الموضوع: ثرثرة
عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 19/07/2009, 03:03 PM
الصورة الرمزية سعد الحمري
سعد الحمري سعد الحمري غير متواجد حالياً
كاتـب و ناقد
 


سعد الحمري has a reputation beyond reputeسعد الحمري has a reputation beyond reputeسعد الحمري has a reputation beyond reputeسعد الحمري has a reputation beyond reputeسعد الحمري has a reputation beyond reputeسعد الحمري has a reputation beyond reputeسعد الحمري has a reputation beyond reputeسعد الحمري has a reputation beyond reputeسعد الحمري has a reputation beyond reputeسعد الحمري has a reputation beyond reputeسعد الحمري has a reputation beyond repute
افتراضي ثرثرة




خرجتُ في الصباح
لم أحمل سوى سجائري
دسستها في جيب سترتي الرمادية
فهي الوحيدة التي تمنحني الحب بلا مقابل !!

* * *

كثيراً وعندما أقرأ هذا المقطع للشاعر ( أمل دنقل ) تداهمني الأسئلة المحيرة ، عن ماهية الحب لدينا في ظل محاذير مختلفة منها ( الديني والاجتماعي ) ، لكن هاجساً واحداً ظل يرافقني حتى هذه اللحظة يقول : إن مفهوم ( الحب بالمقابل ) فكرة غربية مستوردة تقودني في كثير من الأحيان إلى ظلال رواية كتاب الضحك والنسيان

للروائي :
( ميلان كونديرا ) حيث الجنس وشبح الجسد يرهقُ كاهل الرواية ، والذي إن زاد عن حدهِ فهو تعبير عن ثقافة وسلوك مجتمع كامل تُشكلُ فيه مفاهيم المادة جانباً كبيراً ويتعثرُ في تفسير العلائق الإنسانية على مستوى فهم العلاقة بين الجسد والروح مسكون بكثيرٍ من المفاهيم الخاطئة التي تشكل فيها غريزة الجنس سلوكاً لازماً لاستبطان الروح ومعرفتها.
وحيث كلُّ شيء حكراً على هذا المفهوم الضيق ، تظلُ النظرة القاصرة لكلمة الحب محصورة بكلمة
( ممارسة ) التي تقودنا تلقائياً إلى الفهم الكامل لهذه الكلمة في ظل حضارة كاملة تسود المادة ، وتنـزوي فيها الروح بعيداً .
هذه الرواية – وأعني رواية ( كتاب الضحك والنسيان ) –ظلت تتراوح بين عدة معاني معقدة لفهم العلاقة بين ( الروح والجسد ) في زمنٍ أصبحت فيه سطوة المادة أمراً لا مفر منه ، وأمام تراجع دور الروح وانحساره أمام طوفان الانكسارات المختلفة.
هذه الرواية التي طرحت أفضل تعريف للحب - في رأيي – وهو :
( الحب سؤال مستمر !! )
ظلت تعبيراً صادقاً على غياب المعايير اللازمة للفهم ، وفي اختلاط مجموعة المعطيات اللازمة لرسم صورة مناسبة .
كل هذه التداعيات ستطرق أذهاننا ، ونحن نطرح السؤال المفخخ : ما هو مفهوم الحب ؟!
هل يمكن أن نصوغ فهماً مختلفاً لهذه المفاهيم المختلطة ، وهل يختزن الأدب أفكاراً متفاوتة عن هذا المفهوم ،
نحاول أن نرصد هذه الأفكار عبر تتبع مسيرة الدب العربي ، نتوقف عند بيت شعر مشهور للشاعر الجاهلي ( امرئ القيس ) يصف فيه بكثيرٍ من التميز والتجلي لوعة الحب وتوهج العاطفة وصدقها :

أغركِ مني أن حبكِ قاتلي
وإنكِ مهما تأمري القلبَ يفعلِ


هكذا وبهذه البساطة ندرك كم المتناقضات الذي تعاني منها الثقافة العربية في ظل وجود جزئيات معقدة ومبهمة تترجم العلاقة بين الجسد والروح ترجمة مزدوجة ، الشعر العربي الذي يعطي صورة صادقة عن حياة مجتمع بكامله يرزح تحت نير هذا الفهم الجزئي الذي حملته لنا حملته ممالك الجواري وأكوام السبايا ليعطي صورة صادقة عن مجتمع كامل .
هكذا أصبحت كلمة حب تميمة سحرية ومعادلة شائكة يتداولها الشعر إياباً وذهاباً ، هذا المفهوم حملته لنا كتب التراث تخبطاً كاملاً كان المجتمع العربي يعيشه .
هل يمكن أن نصف هذا الفهم الجزئي الخاطئ على إنه وليد ثقافة معقدة تعلي من شأن الجسد باعتباره شيئاً مادياً محسوساً ( لذلك صار انتهاك الجسد لدينا جريمة كبيرة ) بينما تركن الروح مغلولة مكبلة في فضاء الكبت والاضطهاد ( دون أن يكون ذلك الاضطهاد أمراً ذا أهمية ) .
الأمر يختلف الآن ولو جزئياً في ظل ثقافة بصرية جاهزة ، يمكننا أن نرى ارتباكاً واضحاً في فهم خصوصية الحب ، فالواقع الحالي فرض نوعاً مختلفاً من المفاهيم التي تتراوح بين عدة مستويات ، لكنها في النهاية ظلت قاصرة على طرق الباب الصحيح ، حيث أنها وليدة ( أغاني الفيديو كليب ) التي تترجم العلاقات الإنسانية من منظور سطحي ضيق يفرغ الحياة من محتواها الإنساني ويجعل الأمر أكثر إرباكاً ، حيث كل شيء مشدود إلى الجسد ويتحرك في فضاءه ابتداءً من الإيقاع الصاخب إلى قفزات الصور السريعة
هكذا يقف مفهوم الحب في ثقافتنا عند حدود الجسد ولا يتعداها إلى جوهر الروح ، رؤية الحب الممسوسة في أغلب الأحيان بتفاصيل الجسد أصبحت جزءً معقداً من ثقافتنا التي ترضخ في صناعتها إلى مستوى فهم محدود للغاية رسمته مجموعة من التراكمات الثقافية القاصرة على كسر إطار الجسد والسمو بجوهر الروح .
شيء آخر يمكن الحديث عنه وهو هذا الهامش الذي تتحرك فيه الآن عدة معطيات تفسر فهمها المحدود للجسد من منطق بسيط يوظف الطرفة وسياق الكلام الشفهي الغير موثق في كتب ) شيء أكثر تعقيداً وبساطة لكنه سيخرج عن سياق البساطة إذا دخل مرحلة التدوين )
( الحب سؤال مستمر ) هل يمكن أن نطبق هذا التعريف المسكون بحمى السؤال على مجتمع مازال متعثراً في ترجمته لمفهوم الحب ، بل مازال رهين نظرة الفهم الضيق والمحدود ، الموضوع قد لا يتعدى هذه السطور ، لكنه وبنظرة صغيرة للخلف سيكون موضوعاً شائكاً وعسيراً في ظل معايير إسلامية تسمو بالروح وتحملها بعيداً عن حدود الجسد الضيقة.


 
توقيع :  سعد الحمري
رد مع اقتباس