إملاءات المطر   إملاءات المطر


معطف [ الكاتب : مصطفى معروفي - آخر الردود : مصطفى معروفي - ]       »     مراحب [ الكاتب : فتحية الشبلي - آخر الردود : فتحية الشبلي - ]       »     آخر الأنقياء العابرين.! [ الكاتب : رداد السلامي - آخر الردود : رداد السلامي - ]       »     قصة حزن نوف [ الكاتب : خالد العمري - آخر الردود : خالد العمري - ]       »     مطر.. مطر [ الكاتب : أحمد بدر - آخر الردود : أحمد بدر - ]       »     حنانيــ .. آت ! [ الكاتب : عبد العزيز الجرّاح - آخر الردود : عبد العزيز الجرّاح - ]       »     ما أجمل أن..! [ الكاتب : عبد العزيز الجرّاح - آخر الردود : محمد الفيفي - ]       »     ركن خافت و [ أَشياء لن تهم أَحَداً ، ... [ الكاتب : ريم عبد الرحمن - آخر الردود : محمد الفيفي - ]       »     .. وَ .. [ الكاتب : أسامة بن محمد السَّطائفي - آخر الردود : محمد الفيفي - ]       »     افتقــــد !! [ الكاتب : ضحية حرمان - آخر الردود : محمد الفيفي - ]       »    


العودة   إملاءات المطر > الإملاءات الأدبيـة > حرائـر غيمتي
التعليمـــات التقويم

حرائـر غيمتي هنا .. تستأثر أنت بصوت حرفك وأصدائه.


] خ ـبايا الزوايا [

هنا .. تستأثر أنت بصوت حرفك وأصدائه.


إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 14/06/2007, 10:46 AM   #111
إيناس الطاهر
روح المـطر
 
الصورة الرمزية إيناس الطاهر
افتراضي

( سي السيد - تابِع )



ونعود للوطن ولم أخبر عائلتي بذلك ، وقد أوكلت لصديق لي قبل عودتي أمر استئجار بيت بعيد عن بيتنا وحين وصلنا أخذتها للبيت ، كان جميلاً ويطل على حديقة جميلة ، فرحت سارا بها كثيرا فعانقتني بشكر ، وطلبت مني الذهاب لعائلتي كي يفرحوا بعودتي ، فخبرتها أنني قد اغيب عنها اياماً فتفهمت الوضع بروح طيبة

وأعود حيث أحب ، وبين الزغاريد والفرح كادت روحي الخروج ، لقد كبر إخوتي ، وتزوجت اختان لي في غربتي ، حتى أبي ، بدا أكبر سناً وأكثر ضعفاً مما كان ، وقد علمت أن أخي الأوسط درس التجارة ويساعد أبي الآن في محلاته ، ولم يتغير شيء ، ما يزال الطست بالماء المالح والمنشفة والجبة الحريرية ما ينتظران أبي حين يعود من العمل ، وما يزال أهل البيت يصمتون حين يجلس أبي على كرسيه

وتمرّ الأيام واعمل في مستشفى المدينة وأقدم أوراق سارا لتعمل معي في ذات المستشفى ، ونمضي وقتنا معاً ، وكثيراً ما كنتُ أغادر معها لشقتنا لنمضي بعض الساعات قبل عودتي لبيت العائلة .لم تكن زوجتي تمتعض أو تشكو من تركها وحيدةً في بلد غريبة عنها بكل المقاييس، لقد كانت تمضي معظم وقتها في المستشفى في غيابي ليلاً ونهاراً
حتى جاء يوم كنتُ أخشاه ، ففي نظر العائلة ، حان موعد إكمال ديني ، وكم حاولت التملص ، لكن لم استطع الهروب من إلحاح أبي ووالدتي ، وأهرب إلى سارا أبثها ما حصل معي ، والغريب أنها تقول لي أنها كانت تتوقع ذلك وتستغرب كيف لم أفكر فيه ، بل وتنظر لي نظرة حنون وتقول لبي للعائلة ما تريد ، ثق أنني لن اغضب

أخرج من عند زوجتي يتملكني الغضب ، سارا لا تحبني إذاً ، كيف تسمح لي بالزواج ، لو كانت تحبني فعلاً لاقترحت علي أن اعلن امر زواجنا واجابه عناد العائلة واتحداهم ، للحظة كاد يقتلني شعوري بان الحبيبة قد تبدلت عليّ ، لكنني بعد تفكير أدركت أن سارا محقة ، فأنا لست مستعداً لإعلان أمر زواجنا ومواجهة عاصفة أبي المتوقعة لذا فإن الحل الأمثل هو أن أستجيب ، ربما كنتُ فعلاً أضعف من المواجهة أو ربما أنني فعلاً إنسان أناني ، تحوقلت من حماقة ما يراودني وبعد أيام خبّرت أمي عن عزمي في اتخاذ خطوة فعلية للزواج ،ليتم زواجي من فتاة انتقتها امي لي ، اسمها حنان ، هي معلمة ، في الثانية والعشرين من عمرها ، جميلة جداً ، ولا أنكر كثيرة المطالب أيضاً . ويتم الزفاف ، وننتقل لعش الزوجية ، كان أبي قد بنى لنا في البيت شققاً بعدد إخوتي لنبقى جواره ، ألهذه الدرجة يرفض سي السيد استقلالنا عنه ؟
وتمضي الأيام تباعاً ، صرت مقلاً في منح سارا وقتي ومع ذلك لم يحدث يوماً وأن اعترضت ، ولكن في لحظات خلوتنا معاً كانت تسأل بإلحاح ، هل تغسل حنان لك قدميك ؟؟ هل تحضّر لك أشهى المأكولات ؟ هل تفعل معك ما تفعله أمك تماماً
أقول لسارا وقد مللت من أسئلتها : يا حبيبتي ، امي من زمن سي السيد ، نحن الآن جيل متقدم ومختلف ، وليس متخلف ، حنان امرأة متحضرة لا تفعل ذلك البتّة ، بل قد أشاركها طهو الطعام وأعمال المنزل ، تصمت سارا ، وكأن إجابتي لم تقنعها أبداً
والحقّ أقول ، ووالله ليس بالأمر تحيزاً لسارا ، حنان كانت متغطرسةً جداً ، لم تكن تحب طقوسنا في أن تتناول العائلة كلها طعام الغداء معاً وكانت تعترض على كل شيء ولم أكن لأرفض قناعاتها فهي حرّة ومحقة ، فلها أن تكون مملكتها كيف تشاء ، ربما فيما يتعلّق بحريتها ما كنتُ أتدخل بل وألتمس لها العذر تلو أخيه لكنّها كانت تتجاوز حدودها كثيراً ، وكانت تتعامل مع والدتي بأسلوب يناقض الأدب ، ولا أظنني اتحيز لسارا إن قلت أن اللهفة التي ألمحها في عين سارا حين أقبل عليها لم أشعر بها في قلب حنان أبداً ،وما أدركته أن أبي لم يكن يحب حنان ولا يحب التعامل معها ربما لأنها لم تحيطه بهالة الاحترام التي تعود أن نقدمها له

بعد عام من زواجي من حنان رزقتُ بعبد الرحمن ، ولست أنكر أن ولدي جاء بطريق الخطأ فلم تكن حنان تريد الأولاد قبل عامين أو ثلاث ولكن إن كانت كل الأخطاء بمثل هذه الروعة ألا ليت حياتنا كلها أخطاء ،فكم كنت اطير حين احتضنه او أقبله ، وكان يسؤوني إهمال امه له ، كانت الكراسات والدفاتر أهم منه ، وكنت امضي الليل معه وهي نائمة في فراشها لا تكترث ، وتسوء علاقتي بزوجتي الثانية ، فهي لم تبني أسس احترام بيننا ، بل وصل التجاوز معها لأن تنهرني أمام العائلة كأنني طفل صغير ، كنت ارى فيها صورة المرأة الناشز ، وكثيراً ما كنت اقارنها بسارا فأعرف أن تلك العربية المطالبة بالتحرير والمتحدثة بحقوق المراة لم تفهم حقوق المرأة جيداً وان زوجتي الغربية سارا فهمت عاداتنا وتقاليدنا ومعنى الحرية بشكل أوسع ، ويصل الضيق مني ذروته ، كل يوم شجار ، وأبي ، الرجل القاسي صامت لا ينطق ، حتى حين تنهال حنان بوابل من الشتائم علي ، أرى الغيظ في عينيه ويدخل غرفته ويغلق بابه عليه دون ان ينطق ، أما سارا فكانت تحاول التماس العذر تلو الآخر لحنان ، لكن الامر بدأ يخرج عن الصبر حين كنا نحضر حفل زفاف لأخت حنان ودون قصد مني سقط كوب العصير على ثوب حنان ، لتصرخ بولع ( تالي الموت يا ناصر ) أمام أبي وإخوتي وعائلتها على تلك الطاولة المشؤومة ، حينها دار في عقلي كلمة نسيتها وقتاً طويلاً ، كلمة أبي ، كن رجلاً حقيقياً ، لأنظر في عيني حنان وأقول بغضب ، أنتِ طالق
توقيع :  إيناس الطاهر

 

إيناس الطاهر غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 14/06/2007, 10:47 AM   #112
إيناس الطاهر
روح المـطر
 
الصورة الرمزية إيناس الطاهر
افتراضي



( سي السيد - تابِع )


عدت للبيت دونها ، ومعي صغيري عبد الرحمن أخذته أمي وقالت دعه ينام الليلة في حضني ، نظر أبي بوجهي وابتسامة الرضا على محياه وهمس : كنتُ أتمنى أن تدرك معنى رجوليتك من زمن بعيد ، بدا راضياً عما حدث الليلة ، ولست أخفي الحقيقة عن نفسي ، لقد كنتُ راضياً أيضاً ، واعتبرت ما حدث فرصةً لأغادر بيتي وأذهب لسارا ، وما أنْ رأيتها تبتسم حين رأتني ، حتى نسيت الدنيا وما فيها . في اليوم التالي ذهبت للمحكمة وطلقت حنان قانونياً وأعطيتها مؤخرها ، والعجيب أنها في المحكمة نظرت لي وقالت : رجل متخلف
سمعتها في نيويورك حين لم اتبع أهواء المحيطين بي واليوم اسمعها من حنان حين لم اكن خاتماً بإصبعها . تقدمتْ من عبد الرحمن ، قبلته ، وناولتني إياها قائلة ، هو لك ، منك وإليك ، أريد ان احيا حياتي . كنت اخشى ان تطالب به ، لكن السماء أسعفتني حين تخلت تلك الأم الرؤوم عن فلذة كبدها كي تحيا حياتها

شهر منذ طلاقي من حنان ، وعدت للسكن مع العائلة ، حتى بدأت امي تغني على موال الزواج من جديد ، فعبد الرحمن يحتاجُ أماً وأنا أحتاج من تنسيني أسلوب حنان الهمجي ، ولم يعترض أبي على ذلك ، حينها كان يجب أن أتخذ خطوة جريئة وإن كنت ساندم عليها ما حييت
حين انهيت دوامي في المستشفى أمسكت يد سارا وخبرتها أن هنالك مشواراً سنفعله سوياً ، لم تسالني إلى اين وجاءت معي ، ادخلتها البيت ، رأيتهم حيرتهم وهم يحدّقون في وجه زوجتي الزنجية الحسناء باستغراب ، قلت بثقة لم اتعودها أمام أبي ، وعيناي في عينيه تماماً ما تزحزحتا ، أبي هذه سارا ، زوجتي الأجنبية ، نحن متزوجان منذ ستة اعوام تقريباً .
كادت الصدمة تسقط امي مغشية ، بينما حدّق أبي في وجه سارا ، حدّق ملياً ، وذهب لغرفته
طلبت من زوجتي الصعود لشقتنا لكنها لم تنطق ، كانت الصدمة قد أوقفت كل معالم وجهها ، كادت تبكي ، لماذا يا ناصر ؟؟ شعرتها تريد أن تصرخ بها ، لكنها بدل ذلك كله توجهت نحو غرفة أبي ، وطرقت الباب طرقتين ودخلت

حركتها تلك لم تفاجئني وحدي ، بل فاجئت كلّ من في البيت ، وبقيت أتجرع الصبر ، ساعة ونصف وسارا لم تخرج من غرفة أبي بعد ، لحظات ويفتح الباب ، يخرج أبي واضعاً يده على كتف سارا ، نظر لي وقال :
الذنب ليس ذنب من باعت الدنيا لأجلك يا ناصر ، ليس ذنب من هجرت الدار والظهر والسند لأجلك يا ناصر ، ليس ذنب من قبلت الظلم على نفسها لأجلك يا ناصر ، ليس لأجل من دخلت غرفتي في محاولة طلب المغفرة لك واضعة كل الاستعداد لفعل ما قد يغفر لك عندي ، ليس ذنبها البتة يا ولدي ، الذنب ، ذنب من لم يستطع ان يحمي بيته ، ولم يدافع عن حقه ، ولم يضحي لأجل من يحب
زغردي يا أم ناصر ولا تلطمي ،
التفت لأخي الأوسط وقال : محمود ، في الغد سيكون زفاف أخيك على ابنتي سارا

اليوم ، بعد عامين من حفل زفافي على سارا ، أرى عبد الرحمن و سعيد يرتعان حولي ، تركت سارا العمل وتفرغت للعناية بعبد الرحمن وأنجبت طفلنا سعيد وهي من اختار اسمه ، على اسم أبي ، بل إنها تمضي فترة غيابي مع والدتي تتعلم الطبخ العربي وأزيد لقد أسلمت سارا بنفس راضية ودون ان اطلب منها ذلك ، وصارت الطفلة المدللة للعائلة والحبيبة المقربة لأمي وأبي
وحين اعود للبيت متعباً تسرع إليّ بطست الماء المالح وتقوم تماماً بما كنتُ أرى أمي تقوم به واعترض عليه بل إنني ارى عبد الرحمن وسعيد يتسمران حين ادخل ولا يمدان اليمين للطعام قبل أن أفعل

بعد ثلاثين سنة من مولدي أدركتُ الحقيقة فيما كنتُ أمقته في بيت والدي
لم يكن أبي سي السيد ، ولم نكن نصمت في حضرته لأنه ظالم غشيم
ولم تكن أمي مهانة دون حرية
كان كلّ ما يحدث تعبير من نفوسنا الراضية بذلك عن الحب والاحترام
اليوم أدركت سبب إلحاح سارا قديماً بمعرفة كل تلك التفاصيل ، كانت ترى فيها معنى الحب وليس الخنوع فأنا اليوم بنظر الأفكار الحمقاء المطالبة بحقوق المرأة وحريتها ، ظالم غاشم ، احمق ، متخلف ، لكنني بنظر زوجتي الحبيب المصان ، دون أطلب تسرع إليّ .
اليوم كلما عبرت الشوارع ونظرت اليافطات المطالبة بتحرير المرأة ، ورأيت في الفضائيات تلك الإعلانات والدعايات والبرامج ، أبتسم فليت كل النساء فهمن الحرية كما فهمتها زوجتي سارا
توقيع :  إيناس الطاهر

 

إيناس الطاهر غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 16/06/2007, 04:03 PM   #113
إيناس الطاهر
روح المـطر
 
الصورة الرمزية إيناس الطاهر
افتراضي

الغيبوبة



أهلاً بكم على متن طائرتنا ، نتمنى لكم سفراً سعيداً ، ها نحن نستعدّ للإقلاع ، تأكدوا من ربط أحزمة الأمان لكم ولأبنائكم رجاء ، وتأكدوا من إغلاق المحمول . كان صوت المضيفة يأتي عبر المكبّر الصوتي بينما بدأ كلّ الركاب يقومون بالإجراء المطلوب بعد أن تأكد الجميع من إغلاقهم الهواتف الخلوية.

انطلقت الطائرة في السماء ، بدأ كلّ شيء بالتقزّم ، حتى صار يحتاج لمجهرٍ .كان جالساً قرب النافذة ، يقرأ روايةَ الشيخ والبحر لآرنست همنغواي ، حينما مرّت المضيفة جواره تسأله إن كان يرغب في تناول شيئاً فأجابها برغبته بفنجان قهوة دون سكّر ، وعاد لصفحات روايته حين قاطعه صوت صغير يجاوره
- كيف تستسيغ القهوة دون سكّر ؟؟
- كما تستسيغ الشوكولا بالسكر
- الوضع الطبيعي للشوكولا أن تكون بالسكر ، كما هو الحال مع القهوة ، فكيف تستسيغ طعم المرار ؟؟
- خبرني يا صغيري ما لون القهوة ؟؟
- أسود
- أرأيت ؟؟ الأسود من ألوان الحزن لا الفرح ، لذا يليق به ألا يُطعّم بالسكر ، ذاك هو الوضع الطبيعي
- آهاه ، فهمت
- ههههههههههه ، أداعبك يا صغيري ، فقط أنا أعاني من ارتفاع السكر والضغط لذلك لا أقدم على الحلويات
- لكن القهوة تضر أيضاً
- حسناً ضرّ أقل بنسبة ملعقتين سكر
- لم أفهم
- هههههههههههههه ، لا عليك يا صغيري ، خبرني ما اسمك
- أنا ؟؟ جوزيف ، وأنت ؟؟
- فنار
- فنار ؟؟ أهو اسم عربي ؟؟
- طبعاً ، ويعني القنديل الذي يضيء عتم البحر ، من أين أنت يا جوزيف ؟؟
- من لبنان ، وأنت ؟؟
- أنا ، من وطن لم أعثر عليه بعد
- كيف يعني ؟
- لا تهتم يا صغيري إنها فلسفة ، حين تكبر ستفهمها حتماً ، كم عمرك جوزيف ؟
- ثلاثة عشر عاماً وأنت ؟؟
- بعد أربعة أشهر سأبلغ الأربعين
- أهاه ، تقريباً أنت في عمر والدتي
- أينها والدتك ؟؟
- مع أختي لميس هناك هي وأبي
- ولماذا لست معهم ؟؟
- حسناً هكذا جاء رقم مقعدي فقد حجزنا في اللحظات الأخيرة
- نعم ، نعم فهمت ، ومن أكبر أنت أم لميس

وفي هذه الأثناء أحضرت المضيفة فنجان القهوة ، ليطلب منها فنار كوب عصير لصديقه الجديد ، وحين تستدير يكمل جوزيف
- لميس في العاشرة تقريباً ، لكنها تعاني الإعاقة
- أي نوع من الإعاقات ؟؟
- لديها بطؤ نمو في عقلها
- هل نتفق ألا ننعتها بالمعاقة ولنقل فتاة من ذوي الاحتياجات الخاصة
- حسناً لا مشكلة في المسألة
- المشكلة يا جوزيف تكمن في عدم القدرة على منح الحق للآخرين .
- أظنني استوعبت مقصدك ، حاضر عمو فنار
توقيع :  إيناس الطاهر

 

إيناس الطاهر غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 16/06/2007, 04:04 PM   #114
إيناس الطاهر
روح المـطر
 
الصورة الرمزية إيناس الطاهر
افتراضي

الغيبوبة - تابِع


كانت الأمور في أحسن أحوالها ، وبدأ فنار يراقب الراكبين ، عجوزان بدا وكأنهما يمنحان نفسيهما راحة بعد عناء عمر طويل ، فتاة منذ إقلاع الطائرة وهي تضع السماعات في أذنيها ، زوجين الرجل نائم والمرأة تداعب طفلها الصغير ، وللأمام قليلاً والدا جوزيف نائمان بينما الأخت تنظر في المحيطين بملامح جامدة
أغمض عينيه ليظفر بلحظات راحة ، فبعد وصوله تنتظره لحظات حافلة ،

زلزال حرّك الطائرة كعصفور صغير وبدا الاضطراب واضح على كلّ من في الطائرة ، صراخ يعلو تتبعه محاولةٌ لاستدراك الوضع من طاقم الطائرة ، لكن المحاولة تبوء بالفشل ، حيث ينفجر الجزء الخلفي للطائرة ، وتتطاير الأجساد كأوراق اللعب الخفيفة ، حينها تسارع الجميع لاستخدام جهاز التنفس ، ثوانٍ فقط ، قبل أن يحل الظلام في وجه جميع الركّاب

فتح عينيه على ظلمةٍ قبل أن يدرك حجم الألم في عظامه ، لحظات وبدأت الظلمة تخف حتى بدا وكأنه في مكان لا سماء فيه ، شعر وكأنه ما يزال يحلم ، لكن اللحظات صارت تمرّ في ذهنه تباعاً ، لقد كان في طائرة ركّاب متوجهاً إلى النصف الآخر للأرض حيث سيحضر مؤتمراً في التركيب النفسي والعقلي للإنسانية ، نعم ، كانت هنالك محاضرة سيلقيها هو في المعالم التركيبية لنزاع الخير والشرّ في الذات الإنسانية وهل هي مكتسبة أم متأصلة في البدن

يتذكر ذلك جيداً ، ويتذكر عائلته ، زوجته أستاذة الفيزياء ، والتي لم يتفق يوماً معها في فكرة من أفكاره وكانت تنعته بالمجنون الأخرق ، بل ويذكر أنهما اتفقا على الانفصال حال عودته من المؤتمر ، ولاحت في ذهنه صورة ولده ، ابن الرابعة ، لقد تأخر حتى تزوج ، وها هو يرزق بابن على كبر

حرّك رأسه متفادياً أفكاره في محاولة لسحق ذلك الظلام ، لحظات من الدهشة انسابت من فمه المفتوح وهو يرى عينيّ ماء تخرجُان من الأرض أمامه ، مدّ يده ولمسهما ، واحدٌ حارٌ يغلي ، والآخر باردٌ زلال ، أين هو بالضبط ؟؟؟

حدّق بالمكان لم تعلو جسده سماء زرقاء ولا سوداء ، بل مجموعةً من الصخور ، ماء وصخور وظلام ، أين هو ؟؟ ينهض جاهداً رغم شعوره بألم في ساقه اليمين وانحناء في كتفه الأيسر إلا أنه جاهد نفسه ، وبدأ يسير على تأوده في أنحاء ذلك المكان المظلم ، حتى وصل لمنطقة تنبثق منها أشعة نور بعيدة نوعاً ما ، حاول الجري نحو النور بكل ما أوتي من جهد ، وحين وصل لبوابة النور ، وجد مساحة ممتدة تنتهي بعد عشرات الأمتار أمامه ، استمرّ بالمشي خارج حدود الكهف حتى وصل لحافة تلك الأمتار فلا يرى إلا وادٍ سحيق تعلوه سماء زرقاء ، وادٍ ممتد للأسفل لا يعرف المرء ما نهايته وأفق متسع ، نظر للظلمة خلفه ، وللنور أمامه ، ليدرك أنه في كهفٍ مظلم ، كيف وصل له ؟؟ بدأ يتذكر حادث الطائرة واللحظات الأخيرة فيه ، ولكن كيف وصل لهذا العمق من الكهف ؟؟ مهما كانت قوّة الدفع بعد تحطم الطائرة فإن وصوله لهذا العمق غريب ، ثم أين هو حطام الطائرة تلك ؟؟ لا بد وأنه في الوادي ؟؟ ولكن إن نجا هو فلا بدّ وأن يكون هنالك غيره من الناجين ، ثم من يدري ربما تكون هنالك فتحة أخرى في مكان ما من هذا الكهف المظلم ؟؟ بدأ ينادي بصوت مرتفع ومتعب في ذات الوقت علّ هنالك من يسمع صدى صوته ، دون فائدة ، أقبل على عين الماء البارد يرتشف منه ويطفئ ظمأه ، كان عذباً لذيذاً ، والآن هو يشعر بالجوع ، بحث في أرجاء الكهف عمّا يلبي للمعدة نداءها وبعد طول بحث عثر على مساحةٍ واسعة مملوءة بالفطر ، حدّق بها ملياً وابتسم ، حتى رحيله سيحيا على الفطر والماء ، ولكن سبحان الله لا يترك عباده ولا ينساهم

قطف بعض الفطر وغسله بالماء وتناوله نيّا كما هو ، وحين لم يستطع أن يستسغ طعمه استلقى على ظهره وفكّر
" إلى أيّ حدٍّ يمكن أن يخلو الكهف من الأفاعي والعقارب والزواحف السامة ؟؟ ثمّ انتقل تفكيره لمرحلة أخرى ، ترى هل كيان الإنسان المستقل الذي لا يشاركه أمثاله الحياة الاجتماعية أمرٌ طبيعيّ ؟؟ إلى أي حدّ يمكن للانسان أن يكتفي بنفسه دون أن يختلط بالمحيط الخارجي ؟؟ وما مدى الاستقلال الذي يحققه وجود فرد دون جماعة ؟؟ وهل وحيد الوجود مستقلّ بذاته ام عبد وحدته ؟؟ وذلك الظلام حوله هل هو ظلمة الكهف أم سواد روحه وسوداوية نظرته ؟؟ لقد آمن أنّ الطهر المسكون بالقلوب المؤمنة قادر على إنارة الحياة ، لحتى يستغني الأعمى عن نعمة البصر بوجود فضيلة البصيرة ، فإلى أي حدّ يمكنه أن يصف نفسه بالفاضل وبصره عاجزٌ عن تكوين دارة من النور المستمدّ من إيمانه وطهره ؟؟! ، بدا متشككاً من إنسانيته ، وتذكر جملته لجوزيف ( الأسود من ألوان الحزن لا الفرح ، لذا يليق به ألا يُطعّم بالسكر ، ذاك هو الوضع الطبيعي ) ، نعم ولكن صار السواد في حالته تلك نقمة وفيض ذنب ، ثم استيقظ من فكره ، جوزيف ، هل يمكن أن يكون قد مات ؟؟ يا الله كان يلمح ذكاء يشتعل في عينيّ الصبي ، حدّق بالمحيط حوله وأغمض عينيه واستسلم للنوم
توقيع :  إيناس الطاهر

 

إيناس الطاهر غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:10 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.8 Beta 1
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
3y vBSmart
جميع الحقوق محفوظة لـ منتديات إملاءات المطر الأدبية - الآراء المطروحة في المنتدى تمثل وجهة نظر أصحابها