عرض مشاركة واحدة
قديم 14/06/2007, 10:47 AM   #112
إيناس الطاهر
روح المـطر
 
الصورة الرمزية إيناس الطاهر
افتراضي



( سي السيد - تابِع )


عدت للبيت دونها ، ومعي صغيري عبد الرحمن أخذته أمي وقالت دعه ينام الليلة في حضني ، نظر أبي بوجهي وابتسامة الرضا على محياه وهمس : كنتُ أتمنى أن تدرك معنى رجوليتك من زمن بعيد ، بدا راضياً عما حدث الليلة ، ولست أخفي الحقيقة عن نفسي ، لقد كنتُ راضياً أيضاً ، واعتبرت ما حدث فرصةً لأغادر بيتي وأذهب لسارا ، وما أنْ رأيتها تبتسم حين رأتني ، حتى نسيت الدنيا وما فيها . في اليوم التالي ذهبت للمحكمة وطلقت حنان قانونياً وأعطيتها مؤخرها ، والعجيب أنها في المحكمة نظرت لي وقالت : رجل متخلف
سمعتها في نيويورك حين لم اتبع أهواء المحيطين بي واليوم اسمعها من حنان حين لم اكن خاتماً بإصبعها . تقدمتْ من عبد الرحمن ، قبلته ، وناولتني إياها قائلة ، هو لك ، منك وإليك ، أريد ان احيا حياتي . كنت اخشى ان تطالب به ، لكن السماء أسعفتني حين تخلت تلك الأم الرؤوم عن فلذة كبدها كي تحيا حياتها

شهر منذ طلاقي من حنان ، وعدت للسكن مع العائلة ، حتى بدأت امي تغني على موال الزواج من جديد ، فعبد الرحمن يحتاجُ أماً وأنا أحتاج من تنسيني أسلوب حنان الهمجي ، ولم يعترض أبي على ذلك ، حينها كان يجب أن أتخذ خطوة جريئة وإن كنت ساندم عليها ما حييت
حين انهيت دوامي في المستشفى أمسكت يد سارا وخبرتها أن هنالك مشواراً سنفعله سوياً ، لم تسالني إلى اين وجاءت معي ، ادخلتها البيت ، رأيتهم حيرتهم وهم يحدّقون في وجه زوجتي الزنجية الحسناء باستغراب ، قلت بثقة لم اتعودها أمام أبي ، وعيناي في عينيه تماماً ما تزحزحتا ، أبي هذه سارا ، زوجتي الأجنبية ، نحن متزوجان منذ ستة اعوام تقريباً .
كادت الصدمة تسقط امي مغشية ، بينما حدّق أبي في وجه سارا ، حدّق ملياً ، وذهب لغرفته
طلبت من زوجتي الصعود لشقتنا لكنها لم تنطق ، كانت الصدمة قد أوقفت كل معالم وجهها ، كادت تبكي ، لماذا يا ناصر ؟؟ شعرتها تريد أن تصرخ بها ، لكنها بدل ذلك كله توجهت نحو غرفة أبي ، وطرقت الباب طرقتين ودخلت

حركتها تلك لم تفاجئني وحدي ، بل فاجئت كلّ من في البيت ، وبقيت أتجرع الصبر ، ساعة ونصف وسارا لم تخرج من غرفة أبي بعد ، لحظات ويفتح الباب ، يخرج أبي واضعاً يده على كتف سارا ، نظر لي وقال :
الذنب ليس ذنب من باعت الدنيا لأجلك يا ناصر ، ليس ذنب من هجرت الدار والظهر والسند لأجلك يا ناصر ، ليس ذنب من قبلت الظلم على نفسها لأجلك يا ناصر ، ليس لأجل من دخلت غرفتي في محاولة طلب المغفرة لك واضعة كل الاستعداد لفعل ما قد يغفر لك عندي ، ليس ذنبها البتة يا ولدي ، الذنب ، ذنب من لم يستطع ان يحمي بيته ، ولم يدافع عن حقه ، ولم يضحي لأجل من يحب
زغردي يا أم ناصر ولا تلطمي ،
التفت لأخي الأوسط وقال : محمود ، في الغد سيكون زفاف أخيك على ابنتي سارا

اليوم ، بعد عامين من حفل زفافي على سارا ، أرى عبد الرحمن و سعيد يرتعان حولي ، تركت سارا العمل وتفرغت للعناية بعبد الرحمن وأنجبت طفلنا سعيد وهي من اختار اسمه ، على اسم أبي ، بل إنها تمضي فترة غيابي مع والدتي تتعلم الطبخ العربي وأزيد لقد أسلمت سارا بنفس راضية ودون ان اطلب منها ذلك ، وصارت الطفلة المدللة للعائلة والحبيبة المقربة لأمي وأبي
وحين اعود للبيت متعباً تسرع إليّ بطست الماء المالح وتقوم تماماً بما كنتُ أرى أمي تقوم به واعترض عليه بل إنني ارى عبد الرحمن وسعيد يتسمران حين ادخل ولا يمدان اليمين للطعام قبل أن أفعل

بعد ثلاثين سنة من مولدي أدركتُ الحقيقة فيما كنتُ أمقته في بيت والدي
لم يكن أبي سي السيد ، ولم نكن نصمت في حضرته لأنه ظالم غشيم
ولم تكن أمي مهانة دون حرية
كان كلّ ما يحدث تعبير من نفوسنا الراضية بذلك عن الحب والاحترام
اليوم أدركت سبب إلحاح سارا قديماً بمعرفة كل تلك التفاصيل ، كانت ترى فيها معنى الحب وليس الخنوع فأنا اليوم بنظر الأفكار الحمقاء المطالبة بحقوق المرأة وحريتها ، ظالم غاشم ، احمق ، متخلف ، لكنني بنظر زوجتي الحبيب المصان ، دون أطلب تسرع إليّ .
اليوم كلما عبرت الشوارع ونظرت اليافطات المطالبة بتحرير المرأة ، ورأيت في الفضائيات تلك الإعلانات والدعايات والبرامج ، أبتسم فليت كل النساء فهمن الحرية كما فهمتها زوجتي سارا
توقيع :  إيناس الطاهر

 

إيناس الطاهر غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس