]       »    


العودة   إملاءات المطر > الإملاءات الأدبيـة > حرائـر غيمتي
التعليمـــات التقويم

حرائـر غيمتي هنا .. تستأثر أنت بصوت حرفك وأصدائه.


اسهار بعد اسهار

هنا .. تستأثر أنت بصوت حرفك وأصدائه.


 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 29/10/2012, 01:47 AM
محمد رفعت الدومي محمد رفعت الدومي غير متواجد حالياً
شـاعـر
 


محمد رفعت الدومي is on a distinguished road
افتراضي اسهار بعد اسهار

إسهار بعد اسهار











محمد رفعت الدومي







إهداء


إلي الذي رائحته لا تشبه روائح الآخرين

إلي الذي .. الخزامي وأكثر .. التوليب أيضاً ، وأكثر من أي وقت ٍ مضي

الشيخ رفعت عبد الفتاح أحمد سالم

مرة ً أخري وذهباً أقلَّ



محمد












الكلُّ في واحد
عندما يصير الوقتُ خلوداً
سوف نراك من جديد
لأنك صائرٌ إلي هناك
حيث الكلُّ في واحد (*)






(*) : نشيد الموتي













(1)


الآن ..
يعود الألم الطرفيُّ إلي المركز ، ويفلت البالونات عامٌ أتمَّ امتلاء خسائري ، وتسقط البالونات في الدقيقة الطليعية من عام ٍ يعد بالكثير من خسائري المؤجلة ، وأمرُّ منحنياً ، لكن بكثافة ٍ شديدة . تحت أقواس خسائري ، وأخلد هذا المنعطف الشهير بسلة ٍ من الشوك المقدس ، والمكدس ، في بهو ٍ سحيق ٍمن الزهور الذابلة ، تكريماً لشبه ِ أبي البشريِّ لا أكثر ، وأسأل كل القوي الإيجابية في الطبيعة أن تجعل من هذا الطقس البسيط أفعالَ وفاءٍ لعابر ٍ يرج قامته المرتفعة في روحي الفردية بتصرفات ٍ مرتفعة ، وأستطيع أن التقط خيوط حميميته بوضوح ٍ أخاذ ، من بين غابة من الخيوط المتشابكة . والمتشابهة أيضاً .
وربما أكون في الطريق إلي إسبوع ٍ مزدحم ٍ باللهجات المتسرعة ، حيث يرتفع القانون عن الأرض بضعة ملليمترات ، أو لهجات الذين يرجمون قابيل بغابة ٍ من اللعنات المزمنة تعقيباً عصبياً علي قتله أخاه ، أو الجريمة الأولي كما يعتقد البالون وأصحاب الحد الأدني ، وربما أراد الرجلُ أن يربِّي في جسد أخيه الألم الشهير لا أن يربِّي في جسد أخيه ، الموت الوافد من أصقاع الصفر .
لا تكترث لهم ، لك قصيدتك أيضاً ، ولك أبوك ، وأبوك تعبيرٌ محميٌّ ، لا يستطيع امرؤٌ أيَّاً كان ، أن يدَّعي صلاحيته للاختصاص باستثنائيته ، حيث لا يوجد تراجع ، سوي الذين ارتجل لهم أًصيصُه ، بفعل استحواذ تسع ٍ من حماقاته المؤدية ، جذوراً .
لكن أباك مات ، وقام القبرُ بهضم عبثيته تماماً ، مات أبوك بتصرفات مرتفعة ، مات صاحبُ المساحة الوحيدة البيضاء في زمن ٍ مكتظٍّ بالمساحات الأخري ، مات الذي كان بوسعي أن أخبئ هزائمي بمأمن ٍ خلف دفئه الطليق .
وكان له أن يحظي بمأتم ٍ يعكس تلك القيم المرتجلة التي واظب علي حراسة جذور الإخلاص لها بعرض العمر وعلي طول التحفظ الصحيِّ تماماً ، وكان عليَّ أن أفسح له سلة ً من قيود الإخلاص لشاعر ٍ لا يميلُ إلي دين ٍ قط ، وأن أوطن نفسي علي مواجهة التقاليد السخيفة بوجه ٍ مطهَّم ٍ بالنفاق والدجل .
وربما بدقة ٍ أكثر ، أن أفسح له سلة ً من قيود الإخلاص لشاعر ٍ ، يدين بدين السيد محيي الدين بن عربي ، ذلك المسخ ُ. ذلك المرجع ، والعلمانيُّ السابقُ لأوانه .
كم هي محيِّرة ٌ تلك الرياضة التي أسلمت ِ الرجلَ إلي قناعته الممتلئة إلي حد بعيد ، وربما إلي مدي أبعد جمال ذلك الشيطان الذي انخرط في سرِّه بإفراط ٍ حين عزف أبياته الشهيرة .
لقد كنت ُ قبل َ اليوم أنكر صاحبي : إذا لم يكن ديني إلي دينه داني
لقد صار قلبي قابلاً كلَّ صورةٍ : فمرعي لغزلان ٍ ودير ٌ لرهبان
وبيتٌ لأوثان ٍ ، وكعبة طائف : وألواح توراة ٍ ومصحف قرآن
أدين ُ بدين الحب ِّ ، أنّي توجهت : ركائبه ، فالحبُّ ديني وإيماني
جدِّف جدِّف . ليست الحياة سوي حلم ، وليس الموضوع في إطاره ، وربما كان تعقيباً سخيفاً علي مشيئة ٍ غامضة ٍ ، لكن تدور حول محور ٍ واضح ، مواصلة التعاسة في لهجات البسطاء انتشارها .
ولأنني لا أتوقع الطاعة ، ولا الصمت َ ، أؤكد أننا في الطريق إلي عالم شامل ليس به موطأٌ لقيم ٍ سوي الاستقلالية والحرية الشخصية ، وليس به أيضاً موطأٌ لمقدَّس ٍ سوي الإنسان .
واقع ليس من الحكمة اختباره ، ولن يواجه أبداً إلغائه .

(2)



كان الذين لا يرون أبعاد شخصية أبي في ضوء قريب ، يردّون عراءَ أعصابه الدائم إلي ولادته المبكرة ، الشاعر القديم جرير أيضاً ، ولدَ لسبعة أشهر ، ولقد اتخذ الفرزدق ، الشاعر القديم ، من ذلك المنعطف الأليف من منعطفات حياته ذريعة ً لهجائه ، يقول :
وأنت ابن ُ صغري لم تتم َّ شهورها .
ولأنني انحاز علي الدوام إلي أبي ، انحزتُ مباشرةً ، منذ أن وقفتُ علي هامش المعركة الشهيرة بين الشاعرين ، وقرأت هذا المنحدر الشعري من منحدراتها ، إلي ائتلاف المتواطئين مع الشاعر الكبير جرير ضدَّ الفرزدق الشاعر الكبير ، الشاعر الكبير بحماية مقاييس الشعر في عصره طبعاً ، فإنَّ شعرَه لايصمدُ أمام مقاييسنا الحديثة للشعر فقط ، بل ويضاف الكثيرُ منه إلي آثامه العديدة ِ أيضاً ، آثامه التي لم يتَّسع ِ المؤرخون للوشاية بها منجَّمة ً ، فعمَّروا لها شارعاً علي طرف الزمن ، وعلقوا عليه لافتة ً كبيرةً . ليلة الفرزدق .
يزعمون الفرزدق مرَّ ذات ليلة ٍ بدير ، وعرضت راهبة الدير استضافته فقبل ، وجاءته بشرائح لحم الخنزير فأكل . وبخمر ٍ فشرب . ثم فتحت له خزائنها فزني بها ، ثمَّ .. ليزيِّن ذكري الليلة علي مايبدو ، سرق وشاح الراهبة وانسلَّ بالليل إلي الضياع .
لقد اقترف الرجل كلَّ الموبقات في ليلة ٍ واحدة .
أشكُّ كثيراً في صحة هذه الوشاية ، ولا أشكُّ كثيراً في وقوفها علي حافة الخلق الشهيرة ، وإن كان الفرزدقُ بكلِّ ظن سيئ منوطاً .
لكن الذين يعرفون أبعادَ شخصية أبي ، لا يرضون بهذه المقاربة المتسرعة ، ولا أرضي بالطبع ، وأري أن وجه حنانه المدوَّر مشرعٌ لمغفرة هزائم العالم ، وإن كان عراءُ أعصابه يلسعُ أحياناً ، فهو لسع الورد لا أكثر .
وأري أن أفعال أبي ، أبعد الأفعال تعبيراً عن ضيق الأفق والبعد الواحد ، هذا يقودني إلي ذكري بعيدة .
أتذكَّر أنَّ أبي صعد يوماً ذروة َ نقطةٍ من نقاط صفائه الذهنيِّ ، وكانت تتواكبُ عادةً مع انسياب القطرات الأولي من عصير الأفيون الأسود في دمه ، وكنت أعرف أنها قافيةٌ ملائمةٌ للوقوف بذهن ٍ معلن ٍ علي كافة التابوهاتِ دون مراقبةِ العواقب ، وأنشدته خلف حديثٍ عالقٍ بالطرح بيت أبي العلاء :
أفيقوا ، أفيقوا يا غواة فإنما ، دياناتَكم مكرٌ من القدماء
وانتزعَ ذهنَه برفق ٍ من عالمه ، فجأةً ، ونظرَ إليَّ في دهشة ٍ، والتقطتُ خيوط رائحة الأدرينالين تتناسل في دمي ، ثمَّ ابتسمَ ابتسامةً معقوفةً انخرطت في سرِّي إلي الأبدِ ، وعاد إلي عالمه ، شعرتُ بالخوف يتبدَّد .

ذكَّرني في اليوم التالي ، بمساري الأزهريِّ ، وما يمكن أن تشكِّله قناعاتي الطارئةُ من مخاطر علي مستقبلي لا أكثر ، مع ذلك كان متسامحاً جداً .
ربما كان ذلك التماهي معي تعليقاً جارحاً علي شكه في سلامة عقلي ، وهو شكٌّ يقومُ علي الكثير من الدعائم التي تسبق ركام التحول عادةً بشجاعةٍ صلبةٍ ، نزوعي الشديد إلي العزلةِ الصارمةِ ، وما تشكِّل العزلةُ من التعابير الشهيرة ، خجلي المتفاقم ، وجهي المستغرق ، نظراتي المحاطة بالتوترات ، أحاديث النفس التي تنمو بصوتٍ مسموعٍ علي أسيجةِ العزلة ، طبيعتي القلقة ، وشرودي المسرفِ في التكرار ، خارج الآخرين وخارج قواعد المنظور تماماً .
ربما اعتقدَ الكثيرون ، أنَّ مرونة أبي الممتلئة حيال قناعاتي المتطرفة ، هي صفر امتلائها ، وهذا اعتقادٌ يجري في يقين الخطأ ، فلقد اخترتُ خرزتي من العقد بعزيمةٍ لا تقيمُ لرضا أبي ولا لسخطِه وزناً .
حدث هذا بالطبع بعد أن سيَّجتُ ذهني بأفكار ٍفولاذيةٍ ، حتي لا يستطيع امرؤٌ أيَّاً كان أن يسمِّرَ فيه أوراقاً مقدَّسةً ، حيث توقف الوقتُ وتجاوز الأساليب ، حتي القشرة الأكثر عمقاً .
أصبحتُ خارج التسريحة القومية المرتبكة ، وأصبحتُ أيضاً خارج عالم البالين وأصحابِ الحدِّ الأدني تماماً ، وإن كانت تربطني به غابةٌ من العواطف المبتذلة .

(3)
علي جسر اللوزية ، تحت وراق الفي
هب الغرب ، وطاب النوم ، وأخدتني الغفوية
وسألوا كتير علي ، علي جسر اللوزية
لا أريد الانزلاق في شرخ الحديث عن إشكالية الحبِّ والحرب .
وبذهن مسيّج ٍ بأفكار ٍ فولاذيةٍ ، أسمي السيدة فيروز ، قوقعة المثقفين من الماء إلي الماء وأبعد ، أو من المحيط الأطلسيِّ إلي الخليج الفارسيِّ وأبعد .
وبذهن مسيَّج بأفكار ٍ فولاذية أسمي الأنقياء ، والنقاءُ كاسمه ، أولئك المتواطئين علي حراسة جذور الإخلاص لقهوة الصباح الشهيرة ، وغلالة العطر المسائيِّ المسرفة من الماء إلي الماء وأبعد ، فهناك الكثيرون من الذين زهدوا في مياهنا الآثمة ، وارتجلت أصص المنافي لهم جذوراً ، وبعضَ الحنين .
وبذهن ٍ مسيَّج ٍ بأفكار ٍ فولاذيةٍ ، أؤكد ألا صوتَ يتَّحد بصوت السيدة فيروز نبلاً إلا صوت السيدة ميراي ماثيو ، وما يكتظُّ في أجراسه من العطر الفرنسيِّ الجارح .
ويلزمُ لبنان ، ويلزم اللبنانيون أن يمرُّوا منحنين ، ولكن بعدالةٍ صلبةٍ ، تحت أقواس هذه المرأة ، وعمارتها الفينيقية الطابع ، فما من مرةٍ تدقُّ أوقاتنا ، إلا وينحسر الصوت ُعن لبنان وقد أحرز نقاطاً إضافيًَّةً في مقاييسنا للجمال ، حقيقةٌ لا تحتاج إلي الوقائعية للحكم علي امتلائها ،
ولقد أصغي اللبنانيون ، متأخرين ، إلي ماضي لبنان في ظلِّ صوتها الذي يعي لبنان بكلِّ جلال ، ويعكس تقويمه علي سطحه اللامع بذاكرةٍ مشتعلة ، فنوَّهوا عن خفاياهم ، وتزاحموا في لحظةٍ داخليَّةٍ ، ولكن جماعية ، حول جدل الفارغ والممتلئ ، فجعلوا من السيدة فيروز معادلاً إيجابيَّاً للشطربة الفارسيِّ في جنوب لبنان ، أو البالون المملوء بروث عبدالله بن سبأ ، أو السيد حسن نصرالله .
لست ُ أدري لماذا كلما رأيت وجه ذلك الرجل ، انتزع بعنفٍ ذهني ، وألقي به علي أطراف الكلمات الحادة ، في بيت الشاعر القديم ذي الإصبع العدوانيِّ ، الشهير :
لو يشربون دمي لم يرو شاربَهم : ولا دماؤهمو للغيظ تشفيني
لا لما ينطوي عليه البيتُ من عنفٍ فقط ، وإنما لإصبعه المدجج بالوعيد في كلِّ إطلالاته التي تستهدف القطيعَ من الماء إلي الماء ، والأعداء اللبنانيين خاصة ، لقد تجاوزت مذهبيةُ الرجل كلَّ الثوابت التي تحكم العلاقة بين الطوائف بشكل ٍ واضح ٍ ، حتي أنه غامض ، بل شديد الغموض ، كأنَّ الرجلَ يعتبر القومية اللبنانية تعبيراً محميَّاً ، فلا يحلُّ للبنانيٍّ خارج قناعاته هو ، أن يدَّعي صلاحيته للاختصاص بها ، وهو الذي يضبط إفطارَه في أيام الصوم الشيعيِّ علي توقيت "قم" !
مهزلة ، بل يقين المهزلة ، غير أنَّه كان داخل تقدير أبي تماماً ، العم عبدالباسط أيضاً ، لقد تسلل الرجل تحت درع ٍ كثيفٍ من الأوجه المرتعدة ، وحاجة البسطاء إلي أدني بقعةٍ من ظلِّ البطل ، وإن ِ البطل الضدّ ، إلي شغافهما ، واستطاع أن يعلق ببساطة صورة له تجاور صورة عائق نهضتنا المقدس ، أو السيد جمال عبدالناصر لا أكثر .
وأتذكر أنني لم أر أبي ، أو العم عبد الباسط في حالة من نار المرح الداخليِّ أكبر من حالتهما يوم انهيار البرجين الأمريكيين ، هذا دفعني إلي الانضمام إلي ائتلافهما لبعض الوقت ، والتقطت من حواسي بعض المشاعر الشريرة ، ونسجت منها قصيدة إطراء لأسامة بن لادن ، لقد نفق الرجلُ مؤخراً ، وتوقفت جرائمه إلي الأبد .
صبيحة نفوق السيد صدام حسين أيضاً ، ربما لتوقيت قتله المعاير بعناية شديدة ، ومهينة لكل المتوقفين وبني تميم ، فوق جذور واحدة .
أتذكر أيضاً أن العمَّ عبد الباسط ، كان ينشطُ كثيراً في ظروف تبادلات إطلاق النار الشهيرة بين السيد نصرالله وبين إسرائيل ، لا يكون فقط متحمساً بشكل ٍ رائع ، بل يكرس حنجرته نبعاً للشائعات التي تنشط علي الدوام في مثل هذه الظروف ، ويدعي صباحَ كلِّ يوم أنه في عصر ذاك اليوم سوف يحتل " تلَّ أبيب " ، ويقتل اليهود ، حتي الأطفال في بطون الأمهات اليهوديات ، ثم .. يصلي في المسجد الأقصي ، ياللنقاء !
وأسكتُ ، كنت أعرفُ أنه ينوِّه عن حلمه الأبيض كوجه هملايا ، وكنت أعرف أنَّ تشويه تلك اللحظات الشحيحة من وخزات الكبرياء في روحيهما المتعبين ، حماقةٌ ، لا تطاولها حماقة .
كنتُ أعرف أيضاً أن الرجلَ ، بفعل استحواذ حماقته الجديدة سوف يؤكد لبنان ، علبة بريد عالمية لتبادل الرسائل السياسية تماماً ، كما أكدت فيروز بطقس بسيط جسرَ اللوزية في شطربيته الجنوبية ، أثراً مؤجلا يتصدر قائمة المزارات السياحية اللبنانية ، ورغبة الكثيرين من الماء إلي الماء المتفاقمة في زيارته ، أتمني وأبي ، كما أتمني وأبي ، أن يعود الرجل إلي راية بلاده الناقصة ، أو أتمني وأبي ..
أن يصبح الإسرائيليون أشد خشونةً تدريجياً .
انتبه اللبنانيون أيضاً إلي حقيقة أن شادي فيروز لم يمت كما يتوهم الحمقي ، وإنما هو مفقودٌ لا أكثر ، بل أشهر المفقودين من الماء إلي الماء ، وكان تعقيب اللبنانيين نكتة ، وربما بدقةٍ أكثر ، كان تعقيب اللبنانيين جسراً يربط بين رائعتين من روائع فيروز بطريقة مضحكة ، لكنه الضحك الذي كالبكاء .
يقول اللبنانيون أن السيد أيهود باراك ، وزير دفاع اسرائيل ، اتصل بالسيدة فيروز أثناء حرب من حروب السيد نصرالله الآلهية ، وقال لها :
- قولي لنا وين جسر اللوزية ، واحنا نرد لك شادي !
صورة تعكس الصورة كاملة ، وتشوهها كصورة مرتجلة في نفس الوقت .
ذلك يعني ، أنهم يدركون تماماً ، أن مواطئ الخسائر اللبنانية أصبحت منعدمة تماماً ، ويدركون أيضاً ، أن شادي سوف يظل يلعب علي الثلج ، إلي الأبد .

(4)

عشرين مرة إجه وراح التلج
وأنا صرت إكبر ، وشادي بعدو صغير
عميلعب عَ التلج .....

كان شادي في الطريق إلي يقين الأسر ، وكان أخي حازم ، في الطريق إلي أفكاري المضجرة ، محمود أبو عبد المنعم أيضاً ، لم أكن قبل دقائق ، أعلم شيئاً عن الموكب الذي ذهب وفي صدارته مرض أبي ، إلي الطبيب ، أخبرتني أمي أنه لم ير ضرورة لإيقاظي مبكراً ، لقد تحلَّلت تعابيرُ وجه حازم إلي تعبير واحد فقط ، الجمود ، وشهقة متحجرة عليه أيضاً ، مع ذلك كانت قامته عادية ، أو هكذا خيِّلَ إليَّ ، قال محمود :
- رحنا للدكتور !
ونظرت مباشرةً إلي حازم في قلق ، تضخم قلقي عندما أسكت محمود فيروز بعصبية ، وأدركت أن حجراً يتهيأ ، تساءلت :
- خير انشاء الله ؟
قال حازم بصوت كأنه يخرج من خلال شوكٍ وحجارة :
- الدكتور قال ، عنده لحمية في الحوض !
تلك اللحظة التي تخترق فيها الكارثة القلبَ والعينين .
وتنبهت إلي الذهول يهيمن ، وانخرطت من حوليَ الأشياءُ في ذهولي ، وانتبهت إلي يدٍ هائلةٍ ترجُّ في روحي عصا غليظة .
آه ، لحمية في الحوض ، هذا هو المصطلح الطبي للسرطان في الدومة ، وهذا أيضاً يعني أنَّ أبي ، أنَّ سطح خيمتنا ، صار ضيفاً علينا ، أوصرنا ضيوفاً عليه ، لسلةٍ من الشهور لا أكثر .
الآن يا أبي ؟
الآن ونحن في مفترق الموج ، تطيرُ طرقُ ريشك ؟
الآن ، وإسلام يمارس خطواته الأولي علي طرف الوجود المتاح ؟
بسطت يديَّ في لحظة ذهول واضحة . وأخذتُ أجلدُ وجهي بعصبية وقسوة ، وصاح حازم مستنكراً ، في غضبٍ حقيقيٍّ ، وبصوتٍ طارئ مزَّق ذهولي :
- أمانة يا محمد ما تعمل كده ، إحنا عارفين الموضوع هيرسي علي ايه ؟
كان في تلك اللحظة خارج ذاته تماماً ، وكانت أعصابُه عارية تماما ، لقد أدركتُ أنَّ غضبه تعقيبٌ علي شعوره الهائل بالفقد المؤجل ُ ، وقطرات الذعر التي تسللت إلي أعماقه دفعة واحدة ، حتي شكلت مستنقعاً مساور .
كان يريدني أن أطرد أعشاشها ، وألقي بها في حوض الصباح البعيد ، أو كان علي الأقل ، ينتظر مني ولو لبعض الوقت ، بعض الكلمات الملونة بالتفاؤل ، ليشكل منها درعاً كثيفاً يدرأ عن ذاته انعكاسات الواقع الشرير ، الذي لا يتسع له ، حتي يرتب من جديد بيته الداخليِّ المنهار .
وأعترف .. أن التنويه عن قلبي في ذلك الوقت كان خطأً كبيراً ، وكان من اللائق أن أتمسكَ بجذر الصمت ، لكن عذري أنَّ بيتنا ..أصبح مباشرةً ، في مواجهة السرطان .
وأصبح إحساس أبي المرتعش واقعاً ، وأصبح من اللازم أن نحدد أيَّ قدر من المشكلة علينا الإمساك به حتي تصبح المشكلة قابلة للتجاوز .
مهما كان الأمر ، لقد رمي حازم بحجر، في بحر حياتنا الآمنة ، في صباح يوم جمعة ، سوف يثور له بعد عامين وبعض العام ساحلٌ بعيد .  
رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:39 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.8 Beta 1
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
3y vBSmart
جميع الحقوق محفوظة لـ منتديات إملاءات المطر الأدبية - الآراء المطروحة في المنتدى تمثل وجهة نظر أصحابها