الحاوي يخرج الرجل من قبعته
بقلم القاص : علي الصيرفي
راحت تعبث بأوراق جمعتها في صندوق مجوهراتها الصغير ، فاحت منها رائحة عطره ، في عينيها تجمعت دمعة حزينة ، راحت تهرب نحو خديها المتوردتين ،قالت بعد قراءة الرسالة الأولى، كل الأشياء جميلة عندما يسورها الحب ، ونسمات المساء وأنا النائمة بين صفحات اليأس المتجمع عند غرفة الأحلام التي أنشدها .
![flwr2](images/smilies/flwr2.gif)
جفلت من حلمها عندما رأت صورته تبتسم لها تلك الابتسامة التي خافت منها ، هي الوحيدة التي تعرف معناها ، وتفهم سر حركتها وتقاطيعها وسمفونية نبرتها ،وقفت مذهولة وهي تسمع كلماته المخيفة والتي يخفى وراءها الكثير ،وقد أرادها لتبرير موقف ما .
صار عمرك سبعاً وثلاثين سنة ، لقد اقتربت من الأربعين ، وتبسم بخبث ،راح يسرح خصلات شعره ،ويرش العطر الذي أحبه فجأة فوق قميصه ورقبته ، مردداً أغنية أحبها ، نزلت كلماته كالصاعقة فوق محيط حياتها ، اشتدت جذوة الشرارة التي أشعلها في قلبها ، خروجه الجديد ،وفي أوقات كان يجالس فيه طفليه جعلها وسط ضباب لا رؤية خلفه ، لم تعد تعرف العد إلى العشرة ولا حتى تذكر العد اثنان هي وهو ، طارت عبر زوبعة لا رحمة فيها ولا إمهال ، كانت تبعد عن جسدها خفافيش بشعة تحاول في كل مرة الالتصاق بوجهها وفوق نهديها ، وصورته وهو يمد لسانه في فهما حتى يصل إلى معدتها فيأتيها القيء وتسقط في جرن الماء بين الحائط ورأسها المنقلب نحو الأسفل في كل الصفحات التي جمعتها في صندوقها الغجري ، حيث ضاع الشيء الأخير في خزنتها المثقوبة ، كل الأشياء أمامها ، وجهها كالقمر في ليلة شحوبه رغم جمال كل مافي هذا الوجه ، جسدها المرسوم على رخام أبيض أجمل من ميسلينا الامبرطورة الرومانية التي غارت منها أفروديت .
دقت الساعة معلنة منتصف الليل في غرفة بردت كل جوانبها وتراكم ضباب ثلجي في حناياها ، رأته يعانق امرأة تبرجت بكل ما يفضح روعة جمالها ، لصقت ملامحها في خيالها ، صرخت : دعيه ... إنه .... كان صوتها يختفي و يختنق ، حاولت ْ مرة ثانية ، لم تقدر ، بلعت فأراً خرست ، سقطت في بركة وحل جلبتها أمطار غريبة جاءت من وراء ظهر هذا الموسم من الأمطار وملأت حديقة بيتها ، وجدت زوجها والمرأة ، يستحمان في وحل أصفر اللون ، وحولهما حيوانات تحب الوحل ، كلمته بلغة القلب ، كانت كلماتها تموت عند ملامسة شفتيها ، وصورته راحت تنكمش وتصغر حتى صار جعلاً يطير فوق بركة الوحل ، مصفقاً بجناحين من الكيتين ، مصدراً صوتاً مزعجاً ، طارت المرأة مقتربة منه وكانت قد تحولت إلى ذبابة فرس ، وحطت فوق جسد الطفلين ، ناست عينا المرأة الأم ،ركضت مسرعة ، كانت الذبابة قد بدأت بلعق دم الصغيرين بنهم وشراهة ، صرخت الأم :وعيناه تقطران دماً : يا ويلي ..... كان الأب يضحك وهو يطير فوق البركة ورائحة قذرة تفوح منه ، جمعت الأم الطفلين بين ذراعيها وضمتهما إلى صدرها ، والذبابة تركب فوق الجعل وهو يطير بها مبتعداً ، إلى آخر بركة الوحل حيث وقف فوق قطعة لحم نتنة تفوح منها رائحة خانقة ومميتة ، راح يضم بجناحيه الذبابة وهي تدفع في فمه قيئاً دموياً مصته للتو من الطفلين ... كان يلعق دماً وهو يبتسم تلك الابتسامة التي تعرفها المرأة الأم
![flwr3](images/smilies/flwr3.gif)
فزت من نومها برعب لا وصف له سمعت صوته عبر الصالة وهو يقول : باي يا عمري .... غداً !!!! لم تستطع أن تفهم بقية الجملة لأنه أخفض صوته وطبع قبلة سريعة فوق جواله ، دخل الغرفة كالحاوي الذي يخرج من جيوبه كل الحيل والخدع التي يسلب بها عقل مشاهده ، اقترب كلوح الثلج مد شفتيه كشفاطة البلاعة ، أحست بقرف غريب يهجم إلى عمرها ، نتقته من رئتيها رائحة كريهة، وتقيئته من روحها لحماً فاسداً خرب ذوقها ، شمت رائحة الدماء التي شربها ، لزوجة غريبة لم تحس بها من قبل لصق بها كحلزونة لزجة تسير فوق قطعة من الرخام ، كانت رائحة لأنثى غير مرئية في تلك اللحظة تفوح من فمه ، وصور أطفال خرجوا من بين أسنانه يصرخون خائفين !!!! ماما ... هذا ليس بابا
![Coffee1](images/smilies/sm/coffee1.gif)
![flwr3](images/smilies/flwr3.gif)
![Ura1](images/smilies/sm/ura1.gif)