إملاءات المطر   إملاءات المطر


معطف [ الكاتب : مصطفى معروفي - آخر الردود : مصطفى معروفي - ]       »     مراحب [ الكاتب : فتحية الشبلي - آخر الردود : فتحية الشبلي - ]       »     آخر الأنقياء العابرين.! [ الكاتب : رداد السلامي - آخر الردود : رداد السلامي - ]       »     قصة حزن نوف [ الكاتب : خالد العمري - آخر الردود : خالد العمري - ]       »     مطر.. مطر [ الكاتب : أحمد بدر - آخر الردود : أحمد بدر - ]       »     حنانيــ .. آت ! [ الكاتب : عبد العزيز الجرّاح - آخر الردود : عبد العزيز الجرّاح - ]       »     ما أجمل أن..! [ الكاتب : عبد العزيز الجرّاح - آخر الردود : محمد الفيفي - ]       »     ركن خافت و [ أَشياء لن تهم أَحَداً ، ... [ الكاتب : ريم عبد الرحمن - آخر الردود : محمد الفيفي - ]       »     .. وَ .. [ الكاتب : أسامة بن محمد السَّطائفي - آخر الردود : محمد الفيفي - ]       »     افتقــــد !! [ الكاتب : ضحية حرمان - آخر الردود : محمد الفيفي - ]       »    


العودة   إملاءات المطر > الإملاءات الأدبيـة > حرائـر غيمتي
التعليمـــات التقويم

حرائـر غيمتي هنا .. تستأثر أنت بصوت حرفك وأصدائه.


] خ ـبايا الزوايا [

هنا .. تستأثر أنت بصوت حرفك وأصدائه.


إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 14/04/2007, 10:32 AM   #51
إيناس الطاهر
روح المـطر
 
الصورة الرمزية إيناس الطاهر
افتراضي مجموعتي لـ مسابقة نعمان ناجي / 10 قصص

الزنزانة


غموضٌ يكتنفُ تلكَ الزنزانةِ ، حين لا يكونُ المُدرَك عنها سوى أنها سجنٌ إنفرادي يدخله المرء بإرادته ، وقد يَتكوّن فيها دون إرادته، ولا يمضي على سجنه أياماً حتى تُزلزَل الأرض بصرخةٍ تملأ الأبدان رجفةً ، ثم يتصاعدُ من خلفِ القضبان الغليظةِ دُخانٌ ينبئ عن جثة قد احترقت ، لا أحد يدري أذهبَ السجينُ للموتِ بإرادته أم أنّ هنالك سرّ دفينٌ فيها ؟
كان الأمرُ بالنسبةِ إليه أشبهَ بالتحدي ، وربما بطوق النجاةِ الممدود من علٍ ، عليه أنْ يجازف ، فذقنه الطويلة ممتلئةٌ بالأتربة ، إنه غير قادرٍ على نفضها أو قصها لقصر ذات اليد ، وثوبه الفضفاض قصيرٌ متهم بالقذارة ، ضاقت عليه الأرض بما رحبت فمن حوله يندّدون به ويتهمونه بإرهاب التصرف ، ويحيكون ضده التهم ، ليُجاد وضع الحبل حول عنقه بدعوى معتقدِه الذي يجهله ، ينظر حوله ، الجوع يسيطر على الأفواه المفتوحة .
دون أن يترك خبراً عن وجهته ، انطلق حيث القضبان الغليظة مؤمناً بأنّ عليه أنْ يسبح ضدّ التيار ، أو يعانق جدار الموت ليحيا إلى الأبد . وحتى يقوى على ذلك الخوف الذي يسيطر على نفسه كان عليه يجد النقطة التي يبدأ منها ، تلك التي تحسم الاتجاه الذي يسلكه نحو النور ، عليه أنْ يتعلم ما جهل من أمورٍ نُسبت ضده زوراً وبهتاناً ، يجد حلولاً لكل ما يعانيه شعبه المهمل ، وطبقته التي سكنت تحت الأرض ، يعيد الدفء إلى البيوت التي جعلته شمّاعة فقرها وموطن حزنها ، وسبب معاناتها .
وصل زنزانته ، استشعر لون الرماد على الجدران ، استنشق رائحة الجلود المحترقة ، قبل أن تخطو قدماه داخل القفص اهتزّ كأنه يدخل قبره حيّاً ، أيخطو إلى الداخل ويصبح رهين قراره ؟ ، أم يعودُ أدراجه ، حيث منيع غاية ! ، خياران أحلاهما مُرّ ، إنه يخاف من المجازفة ، ففيها رهانٌ على ما يجهل ، نادته جاذبية السجن : ما الحياة إلا تجربة ! فمن لا يملك مفاتيح قيده يملك على الأقل حقّ الدفاع عن حريته .
ويخطو أخيراً للأمام ، لظلمة الزنزانة .
لمْ يختلف هذا اليوم عن سابقه ، ما تزال تعبق في أنفه رائحة الجلود المحترقة ،
- لكنني لا أرى شيئاً ، كم مرّ عليّ هنا ؟؟ هل أنا نائم ؟ أمستيقظٌ أنا ؟؟هل هذه ظلمة حلمي أم يقظة واقعي المظلم ؟؟
هكذا كان يفكر وهو يحدّق في المدى ، شعرَ بجوعٍ يتغلغل في أوصاله ، انحنى حتى لامس فمُهُ أصابع أطرافه السفلى ، وبدأت أنيابه بنهم تقضم البنان تلوَ الآخر، في لذةٍ عجيبةٍ ، وألم فيه الاستيقاظ !
- هل أعاقب نفسي ؟ لا أملك إلا اشتهاء لحمي وقضمه ! ، ماذا يحدث لو قضمتُ إصبعي كاملاً ؟
الجوع يشتد ، فينتقل فمه إلى يده ، غارساً أنيابه في لحمه ، فإذا ما تألم استيقظ ، فيستشعر روحه ، ليرى صوراً تقفز إليه من الماضي حاملةً غصن زيتون وفخراً تواسي وحدته وظلمة وحدته ، فإذا أخذ الألم منه مطلبه سقطَ دون شعور ، وعندما يفيق تثيره رائحة دمه المراق ، تزيده نهماً لمزيد من احتواء نفسه ، وكأنه كلما قضم من خارجه جزءاً أعاده إليه ورتبه كيفما يريد ليقف قوياً إزاء العاصفةِ من حوله وفي كيانه ، إن جزءه المبتور ما عاد له ، وما دخل جوفه ينمو ليحيا
- هل حين نتألم نكتمل ؟ قال حكيم :انظر إلى نصف الكوب الممتلئ ، أما علم الحكيم أنّ ما بقي من الكوب بقايا فقط ؟! إنها بقايا وإنْ بلغت ثلاثة أرباعه و ليس نصفاً ،
إن من انتُزع منه شيء لا يظل كما كان بل يصير جزءاً مشوهاً ،
يؤرقني شعوري بالتشوّه ، أريد أن ]أرتبني وأحتويني [* من جديد ، فلن يخاف عليَّ أحدٌ أكثر مني ، سأعيد بناء ما ضعف حتى عدِم " لأن الخطأ الأكبر أن أنظّم الحياة من حولي ، ثم أترك قلبي في فوضى" ،
لن أرضخ للضغوطات ، ولن أقبل بعد اليوم بما يضرّني من مسلّمات ، مهما كان الخارج سيئاً فأنا قادرٌ على تغييره ، سأبني داخلي مملكتي ، أنا داخل أنا ، لينقص منظر الخارج ، ويزيد نضجاً ورفعةً داخلي ، سأواجه الفتن.
ناداه من أعماقه خوف : ماذا عساك وحدكَ تفعل ؟ هيهات حلمك .
- مالي أجبن ، تتنحى عني ثقتي فتضعف عزيمتي ،
ما بالك يا رجل ؟ أفق ، إذا لم تثق بنفسك فلن يثق بك أحد .
مرة أخرى عاد له إصراره ؛ نورٌ خفيفٌ ينبثق من أعماقه ، يمنحه العزيمة ، رويداً رويداً كانت قضماته لخارجه تتزايد بتناسق في اختيار الموضع ، يمضغ بعضه نصف مضغة تاركاً لذاك النور تكوينها من جديد ويضعها حيث يجب أن تكون .
وصل إلى مرحلة صار الخارج فيها هشاً فبدا شاحباً مرهقاً ، صارت تضايقه رائحة دمه ؛ وكأن ما يشتمّه قد فسد ، مهما كانت الرائحة منفّرة فإنها أقل فساداً من نتانة الفتن ما ظهر منها وما بطن .
نور انبثق من الجدار . شعر بتواصلٍ مع ذلك النور ، كأنه يخرج من نبضه ، وكأنّ وقت المخاض جاء وحان للجنين معانقة الحياة ، الضوء يكبر تارة ويخفت أخرى ـ كان يشعر بألم وإرهاق يزداد كلما توّسعت الدائرة وابتعدت عن مركزها ، حتى فقد وعيه للحظات ، وحين أفاق ، كان النور قد أخذ نصف الجدار فأنار المكان.
بدا الأمر أشبه بصفعة أخذت من وجهه مستقرها ، لم يكن الرماد يملأ الحائط كما كان يظن ، بل كان هناك عشرات الوجوه المعلقة عليها ملامح الفزع والرهبة ، صدمةٌ هالته همّ أن يخرج صرخةً من أعماقه ، لكنه أدرك أنه إن فعل سيسحبه النور فيحترق ما تبقى له من جسد ويكون وجهاً خائفاً التصق بالجدار ، وهكذا سيكون ضاع في أزمة الضغوطات بعد أن وجد نفسه ،
كظم جزعه ، ونظر كلّه ، كان كاملاً لم ينقص منه شيء وكأنه ما كان يقتات على بعضه ولا يلتهم أجزاءه ليحيا ، ساعده النور على رؤية حدوده الجديدة ، نهض ، بدا وكأنه يتعلم الخطو من جديد ، و سرعان ما تملكته قوّة هائلة خرجت من داخله و انطلقت لتفجّر قضبان الزنزانة ليخرج وقد ولدَ الرضا والكمال فيه !! أو ربما كان هذا شعوره !


******************************************


]أرتبني وأحتويني [ : أدركُ انها غير جائزة في قواعد العربية ، لكنني أردتُ التلميح لثورةٍ خارجية ثم داخلية وصلت إلى تحطيم قواعد العربية } ربما احتاج الكاتب أن يجعل منها شيئاً جديداً {
توقيع :  إيناس الطاهر

 

إيناس الطاهر غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 14/04/2007, 10:33 AM   #52
إيناس الطاهر
روح المـطر
 
الصورة الرمزية إيناس الطاهر
افتراضي 2

المُهرّج



كل البطاقات قد بيعت لمشاهدة أفضل مهرج في تاريخ السيرك ... بـ شهادة الملايين فقد صار الوحيد القادر على جعل كل من في الصالة يضحك ...

" في الغد علي أن اقدم عرضا يروق المشاهدين ، كم هي صعبة الشهرة ، علي أن اقدم كل مرة أضعاف مجهود أول مرة ... "

اجتماع مطول مع مدير السيرك ... نصائح وكلمات تهديد مختبئة خلف ستار البسمة الصفراء ، وحين هموا بالانصراف جاءه صوت المدير : ، في الغد قدم افضل ما عندك ...
هزّ رأسه واعداً وانصرف ...

غرفةٌ مظلمة ، لا تناسب مهرجاً ... شمعةٌ ضعيفةٌ مضيئةٌ بـ زاوية الغرفة ، بدت الألوان والأقنعة مترامية على طاولة فخمة ... غرفة واسعة ونغمات كلاسيكية تنبعث من الحاكي ... تعلو تارة وتنخفض أخرى ومع دق الوتر يرتفع نبض مهرجنا وينخفض مرة أخرى ... جلس أمام المرآة ، أمسك قطعة القطن وحين همّ بـ مسح الألوان ، خانته يده ، كم يخشى أن ينظر لـ وجهه بلا ألوان ، نسي ملامح وجهه ، نسي ذلك الشحوب الذي يعتلي بشرته ، نسي لونه مع الألوان ... بل بات يخاف لونه دون ألوان ، ترك قطعة القطن ونهض ... كان متوتراً ، كاذبة تلك البسمة العريضة التي تملأ وجهه ... كاذبة ، إن خلفها ألف آه و آه محبوسة !!! ولكنها صارت الحقيقة التي يراها الناس ، حتى ما عادت حقيقة انه معذب موجودة في قاموس المشاهدين ، خرج ناظراً للـ سماء ... مرّ شهاب مسرعاً ، حياته كـ هذا الشهاب ، بـ لا استقرار ، بـ لا عائلة ، مجرد حركات بهلوانية ، وأطباق تتأرجح على كفه المنهكة ، ورقصات ظريفة فوق كرة متدحرجة ، وربما السير على حبل بمرافقة مظلة ، هذه حياته ، التي نسي معها حقوقه ، ونسي انه أب لثلاثة أولاد أكبرهم صبي مريض .

حدق بـ الأقفاص ، كان الأسد مستسلماً للـ نوم ، اقترب منه ، حدق به ... سمع ضحكات الشمبانزي خلفه ، دوماً كان صديقه ، وكان التدريب يتطلب من المهرج الرقص والشمبانزي يضحك في قفزات محببة للجمهور ، ولكن هذه المرة ولأول مرة ، تصبح حركاته ثقيلة باردة وتافهة ومستفزة لقلبه ...
كفى ، صرخ به لكن الآخر ما ازداد إلا حركة ورقصا ، ينتظر من صاحبة تصفيقا وتشجيعا كـ عادته...
ما عاد ينظر ، ما عاد يرى ، دون أن يستطيع أخرج خنجراً من مجموعة مرصوصة على طول بنطاله الملون ، نظر بـ حقد للقرد ورمى الخنجر فتربع في صدر المسكين ، فـ اخرج آهة متألمة تمزق لها قلب المهرج .. استيقظ على فعلته بـ قهر وندم .. فتح القفص ، رفيق عمره قد مات ، وهو قاتله ، لماذا فعل ذلك ؟؟؟ بـ ارتعاشة حزينة حمل القرد ومشى به لأقرب أرض ترابية ، حفر ودفن القرد ... وبكى ، بـ مرارة بكى ... ليتهم يعلمون انه إنسان ، ليتهم لا يحملونه ما لا طاقة له به ... يضحك وفي القلب ألف همّ ، تزدان ثيابه بـ مئات الألوان المتفائلة وفي قلبه سواداً لا يضيئه فجر جديد ،

عاد لجناحه ، تمدد على سريره ، إذاً فقد بات مجرما ... جريمة لن يسأل عنها أحد ، ولن يهتم بها أحد .. سيقول انه قتل .. قردا قتل ! ومن يهتم الآن بقرد !؟!؟..

" ويحي ، أين اذهب يوم يشكيني لربي ويقول : قتلني وما أذنبت بحقه يا رب ؟؟ " ،
مرت قشعريرة باردة في أوصاله ، يا رب .. يآآآآه .. أنساه عمله الإله .. فضاقت النفس وما وجدت ملجأ .. ضاع دفء القلب .. بالابتعاد عن رضا الرب .. فـ هل عساه يعيد التفكير ؟؟ هل تراه يغير خطوات الضياع ؟؟ أيّلون نفسه بتناسق وتناغم بدل تلك الفوضوية ؟؟ يسأل ولا يجيب .. وأخيراً فضل الصمت حتى بالتفكير ...
تك ، تك ، تك ....

عقرب الثواني يدور ،
انه السر الذي لا يعلمه أحد ، خوفه من ساعة العقارب ،
حين كانت أمه تغلق باب غرفته بعد أن تتمنى له أحلاما سعيدة ، كانت تتركه في صراع مع ساعة الحائط ، عقرب الثواني في سباق مستمر مع دقات قلبه ، لماذا هذا الخوف الطفولي ؟؟؟ اعتقد انه مات من سنين لكنه اكتشف انه ما يزال موجودا متأصلا فيه ،
كان ذلك حين أهدى والده ساعة يد له وهو في الرابعة من العمر ...
وحين استعد للنوم فزع من شئ يطرق ، يسمعه ولا يعرف ما يكون ، صرخ بعلو حسه ...
وحين حضرت أمه شرح ، ففهمت ، وبدل أن تربت على كتفه جعلت منه أضحوكة بين العائلة ،
ومنذ ذلك الحين نشأ خوف وكره لـ ساعة العقارب ،
زادت بوجود ساعة الحائط ، عقارب أكبر وقهر نفسي أبطأ ! ..
بدأ يشعر بضيق عجيب .. قلبه يضيق ، وروحه وصلت بوابة حنجرته ، يعض شفته السفلى بقهر أدماها ، يداه تنتفض دون وعي ، يهز رأسه بغضب ، يمنة و يسرة ، وهي تصر
تك ، تك ، تك ....
صمت لاح بالمكان غير صوتها ، كفى ، كفى ،، دون أن ينطق ، كانت أنفاسه المتلاحقة تنبئ بما في ذاته ، ودون وعي منه مرة أخرى .. يمسك شيئا بيمينه ويضرب ساعة الحائط ...
دوي كأنه انفجار مع سكون الليل .. ثم ...
تك ، تك ، تك ...
لم تخرس ...
دون إدراك سبقته قدماه ووطئها ،
سحقها بقدمه ،
ألا موتي وليمت معك خوفي ..
يموت صوتها ...
ويعود السكون ،
وتهدأ نفسه المتعبة ...
اغمض عينيه . واخذ نفس جد عميق ،
ثم زفير طويل .. شهيق ، زفير .. وعاد له سكونه
... لينتبه لذاك الشيء الذي رما الساعة به ...
إنها صورة أولاده و أمهم ..
كم يشتاق لهم ... الوقت متأخر ، لكنه يضرب النقال على هاتف المنزل ...
وقت طويل قبل أن يأتي الرد : نعم ؟؟
انه ولده .. حياه .. وبشوق كبير ، وبدمعة مكبوتة من نار المحبة الأبوية ، يسأله عن أحوال أهل الدار طالبا عدم إيقاظهم ..
وقبل أن ينهي المكالمة يهمس الصغير على خجل ...

" أبي ، اعلم انك تعمل لأجلنا .. أمنا طلبت ألا نخبرك ، ولكن أخي الكبير متعب جدا ... جاءته النوبة ، الأطباء يقولون إنها اخطر من كل مرة ...
بابا .. لقد ادخرنا أنا واخوتي أموالا كثيرة ..
أرجوك عد .. لاجل أخي الكبير .. انه الآن بالعناية المركزة ،
صباح الغد يتحدد وضعه .. يتمنى أن يراك ،
أبتِ ، قد لا تراه بعد الآن .. عد أرجوك "

أنهى المكالمة ، وقلبه يتمزق ،
" قد لا تراه مرة أخرى " ، يا له من مهرج حزين ..
يا له من مرتدي للألوان في حداد !

شقت الشمس ظلمة الليل ..
فاق كل من في السيرك إلا هو ما غمض له جفن ،
وقبل أي شئ ، جرى نحو غرفة المدير يريد إجازة ،
ابنه مريض جدا قد يموت

"تمزح ، العرض اليوم ، سيبدأ بعد ساعة ، أنت تعلم ،، الكل حضر لاجلك وأنت تريد إجازة ؟؟"

أصر على الإجازة فابنه مريض

" حسنا قدم عرض اليوم وسافر على طائرة المساء حتى الغد .. وعد مساء الغد لعرض ما بعد الغد ، أنت تعلم ديونك كثيرة للسيرك ، ابذل جهدك ليحيا أولادك بعزّ .. ابنك مريض منذ الأزل ، اهتم بمستقبل الاثنين الآخرين "

يا لها من كلمات باردة .. حياة هذا المدير بين الحيوانات أكسبته استرخاصا لارواح البشر ..
بل إن الحيوانات لتقدر وتشعر اكثر منه ...
كانت هذه الكلمات ما يدور بخلد مهرجنا .. عاد لجناحه ،
هاتَف منزله ، جاء صوت ولده الصغير يبكي " لا تعد ، لا حاجة لان تعود .. مات أخي الكبير و أمي معه بالمستشفى ، مات أخي ولم يرك ، لا داعي لان يراك ، هو بكفن الموت وأنت بألوان الحياة ، هو بألم الموت ، وأنت ببسمتك المزيفة ... لا تعود .. لا داع لان تعود "

أنهى مكالمته .. اغمض طرفة ثوان ..
ثم .. توجه للمرآة ، صبغ وجهه بزيادة ..
جعل الألوان تصرخ طربا وحيوية ..
بدل ثوبه بآخر فيه عشرات عشرات الألوان ،
نظر لبسمته بالمرآة .. جميلة ، تبعث الأمل والصفاء والضحك ، ما رأى أي ألم على ملامحه ،،
استعد .. حتى جاء صوت المدير من على المسرح يطلب تشجيع المهرج الضاحك ..
يعلو الصراخ والتشجيع والتصفيق ..
ويخرج هو على عجلة صغيرة ، بضحكة ملأت حدود السيرك ،
ويتضاحك الأطفال ، تدخل الفيلة العملاقة ، يتراقص مع خرطومها ، ترفعه وتنزله على ظهر الأسد .. راقص الحيوانات من ألطفها لاخطرها .. قدم عرضا رائعا ، كانت فيه روح فوق روحه .. ولم يكتف ، صعد السلم العالي ، ومشى على الحبل دون مظلة ، لم يسقط ، تأرجح في الفضاء ،
بعد أن انتهى العرض .. وحيا الجمهور الذي وقف يسبقه تصفيقه ..
وهو ، ينظر من علٍ .. رأى السعادة بعيونهم .. وعند قمة سعادة البشر ، ومن صفوة ضحكات السعداء ، ومن فوق رؤوس الحضور ، مد يده للأعلى بقوة المنتصر .. وصرخ بصوت ضاع مع صوت الحضور .. صاح بملء فيه وقال بدمع يغسل ألوانه المزيفة ..
(( .... آآآآآآآآآآه .... ))
توقيع :  إيناس الطاهر

 

إيناس الطاهر غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 14/04/2007, 10:35 AM   #53
إيناس الطاهر
روح المـطر
 
الصورة الرمزية إيناس الطاهر
افتراضي 3


أوان الورد



لم تكن امرأة في حسنها ، جميلة الوجه ، بديعة التكوين، كحلاء العين ، سوداء الشعر .... أبدع الخالق فيها ، فوضع فيها من كل مقياس جمال قالباً... إن تحدثت أطربت ، وان صمتت سحرت.. إن نظرت أسرت ، وإن طرفها غضّت – القلوب ألهبت - .... إن مشت تهادت في مشيتها فـ تشتهي الأرض تقبيل كاعب القدم .. وإن وقفت رفعت الرأس فوق عنق كـ الخيزران ، وجسد كـ الريحان ، لؤلؤ اصطف خلف ورد ، كـ طابور ثابت قوي يتنور بـ نور وجهها إن ضحكت ، ويختبئ حياء من رقة الشفتين إن تاقت لضمهما... إن جلست وقفت لها الأجساد بـ احترام ، وإن وقفت ركعت لها الهامات بـ استسلام ...أنيقة الملبس .. عطرها يخبر عنها ، وملبسها ينبئ بـ مكانتها ... رأسها المرفوع يحذر من غرورها .

حلم شباب الأرض كانت ، لا يراها عازب إلا وتمناها حليلة تشاركه سود الليالي ... وان لمحها الثيب كره من جاورته فراشه ، مستقّلاً أيام سعده ... وان اشتم رائحة عطرها الميئوس من شفاه للعن زمانه ورجا القدر لو كان له في العمر بقية ... وان كان لا بد من موته فليكن بين ذراعيها لـ تلحظ الأطراف حورية الله على الأرض تمشي !!! وأما الصبي إن رآها لـ تمنى بسمة يحسده أقرانه عليها ... ويا ويلها إن سلكت طريق النساء ، فـ لن تجد إلا حاسدة أو حاقدة أو لاطمة خدها أساً أو عاضة شفتيها ألماً !!!؟

حقاً حلم الحالم كانت ، ونشوة النائم ، وإفطار الصائم ، واستقامة القائم ... أما هي !!!! فلم يفتها ما بها من جمال ، ولم يزدها ذاك إلا غروراً على غرور ،،، و كبرياء فوق كبرياء ... و عجرفة تهدم عجرفة ... من الخارج كانت البلور ورائحة المسك ، ومن الداخل كانت الفتور و طعم المسك !! ،
أجل لم تكن بحاجة لمرآة كي تصلح شكلها حتى لا يغير خيالها من حسنها ؟؟؟ لكنها ... وفي كهف قلبها ، تبيت شنيعة المنظر ، قبيحة المظهر ، مزرية المحضر ... وكـ حال أي فتاة مرغوبة ، جميلة ومطلوبة ، فقد تهافت الخاطبون ، وكثر الراغبون ، خاطب غني و خاطب فقير ، واحد كبير و آخر صغير ، طالب مثقف وفرد لا يحمل في العلم تقدير !!! ...

و هي ! لا ترى فيمن خطب المستحق، أو الفارس المنتظر ، ليس لأنها تحلم بـ رجل !!! بل لأنها ترى من نفسها عظماً لا يطاله الرجال ، و عزاً أكبر من الملوك الفرسان !. حتى كأنها تنتظر أن يكون آسرها نبيا منتظر – و أنّى له أن يكون – ، أو مالكا للمشرقين والمغربين – وهل يعاد مخلوق كذي القرنين ؟؟ - ، أو ربما رجل بـ حسن يوسف وغنى قارون !! ... وفي نفسها تعلم أنها لو وجدت رجلاً يجمع كل ما في البشر من محاسن لـ قالت : أنّى لهذا أن يكون مالكي؟!!!

و عاماً تلو عام و هي تخذل من جاءها طالباً ، و ترد من رجاها خائباً ، وتلحق الرفض بالتجريح ، و أخيراً أدارت ظهرها للخطاب ، و أنزلت دونهم الحجاب ، و أغلقت على نفسها الأبواب . فقبعت في حجرة من عاج ، و فراش من سندس و حرير و ديباج ، ولم تضع في مملكتها الصغيرة غير زجاجات من العطر ، و كثير من الثياب ، ولا يُدخل الطعام إلا على أطباق من الذهب وماء بـ أكوابٍ من فضة !! ولا يراها سيد أو خادم أو عبد .. و مضى على حالها سنينَ وسنين ، حتى طواها النسيان ، ونسي اسمها كل إنسان ، وبعد حين من الأحيان راقها أن تخرج للعباد ، فقد تاقت لنظرات الهيام والاستعباد ...! فـ ترتدي أجمل الثياب ، وتضع سيد العطور ، و تخرج من باب عزلتها و تبدأ بالسير والسير والسير و المسير ....
و تضايقها الأرض ، تسال نفسها: لِمَ عساها تعبت و الأرض مرصوفة بـ انتظام ؟؟ فتجيبها النفس الآمرة بالسوء – ربما طول الرقود كان السبب - ، وتمضي ، و كم يذهلها لا مبالاة البشر من حولها ،، النساء ينظرن للثوب و حسب ، والمتشاغلون يرفعون الرؤوس بعد اشتمام العطر ،،، ثم لا تلبث النفوس بـ إهمالها !!!! وما زاد جنونها أنها مرت بـ حسناوات يتبادلن أطراف الحديث فما رأت عين مراهق تحيد عنهن إليها !!! فـ تواسيها نفسها اللوّامة – يريدون أن يكيدوا لكي كيداً ، فـ تجاهليهم فـ مثلك أعلى من اللوم - ... وتصل مولاة الجمال لـ شارع ضاق من ازدحام المارة ، فـ تتوقف حيث كانت تكره مساواتها بـ هؤلاء اللا شئ !!؟ - كما كانت تسميهم - ، وهناك من بعيد رأت وسيماً يحدق بها ، و يقترب اكثر ، فـ اكثر . في داخلها قررت إن حادثها أن ترميه بـ كلمة تفقده ما به من وجاهة و سيادة ، فـ لما صار جارها أزاحت ناظريها ، فـ همس لنفسه – علها لا تراني - ، انحنى نحوها وقال برقة : أأساعدك في عبور الشارع يا جدة ؟

يا جدة ، يا جدة ! يا جدة ؟ يا جدة!!!؟؟؟؟؟
مراراً وتكراراً ترددت الكلمة الأخيرة في ذهنها ، فـ حدجته بـ نظرة شرسة ، ثم أزاحته بكل قوتها حتى كاد يسقط . لعنها بـ صوت عال فـ انقبض قلبها لـ عزة في نفسها ما جرؤ أحد منها على سبها ! شهقت و لطمته على خده ، فتجمع الناس حولهما وكلهم يحاول تهدئة الوضع ويرجون الشاب بالتزام الصبر . تقدمت منها عجوز قائلة : إهدأي يا اخيّه ، فـ قالت بـ غضب : ذلك الأخرق قد تطاول علي ، ثمّ.... جحظت عيناها و لم تنتبه لصوت أحد حولها ، فقد راعها تغيُر صوتها ، وتلك الحشرجة الخشنة في صوتها ! و كأنها فهمت بـ قهر قصد الفتى بكلمة جدة ، وما عنته العجوز بكلمة اخيّة ،،،، فـ مضت مسرعةً حتى اختفت عن الأنظار ...

أوقفها التعب أمام منزل لـ قوم يتسامرون ، التفتوا لـ لهاثها المستمر بـ اهتمام . تقدمت طفلة وبـ حنان همست : كوب ماء ؟؟؟
ردّت مولاة الجمال نافية : مرآة ... أعطني مرآة ،،
وبين ذهول الموجودين أحضرت الصغيرة مرآة وناولتها لها ، و بيد مرتجفة ، و عين دامعة ولسان يسأل الرب أمرا ،، نظرت وجهها ،، شهقت ،، ثم أعادت النظر فـ لطمت ،،،
أمعنت النظر ،، فـ صرخت ...
إنها تغار منها ، دوماً كانت المرآة تغار منها ، وإلا فما معنى ما هنا تراه !!؟؟ ، عينان ناعستان غائرتان ، شفتان ترتعشان مضمومتان !! ثم ،، خطوط كثيرة تنتشر على الخدين وتحت الذقن و على الجبهة ، أهي التجاعيد ؟؟؟ وعنقها الطويل ، عنق الخيزران ، بات مترهلا غريبا .. بكت و بكت ... بـ حرقة و ألم بكت ... حدّق الجمع بها في عدم استيعاب لكل ما يجري إلا عجوزا تقدم نحوها فلاقت عيناه عيناها ... حاولت جاهدة تذكره لكنها لم تقدر رغم ثقتها أنها رأته ذات يوم .. قال بـ همس تعمد ألا يسمعه سواهما : ألا تذكريني يا سيدتي ؟؟ أنا خاطب جاءك ذات يوم فخور بـ نفسه ، معتز بـ علمه ، عصامي بنى نفسه ، جاءك واثقا بـ شبابه ، فرددته خائبا وأهنته و أضحكت القوم عليه ... ماذا أردت ؟ أردت البقاء حلما عند الرجال ؟؟؟
أما فكرتِ أن للعمر ضريبة ؟؟ أما علّمت نفسك أنها اليوم مرغوبة ، وفي الغد ليست إلا مسلوبة ؟؟؟ ها أنت الآن بلا أهل و لا سند ، بلا زوج و لا ولد ؟ أما أنا فقد تزوجت فتاة لم تكن بـ جمالك لكن انظري الآن لذلك التلألؤ على وجهها وتلك السعادة وهي محاطة بأولاد و أحفاد عظيمة عندهم سعادتها ... أغركِ أن جمالك قاتل؟؟؟ فـ انظري ماذا عساه الساعة يفعل؟؟ لن أقوم برد كرامتي الآن خوفا على تلك الشيبات التي اعتلت رأسك ، لكن عذرا ليس لكِ مكانا بيننا ، لا اقصد هنا ، بل بين البشر!!! عودي لمخدعكِ العاجي و اجعليه قبرك، أنت الآن نسيا منسياً فـ استمري على ذلك ، و تأكدي أني لن افضح هويتك حتى تبقي في ذهن المتخيل تلك الجميلة المغرورة ... اذهبي سيدتي ...

مسحت دمعها و أدارت ظهرها ولسان حالها يقول : ((( يا من ظننتِ أن جمالكِ دائم ،،، تكدري ، فان غدا قادم .... يُميت جمالك ويقتل حسنكِ ،،، و يُبعد عنكِ العاشق المتيم... ))) ، وبقيت تردد : غدرنا الناس و استكبرنا عليهم ، و ما درينا أن الزمان غادر ......

ثـــــــــــــــم غابت في الزحام....
توقيع :  إيناس الطاهر

 

إيناس الطاهر غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 14/04/2007, 10:36 AM   #54
إيناس الطاهر
روح المـطر
 
الصورة الرمزية إيناس الطاهر
افتراضي 4

الأحدب


دوما تشده قصة ( احدب نوتردام) يتوه في كلماتها ، في زواياها ، هو و أحدب القصة مختلفان متشابهان في الوقت ذاته ، يختلفان في أن أحدب نوتردام رأس الصفحة ، و هو ذيلها ، ربما ، لان هناك بشر جاءوا لهذه الدنيا ، ورحلوا منها نسيانا باختيارهم ، و يتشابهان في أن كلاهما يحمل حدبة ثقيلة فوق ظهره ، حدبة أجبرته على الركوع وهو عزيز النفس طاهر الروح!!!

نعم أحدب هو ، لا تكفيه هموم الأرض بل تزيد عليها كتلة ثقيلة دمجت نفسها بقوة وتسلقت كاللبلاب ظهره ثم مدت جذورها عميقة إلى العظام فنخرتها وبنت مستعمرتها فيها فشلّت إحدى القدمين وباتّ لا يفارق كرسي بعجلات ، أحدب مشلول !!! ولم تكتفي تلك الكتلة اللعينة بذلك ، بل لقد مصّت عروقه وشربت دم الحياة من وريده وقضت على لسانه بأن يحمل فوق ظهره ثقلا يمنعه من إبانة المعنى وتوضيح الكلمات ، احدب ، مشلول الحركة ، اخرس اللسان !!!

منذ وعى على الدنيا وتفتحت مداركه للحياة منع عن نفسه نور الأرض ، لم تر غرفته ضوء النهار ، لم تعشق شرفته رائحة القهوة بين زواياها ، كيف يفعل و هو يرى عيون الناس شامتة ، مستخفة ، حاقدة ، مشفقة ، وربما خائفة ، ليس والله مجرما ، ليس مخيفا ، داخله طاهر ، يحتاج المحبة ، يحتاج الأمان ، لكن حدبته اللعينة تقف حاجزا بينه وبين البشر ، ضغوط نفسية أجبرته على أن يغلق عليه بابه ، ويبتعد عن كل شئ ، وحش هو ، من يرضى بوحش !!! يعيش بين الكتب والروايات ، هكذا رضي لحياته بأن تكون ، ولفكرة أنه احدب وحشي مثقف استسلم !!!

ويحن للنفس الخروج ، فيعاتبها : يا نفس استكيني وليني ، وإياك أن تُهاني أو تهيني ، ما لك بين البشر مستقرا فاهدئي ، وبالله استعيني ..

لكنها نفس عدوة ، تأبى إلا الخروج ، وبعد زمن طويل ، زمن جدا ، جدا طويل ، يفتح بابه وينزل الشارع ، يجوب الشوارع ، يرى العيون تهاب أو تلوم أو تبتعد مشمئزة ، و كأنه كتلة من القذارة ... يستمع للكلمات الجارحة ولكنه صمم عدم التراجع ، أراد أن يكسر هالة الخوف داخله ،مضى في طريقه ليرى مطعما أمامه ، توجه نحوه وحين هم بالدخول صده صاحبه ، عذرا لا مجال ، أخرج محفظته إيحاء بحمله النقود ، فاعتذر الرجل مرة أخرى ، منظرك لن يشجع الزبائن على البقاء ، ابتلع الإهانة مجبرا ومضى ، ساهما ضائعا لا يفيق إلا على شتيمة ، أو كلمة بذيئة ، ثم ، دون سابق إنذار التف حوله مجموعة من المراهقين ، غطوه ، وفي لحظات كانوا يجرون بعيدا ، سرق الفتية محفظته ، ربما رأوه وهو يخرجها لصاحب المطعم فتبعوه ليسرقوها ، وها قد فعلوا ! ، فماذا يفعل ؟؟ كيف يتبعهم ؟؟ كيف يصرخ مستغيثا ؟؟ ومن يغيث احدبا ، مشلولا ، اخرسا ؟؟؟ ... ورغما عنه انطلقت من فمه ضحكة كبيرة طويلة جدا ، احدب مشلول اخرس ... تزداد حدة الضحكة وعمقها ، احدب مشلول اخرس ، شهقة طويلة مع الضحكة وبكاء محروق ، لماذا يبكي ؟؟؟ كان يضحك ، يضحك !! ، احدب مشلول اخرس يضحك !!!! أدار الكرسي عائدا لبيته ، وقرر ، ستكون هذه المرة اليتيمة التي يرى فيها نور العالم الخارجي !! ( و كأنه كائن من عالم آخر )

في اليوم التالي ، وفي الصفحة الأولى في صحيفة عريقة ، موضوع يحمل صورته فاتحا فمه بوسعه ضاحكا و هو يجوب الشوارع ، يقول :

" بلد حر ، وعقول متفتحة متفهمة ، والكل فيه مترابطون .. هكذا نحن في بداية القرن الواحد والعشرين !!! "
توقيع :  إيناس الطاهر

 

إيناس الطاهر غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 14/04/2007, 10:37 AM   #55
إيناس الطاهر
روح المـطر
 
الصورة الرمزية إيناس الطاهر
افتراضي 5

القمر




1

- ما اجمل الصباح حين يحمل معه توقيع السلام
- يآآآآه ، منذ زمن لم تنطق بكلمات أدبية يا حامد !! تعال واشرب قهوتك على الشرفة..
- الأدب ؟؟ تعلمين يا زوجتي الحبيبة أني لست أنساه ، محفور في حجرات القلب ولكن رغيف الخبز أبعده عني بعض الوقت ..
- والحرب ؟؟ أنسيتها ؟ تلك الصراعات من اجل الكنز ، الأرض ، والابرياء هم الضحايا دائما ...
- هههههههه ، ما زالت فيكِ تلك اللمسة السياسية ، ألا تخشين الجدران يا نبيلة ؟؟


شاركته الضحك ولم تعلق ، فكلاهما يعلم وفي قرارة نفسه أن روح طالب الجامعة والتي سكنت جسديهما بما فيها من أحلام بالحرية والرفض والطموح قد رحلت بعيدا ، بل ماتت منذ صارا أبوين لثلاث أبناء .. ولاحت فكرة هادئة تقتل أي مجال للاعتراض ، فكرة تهمس بحنان( أن كم هو جميل ذلك الصباح من شرفة منزلهما الدافئ) .

- أبي ، أبي أريد هدية العيد
- ألا تحيي والدك يا كريم !؟ - بلوم-
- آسف يا أمي ، سلام الله عليك يا أبتِ
- أهلا بولدي الجميل ، هل نمت جيدا ؟؟
- نعم ، لكن البعوض ضايقني قليلا ، لقد شرب دمي كله .
- ههههه ، وهل أحضرت دما جديدا .. لا عليك يا حبيبي ، ستقضي البلدية عليه قريبا
- البلدية ستدفن المستنقعات ، وترمم البيوت ،وتحسن شبكة الصرف الصحي ، وتقضي على البطالة ، ربما أنها ستحرر الأرض أيضا !!
- حسبك يا نبيلة .. ما يزال كريم صغيرا على اعتراضاتك .. ها كريم ، ماذا تريد هدية العيد يا بابا ؟؟؟ أتريده كبش العيد ؟؟ أم ثوبا جديدا ؟؟
- لا هذا ولا ذاك .. أريد القمر الذي في السماء ..
لم يستطع الأبوان إخفاء دهشتهما فولدهما ابن الرابعة يطلب القمر ، قالت نبيلة التي لم تستطع تمالك نفسها من الضحك : القمر الذي في السماء !! ماذا ستفعل به يا ولدي؟؟

- أريد أن أضعه في حجرتي ، فالكهرباء دائمة الانقطاع ، وأنا أخاف الظلمة والشمعة يموت نورها بسرعة...
- الطريق إلى القمر يا ولدي طويل ، فيه هموم وعقبات ، ولكن لا تقلق سأحضره لك إن شاء الله بشرط ان تكون مطيعا لامك... طبع قبلة دافئة على خد ولده وحمل حقيبته متوجها للباب قائلا : إن تأخرت فلا تقلقي علي ، قد أمر بالسوق ، سأشتري لكريم فانوسا بصورة قمر ، ثم أمر بالبلدية لأرى ما آخر تطورات وعودهم...
- احذر الكلاب ، إنها تملأ لشوارع..
- لا تقلقي الله الحامي ، ستقضي البلدية على الكلاب...
- أتظن ؟؟ حين أحضروا الكلاب أول مرة قالوا إنها لحراسة الناس ، لكنها سعرت وتمردت وطغت ، حتى البلدية نفسها لم تستطع ان توقفها ولن تستطيع ...
تنهد ومسح رأسها بحنان ، يعلم أنها تعلم انه غير راض ، لكن الصمت في اغلب الأحيان يكون ارخص سلعة لمن لا يملك الثمن....

تجاوز الوقت منتصف الليل ، وكالعادة الكهرباء مقطوعة ، جرس الهاتف ينبئ أن هنالك خبرا عن حامد الذي لم يعد بعد ، امسكت الهاتف بقلق وبدون تركيز ...
- السلام عليكم ..
- أجل ، أنا زوجته !
- بربك ماذا تقول ؟؟ لا فالكهرباء مقطوعة عندنا وصوت مولدة الكهرباء يمنعني من التركيز ، في أي مستشفى ؟؟ سأحضر فورا ..

2

نهضت بفزع من سريرها ، كان كابوسا إذا .. مررت يدها على الفراش الناعم ، كان باردا .. تنهدت بألم ، ورجعت ذاكرتها لاربعة أشهر مضت حين تلقت مكالمة هاتفيه تطالبها التوجه لمستشفى العاصمة لاستلام جثة زوجها ... هي تذكر أنها بقيت لآخر لحظة تأمل ألا تكون الجثة له .. لكنها تأكدت أنها جثته حين لمحت بألم وجهه البارد وقد غادرته الروح ، أبلغوها أن كلبا ضالا قد عض زوجها من عنقه . ما زالت تذكر كيف تقدم رئيس البلدية منها واعدا أنه سيمسك ذلك الكلب المسعور ويقتله وحين صرخت أنتم من أدخل الكلاب إلينا ، قلتم أنها ستساعد في نشر الأمان لكنها في كل يوم تقتل بريئا لا ذنب له .. أنتم من قتل زوجي .. يومها نظر رئيس البلدية لها بجفاء وقال : لا تعترضي على حكم الله ، الموت حق يا سيدتي ، ثم إن الكلب الذي عض زوجك لم يكن من الكلاب التي أحضرتها البلدية ، أنه كلب محلي ..

بعد أربعة أشهر رغما عنها تضحك... كلب محلي !! ، تنهدت بألم : نعم ، كلب مستورد ، وآخر محلي ... حتى الكلاب أصبحت بدرجات ، لكنها وفي قرارة نفسها تعلم انهم من سلط الكلاب على زوجها الذي كان له صولات وجولات في معارضتهم ومحاولته طرد الكلاب ، لقد وشى به ذو ثقة ، .. حتى الخيانة أصبحت بمستويات !! مسحت دمعها ونهضت لتتفقد الأولاد ...
- كريم ؟؟ ماذا تفعل على النافذة يا ولدي ؟؟ - اقتربت منه ، كان يبكي – ما بالك كريم ؟؟ أرأيت حلما ضايقك ؟؟
- لا ، ولكن أبي تأخر يا أمي .. قال انه ذاهب ليحضر القمر لكنه لم يعد ..

قشعريرة باردة سرت في أوصالها . ابتسمت لصغيرها وطمأنته : سيعود يا حبيبي ... قريبا سيعود
نظر الصغير لها متشككا وقال : حين يغيب القمر من السماء سيعود بابا ولكنه لن يغيب .. أمي ، إن كلمك ابي بالهاتف أخبريه أن يعود فاني بأشد الشوق اليه، قولي له أني ما عدت أريد القمر .. لاني ما عدت أخشى ظلمة غرفتي ونوره يملأ السماء التي تعلو سقفها يا أمي .. دعيه يعود ، لم اعد اخش شيئا بعده الا الظلمة ...

حضنته بقوة ، نظرت للقمر في السماء ، ودق قلبها ، سيسرق نور القمر يوما ما ، فماذا تجيب ولدها حين لا يعود والده ولا يظهر القمر ؟؟؟ حينها ستكون الظلمة والوحدة والكلاب ... ورغما عنها أجهشت بالبكاء ..
توقيع :  إيناس الطاهر

 

إيناس الطاهر غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 14/04/2007, 10:38 AM   #56
إيناس الطاهر
روح المـطر
 
الصورة الرمزية إيناس الطاهر
افتراضي 6

قريتي والخوف


لم أكن انتظر طيفه حين مر غريبا ... لأول مرة يأتي قريتنا زائر ... جلس بجانبي وقال ... أنت سكان هنا ؟؟؟

- نعم سيدي هل من خدمة ؟؟
- أرجوك ، هل لي بشربة ماء
- تفضل ... - وبعد أن شرب سألته : هل جئت ضيفا أم ساكنا أم باحثا عن أحد؟؟؟
- بل جئت قاتلا !!! - قالها وضحك -
- قاتل ؟؟؟ من أنت سيدي ؟؟؟
- أنا رسول ما عليه إلا البلاغ ... جئت من بعيد لترحل معي روح مائة من أهل قريتك ... أنفث المرض فيهم فيموتوا من لحظتهم

قالها ومعالم الجدية واضحة عليه ... شهقت وقلت له : رسول مَن أيها الغريب ؟؟؟؟ أصدقا ما تقول ؟؟؟

نهض ونفض الغبار عن ثوبه المخملي الأسود ... همس بجدية : رسول المرض الذي سيموت منه مائة من قريتك .. ابق خارج القرية حتى الغروب ... أراك على خير ...

هممت بالحديث لكنه كان قد اختفى ، لجم لساني و قلب حالي وتبعثرت أفكاري ... رسول المرض !! ... لا لا ... لابد أني كنت أتخيل ... يا رب ... مالي وعقلي ... أينكي يا غنماتي ؟؟ ...


أفلت الشمس و عدت قريتي وخوف يعتريني ... ما أن دخلت حتى بدأت الأصوات والنواح تقرع طبلة أذني ... أحد الشيوخ مر من أمامي مستعجلا

- يا عم ... يا عم - ناديته - ... ماذا هناك؟؟؟
- إنها اللعنة ... اهرب يا ولدي وانفذ بجلدك ...
- ماذا حدث ... خبرني !!
- ألف من سكان القرية ماتوا ...
- ألف ؟؟؟ وكل قريتنا لا تزيد عن ألفين شخص ؟؟؟ نصف القرية ؟؟؟ لكنه قال مائة ....
- ماذا تهذي يا ولدي ؟؟
- كيف ماتوا يا عم ؟؟؟
- لا ادري ... الكل يهرب ، اهرب يا ابني ، اهرب

عشر سنوات مرت ... ولم يبق غيري في قريتنا وغنماني ... عشر سنوات ولم تخطو قريتنا قدم ... أسموها القرية المشؤومة .. الكل يخشى دخولها ... فالموت حدث ولا سبب له ...

بينما مزماري يعزف اللحن الحزين ... سمعته يهمس لي : أما زلت قابعا في ذات المكان ؟؟؟
وحين التفت له ... كان هو بذاته ، رسول المرض !! ، بحاله وشحمه ، لم يتغير به شئ . نهضت بفزع وقلت له : ماذا فعلت ؟؟؟ أنصف القرية تقتل ... ما بالك يا رجل ؟؟؟ كيف فعلتها وجعلتها دمارا ...؟؟؟؟
تنهد وقال ... من المرض ... والله ما مات إلا مائة كما وقد أخبرتك..
- بل ألف يا سيدي
- مائة أيها الطيب ... مائة وحسب ...
والتسعمائة الباقون كيف ماتوا؟؟؟
- رحلت أرواحهم – ببرود -
- إذا ... ليسوا مائة !
- من المرض مائة يا ولدي
- و الباقون ؟؟؟
- مائة من المرض يا ولدي ... ولكن الباقون ... للأسف ماتوا ... ولكن ... كحال البشر ... ماتوا
- من ماذا ...
نظر للسماء ... ثم حدق في عيني وقال بعمق ... من الخوف ... الخوف ...
ثم اختفى ... اختفى ولم يبق غير الصدى
مائة ماتوا من المرض ... والتسعمائة الباقون ماتوا من الخوف

والتسعمائة الباقون ماتوا من الخوف
ماتوا من الخوف
من الخوف
الخوف
الخوف


الخوف
توقيع :  إيناس الطاهر

 

إيناس الطاهر غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 14/04/2007, 10:38 AM   #57
إيناس الطاهر
روح المـطر
 
الصورة الرمزية إيناس الطاهر
افتراضي 7

وحيدة الوحيدة



لم اكن ادقق النظر كثيرا لخيالي في المرآة ، نظرة اعتيادية قد لا ألمح بها تفاصيل صورتي !، استقل سيارتي ، اصل المكتب ، اجلس خلف مقعدي وأكبس زر تشغيل حاسوبي منتظرة فنجان القهوة ... تدخل وحيدة ، تلقي السلام بصوت أكاد أتبينه وكأنها ترميه لنفسها ، تبدأ حملة التنظيف ، تمسح المكتب وتفرغ سلة المهملات ، تفتح النوافذ في ديناميكية روتينية ذات وقع اعتيادي ... ثم تخرج ، هكذا عرفتها منذ عامين ، امرأة لا تعرف الابتسامة طريقا لشفتيها!!

خبرتني إحدى الزميلات أن وحيدة لقيطة ؟؟ ربتها الدولة و أسمتها وحيدة ، علمت أنها قد تجاوزت الثانية والأربعين ، لم تتزوج بعد ، طبعا ، هل يتزوج أحد لقيطة !!!!

حين تنظر لعيني وحيدة الغائرتين تشعر كم هي وحيدة !، وترى كم بكت تلك المقل !! ، أما إن حاكى الزمان تجاعيد وجهها لنطق بأسى كم تركت تجارب الحت و التعرية في وجه وحيدة من أخاديد وتلال !! دهر هي ، وما يزيد هذه المرأة غموضا صمتها القاتل ، كم أشعر بالأسى على وحيدة !! وكم أتمنى أن امسح دمعها بيدي ، لو تقبلني أختا لها ، فقط ، لاسعد قلبها ،!.

عدت من السوق ذات مساء متوجهة لبيتي حين لمحتها تخرج من أحد الزقاق حاملة أكياسا كثيرة كبيرة ، تابعتها بنظري حتى دخلت شارعا ضيقا ، لا ادر لم أوقفت السيارة وتتبعت خطاها ، كانت تسير بخطا متثاقلة من حملها ، توقفت للحظات تجمع أنفاسها المبعثرة من تعب الطريق ، وأنا ارقبها من بعيد دون أن ادري ما دافعي لملاحقتها ، كم اشعر بالألم على وحيدة ، دوما اشعر بالألم عليها ، واشعر أنها تشعر بتعاطفي معها لكنها تتجاهله دوما ، بل تحاول الابتعاد كلما حاولت الاقتراب !!! مسكينة وحيدة ، ربما تظن أنها اقل من البشر ، ربما كونها لقيطة افقدها ثقتها بنفسها !! . خرجت من حلقة أفكاري حين رأيتها تدخل ساحة كبيرة معلق على بوابتها يافطة كبيرة لم أتبينها ، قطعت الشارع على عجل وسرت أمام سور حديدي مرتفع يحيط بتلك الساحة ، توقفت ونظرت من خلاله و عجبا رأيت ، أطفالا يتركون امرأة معهم ، و يجرون نحو وحيدة المقبلة عليهم ، يلتفون حولها بشوق ، تقبلهم وتخرج ألعابا كثيرة من الأكياس ... لاول مرة اسمع صوت ضحكات متتابعة تخرج من قلب وحيدة ، لاول مرة تذوب كتلة الجليد المتراكمة على جبهتها ، تنادي بعلو حسها : هيا نلعب الغميضة !!! لاول مرة اسمع صوتها عاليا ، صوتا ناعما ، طفوليا ، كانت امرأة أخرى غير وحيدة التي استملكت مشاعر العطف داخلي .. امرأة تمنح العطف لا تحتاجه ، كريمة ، ثرية النفس والروح

و لاول مرة اكتشف أن وحيدة اسم بلا مسمى ، وأنني أنا طيلة الفترة السابقة من كانت الوحيدة !!!
توقيع :  إيناس الطاهر

 

إيناس الطاهر غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 14/04/2007, 10:39 AM   #58
إيناس الطاهر
روح المـطر
 
الصورة الرمزية إيناس الطاهر
افتراضي 8

يوميات مهزوم


لم يكن جديدا علي استقبال الفشل على عتبة حياتي ، انه الصديق الذي لا يفارقني بإخلاصه والتزامه معي ... يدعونني المتشائم ولا ادر أفي دنيانا حقا ما يدعو للتفاؤل ؟؟!!...


جلست في غرفتي أكتب كلمات يسميها الفاشلون ( عبارات دمار ) ، فتأخذني أمور وتعيدني أخرى ، لم يكن بالمنزل حينها سوانا ، أنا و فرخ يخص أخي الصغير ... بدأت أراقب حركاته الكثيرة والمتزايدة ، كان يحاول جاهدا الخروج من القفص .. للحظة باتت عيناي تراقبانه في جيئته ورواحه ، في قفزاته و صوته .. أذناي تستمعان لصوته المرتفع ، ليبدأ شئ ما يتحرك بداخلي ، شعور غريب ملئ بالغضب !! بالألم ! ، بالذكريات المرة وحطام شخصيتي المبعثرة ، حركة الفرخ جعلت روحي تختنق من الداخل ، هناك شئ يلجم صدري ، صوته بدا يضايقني ولم اكن اهتم لصوته قبل اليوم !! بدأت أرى في صغر حجمه وبساطة تفكيره عظم همي وتعقيد حياتي !! ، في منقاره الصغير الجائع رأيت لاول مرة نهم الحياة وشره ساكنيها ... تحركت نحوه ، امسكته بيميني ورفعته من قفصه .. للأعلى ، للأعلى ، ثم ألقيت به بقوة إلى الأرض ... لم يمت .. زاد صراخه ، كأنه يهاجمني ، يعاندني ، ثارت نفسي وتوترت أعصابي .. الصغير يزف الي خبر فشلي ليؤرق روحي المرهقة ، اصطكت أسناني ببعضها غضبا وقهرا و ألما ، ولم اعد أرى في الفرخ إلا بقايا حطامي و مرار حياتي ، فامتدت يدي الثائرة إلى عنقه الدقيق و أغمضت عيناي ، لا هربا وانما غيظا ، وشددت على عنقه بأصابعي ، شددت ، وشددت ، فتحت عيناي .. رايته يفتح منقاره ، يخرج لسانه وصوته معقود بصدره ، حينها .. راحة غريبة سرت في جسدي وأنا أراه غير قادر على مقاومتي !، ومجاراة قوتي ... و تبدأ أصابعي من جديد تضيق الخناق عليه ، تقيده ، تقيده بشدة ... وكلما ضاق محيط استدارة أصابعي توسع فرج خفيف في صدري إلى أن أفقت من نشوتي لاراه مستسلما لي ،، رعشة باردة أحاطت جسدي ... أي شئ فعلت ؟؟ أي ذنب ارتكبت ؟؟ أي جريمة قد اقترفت ؟؟ لم اقصد ذلك .. لم اقصد موته .. أردت أن اقتل شئ يقتلني لا أن اقتله هو ... نظرت له ، وهو بين راحتيّ .. كان يتنفس بسرعة وبلا حراك ..

بدأ شاهدي يدلك صدره برقه وكأنني أقوم بعملية إحياء القلب كما يفعل الأطباء ... بدأ لسان حالي يطلق سيلا من الاعتذارات ... ودموعي تغسل بشاعة ما فعلت .. ربما انه لا قانون بدنيانا سيحاسب جريمتي لكن شيئا داخلي يرفض قتل طائر .. شئ داخلي يقول أني الآن بت مجرما ...

بدا يفيق من غيبوبة شعرتها صعبه .. حدقت بعينيه المتعبتين .. وشعرت كأنه فهم ندمي بل ظننته يكرهني ... أسينتقم مني ؟؟ انتقام ؟؟ رميته بسرعة ، و تنقلت في أركان المنزل ، عدت لاطمئن عليه بعد أن غسلت يدي التي خنقت عنقه ، وكأني اهرب من ذنبي بغسل خطيئتي .. كان يجري أمامي وكأن شيئا ما كان !! بل وكأنه كان كابوسا .. رغم سعادتي بعدم موته إلا أن الألم اكتنفني لاني رأيت ضعفي .. وشعرت أن الدنيا تتحداني لتهزمني .. بت مهزوما حتى من فرخ لا يزن إلا بضع غرامات ...
توقيع :  إيناس الطاهر

 

إيناس الطاهر غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 14/04/2007, 10:40 AM   #59
إيناس الطاهر
روح المـطر
 
الصورة الرمزية إيناس الطاهر
افتراضي 9

لحن العودة



خلف تلك التلة قبعت قريته التي هجرها منذ سنين ... مترددا بين المضي للأمام أو الرجوع ... حمل حقيبة ذكرياته المهترئة فتحها ليطمئن على رغيفي الخبز الساخنين ، فقد وهبه إياها صاحب القرية التي كان يعمل بها .... اغلق بقايا الحقيبة ، شدّ على مزماره وقرر المضي للأمام ...

حين عبر التلة لاحظ كم ظلمة سماء أرضه ، وصداَ غير مفهوم يزرع بالنفس قشعريرة باردة ... أيستمر ؟؟؟ لا يدري ، أغمض عينيه وسلم نفسه لدولاب القدر ، الذي دار به وقذفه أمام أرجوحة خشبية حاول هو تجاهلها لكنها أغلقت كل الطرق ولم يعد غير ركوبها وسيلة للدخول ، وهذا ما فعله ركبها ... هزها برقة ... استدارت به نصف دورة وعلت للأمام أعلى و أعلى ليرى أمامه صحراء قاحلة وخيالات كأنها أعمدة !!! وحين هوت ، هوى قلبه معها .. تراجعت للخلف عالية فرأى سماء ملبدة بالغيوم العقيم التي لا تطرح مطر ... ورجعت الأرجوحة تهوي فاغمض عينيه جفلا ليشعر انه طائر في السماء ... شد على مزماره وضم حقيبته بقوة .... وسقط ...

فتح عينيه ليجد نفسه أمام تلك الخيالات التي ظنها أول الأمر أعمدة ، وها هي أمامه أجساد مزروعة بالأرض ، أكل الزمان عليها وشرب ... حاول نشلها من التراب فابت الا البقاء ، لقد تحولت أقدامها إلى جذور ... تركها ومضى

دخل شارع الأحرار ... ذلك الشارع الذي يذكر انه ما جلس فيه ذات يوم ... ها هو يدخله الآن ... شارعا ميتا لا حياة فيه ،
- لما عدت ؟؟
انه صوت حارس الشارع ، همس لنفسه ، ما يزال حيا إذا ؟ ، المهم أنى عدت – أجاب ومضى متعثرا بالرمال .. ورأى بين البيوت المهملة مكانا مفتوحا ، اقترب منه تأمله ، ورغما عنه انطلقت ضحكات باردة مستهجنة ..
- فيم الضحك يا ولدي ؟؟
- أنت ... أنت إسكافي ؟؟!
- ما تراه !
- لكنك حافي القدمين !
- وهل لنفسي اعمل ؟
- وهم !! أقدامهم بالأرض مغروسة ؟؟
- وهل هم من اعمل لهم ؟؟
- إذا لمن تعمل ؟؟
- للزوابع !
- الزوابع ؟؟؟
- الزوابع تأتى و تطلب الإتاوة ، إن لم تجد أي شئ ستجرف الأرض إلى البعيد
- لكنها رمال جافة لا تغني ولا تسمن من جوع
- لو ذهبت فأين تغرس الأقدام ؟؟
- ولماذا تغرس ؟؟؟
- ومن أين يشربون إن لم تغرس الأقدام ؟؟ ومن أين يأكلون يا ولدي ؟؟؟
- من ارض جوفها خاو ؟؟ ومن غيوم رحمها كالطبل فارغ ؟؟؟
- بل من أمل بذرته ستنضج ذات نهار ، ومن ليل فجره خارج ،
- لقد هزلت الأجساد وهي تنتظر
- ونضجت معها العقول .
- سيموتون ؟!
- وتبقى يا ولدي الجذور راسخة في الأرض ... تمنع الزوابع وأنا معها

عرف أن النقاش بات عقيما ... حمل حقيبته ومزماره واستدار
- أترحل ؟؟؟ ،سألته نفسه
- لم يعد لي مكان
- لا يمكنك أن تغير الطريق ، قد نويت الرجوع
- ظننتها جنة كما كانت
- رحيلك ورحيل أقرانك جعلها جدباء ، والزوابع أرهقتها بالإتاوات
- وماذا افعل وحدي هنا ؟؟
- ثبت جذورك
- أي حماقة تلك ، الكل يثبت الجذور خشية على التراب من الذهاب ... ما فائدة التراب ولا أجساد ، لا أرواح ، لا عمار ...
- ستحيا الجذور
- لقد جعت .... فتح حقيبته ، خانه حظه ، جفّ الرغيفان ... بل يبسا ، أما آن لك يا مزماري البكاء ؟؟ عزف ، وعزف ، لكنه لم يسمع أي لحن ... الكل حمقى والكل أغبياء .. قال ذلك والرحيل نيته ، هذه المرة خانه قلبه ، توقف ، نظر للأرض ... وامسك الرغيفين ... جعلهما فتاتا ونثره على الأرض ..

- يا حارس القرية ، نادى ، أنا ذاهب لاجمع من رحل ... المهاجرون سيعودون بالفؤوس ... وسنحيي الجذور وننقذ الأجساد ... يا حارس القرية ، قل للإسكافي أن يخلق أحذية للأجساد لا الزوابع ... وبمزماري سأجمعهم ومعي يعودون ...

امسك مزماره وبنيّته الجديدة عزف لحن العودة ... انفرجت أسارير السماء و حبلت الغيوم ... صوت المزمار ضعيف
ناداه الحارس : احضر الراحلين ... عودوا بالمزامير ... فقد تلد الغيوم ... وقد تمتزج الرمال بروح الدماء ...
مضى خارجا ليعود ، ولحن مزماره يجمع الأشلاء المشتتة ليوم التلاقي
توقيع :  إيناس الطاهر

 

إيناس الطاهر غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 14/04/2007, 10:41 AM   #60
إيناس الطاهر
روح المـطر
 
الصورة الرمزية إيناس الطاهر
افتراضي 10

كش ملك




لم تكن رقعة الشطرنج بيني وبينه إلا ساحة حرب ،أو هكذا أريدها أنا أن تكون ، جاءنا ضيفا ، ثم استوطن وبتنا الضيوف ، بات الابن المدلل وما كان يوما ابنا للإله! لم اكن لأعترض ، ولكن نيرانا عظيمة تستفيق في حجرات قلبي الأربع باكرا ، توقد نفسها مع حطب صبري وقهري وكيدي ، وما زاد جنوني ونقمتي عليه انه ملك كل شئ ، كل شئ حتى رقعة الشطرنج خاصتي!.


مساء كل يوم أتحداه في نزال شطرنجيّ ... له المملكة البيضاء ولي السوداء، دائما الأبيض له والحصة السوداء لي !!! فـ يبدأ ، وأبدأ ، يلعب ، فـ ألعب بـ حماس أكبر... سأغلبه ، سأنتصر ، و ، و ، و ، ينظر ببرود لـ دماء التحدي تغلي في بؤبؤ عينيّ فيبتسم ، ثم يحمل فيله بخفة دون استثقال ، يجعله يعبر حدّه الأبيض ليستقر في أملاكي ...
دورك ، هكذا الرقعة تقول ، لا أجد غير القلعة لاحتمي بها . دوره ، هكذا أعلمته الرقعة ... بهدوء يمرر فيله الآخر في المسار الأسود . يا ربي ماذا افعل ؟؟ أحدق في رقعتي ، لن ينقذني إلا وزيري ، هوب ، أكلت أحد رعاياه ، يبتسم ... لا يهمه أن يقتل رعاياي وكأنه يستعلي بذاته ، ثم يبدأ لعبته المعهودة ، الحصان !!! ...

كم يهوى اللعب بالحصان وهو الذي عشق لعبة الظل وراء الجدار ! تبدأ معركتي باستخدام فنون الحرب ، وهو ،، بخفة يمتطي حصانه ويقود الآخر ... خطوة ، اثنتين ، حركة ، فأخرى ، يرتفع ضغطي .... ثم
( كش ملك )


وأخرج خاسرا ، مشكلتي أني دوما اخرج خاسرا بنفس حركاته . يمارسها بخفة حتى حفظتها ، ويفوز هو بها !!! ، وحين تبادلنا الأدوار مرة وكانت اليتيمة قمت بما قام به دون تغيير ، بالحركة الواحدة ، ورغم أنني اقتربت من خط الوسط ، اقتربت من اقتحام أرضه ولم اكن يوما لأتعدى حدوده ، إلا أن اللعبة انتهت على صوته ، باستفزاز
( كش ملك )


علمت انه سيغيب ثلاثة أيام ... فرحت ، هاأنذا ابن الأرض أخيرا ، ليته لا يعود ، ما أجمل الحرية !، عشت يومي الأول ملكا ورأيتني أكيد له حتى أحتجزه ! ، ويومي الثاني كان سعيدا ، خاصة وأن خيالي جعله مقيدا لأمر رحمتي !! ، أما يومي الثالث فقد كان مصلوبا فيه والطير غاديات رائحات ينهشن جسده !! أو هكذا طاب لي الخيال أن أراه ؟؟!! ...
لماذا اقبل وجوده في بيتي ؟؟؟ لماذا أرضى استحواذه على قلوب أهلي ؟؟ ألا يمكنني أن أقول لا ؟؟؟ حسنا قد صلبته في خيالي ، و سألاعبه الشطرنج أيضا، سأتخيله موجودا ، ألعب مكانه ، و ألعب لنفسي ، فان غلبته سأطرده غدا، وإلا فليبقى قلت ذلك في نفسي وخلايا دماغي تعمل بسرعة ، و السعادة بادية على خيالي ، فطبعا لن اجعلني أفوز علي .

- ههههه – ما أروعها من فكرة ، نعم لن اجعلني أفوز علي ، تراقصت أسارير قلبي ، وأنا ادخل غرفته ، التي كانت ذات يوم معبدي وسكوني ، وملجأ وحدتي ، أخذها وباتت غرفته ، بحثت بين أغراضها ، هاهي لوحة الشطرنج ، همست في زواياها ، ألم تشتاقي لصاحبك القديم ؟؟ قد اشتاق إليك ؟؟ هيا ساعديني لنعود لبعض ، رتبت جنوده ، مستشاريه ، وبقي ملكه .. حملته برقة وقبلت رأسه هامسا : " اليوم يا حبيبي ستموت " – قلتها وكأني فعلا انوي القيام بجريمة – رتبت جنودي و أحبتي . وكالعادة جعلت الأبيض له والأسود لي ... وبدأت به وتابعت لي ... وحركت له ، وجاوبت عني . و اندمجت باللعبة ، بتّ أحرك أحجاره كما كان يفعل ، بهدوء ، بحذر ، ببسمة صفراوية ، و أحرك أحجاري بعصبيتي وقهري ورفضي الصامت ، انقل فيله بخفة ، واهرّب مليكي خلف القلعة بقلق ، وجدتني أتناقض مع ذاتي رغما !!

لن ادعه ينتصر ، فملكي ( وحسب قناعاتي ) صاحب الرقعة قبل اللعب وبعده ، ومهما كانت النتائج ، فأنا ، أنا مالك البيت وصاحب الرقعة منذ الأزل !! ...
هيا ، أيها الفيل الأخرق عد مكانك ... أرجعت فيله ، اعلم انه ما كان ليفعلها ولكني فعلتها ، وفوق هذا قابلت وزيرة بأحد جنودي فالتهمه بنهم وجوع ، مسكين ذاك الجندي ! ، لم يحلم بوجبة دسمة على أرضه فكيف وقد التهم الوزير ؟! أعلم أنني لست عادلا ، ولكن علي طرده ، هكذا همس إبليسي في أذني ، و ربما هكذا همست الأنانية في ذاتي ، وحصانه ، اينك يا حصانه ؟؟؟؟ .. خطوتين للأمام وحركة لطيفة لليسار لان وزيري غاضب ويريد دوس حصان الفارس ... وحين اقترب من بيت العنكبوت تمرغ بين شباكه ضحية غافلة ؟!


– بطل أنا ، هههه – بشّر عجيب أقولها ، و الآن وزيري على بعد خطوات من مستنقع عدوي الحقير ، وجواداي يقبعان ليثان هادئان مهددان ، وأول مرة اخترق أجهزة الإنذار وادخل قصره العاجي ، بل مستوطنته الكبرى ، بعد قليل سأقولها ، نعم ... خطوة ، فأخرى ، أحرك له و أحرك لي ، و الآن سأقولها....

ويلجم لساني قبل قولها ، أين الملك ، أين ملك رقعته ، أينك يا سليمانه ؟كل حاشيتي على أرضه تحيط ببقايا رعاياه ، ولكن أين الملك ؟؟! ، واستيقظت على مفاجئة لم اكن قد تنبهت لها ، فعلى رقعتي وفي نصفي الذي املك و دون قصد مني ، ودون انتباه ، كان ملكه قد احتل مكان شاهي الملقى خارجا ، ولأول مرة يفوز دون جهد منه ، لأكون سبب خسارتي ، ودون أن يستفزني صوته
( كش ملك )


توقيع :  إيناس الطاهر

 

إيناس الطاهر غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:45 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.8 Beta 1
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
3y vBSmart
جميع الحقوق محفوظة لـ منتديات إملاءات المطر الأدبية - الآراء المطروحة في المنتدى تمثل وجهة نظر أصحابها