عرض مشاركة واحدة
قديم 08/10/2010, 01:13 PM   #2
مريم الظاهري
إملائية
 
الصورة الرمزية مريم الظاهري
افتراضي

.
.
في الفندق المطل على بحر مرمرة جلست ميره تقلب بريدها الإلكتروني في آخر الليل , فالكل تقريباً نيام , ما عدا الشباب الذين يهوون السهر خارجاً , و بعض بنات العائلة في الإستراحة المطلة على بحر مرمرة , يستمتعن بالبرد , أما هي فشدها الحنين للماضي فكتبت و أرسلت للمحب الغاءب قلبها و شوقها مع ما يلي . .
.
.

تنهيدة طويلة مع أنّة حزن و آهات يخرجن من جوفي يعانقن الهواء من حولي , كثيرٌ من الزفرات الساخنة و عبوس تعلَّق في ثغري و لم يعد يبارحهُ أبداً , و ماذا بيدي أن أفعل فأنا لا أجيد سوى الهروب من كل ما يحيطني و الإختباء تحت جلباب الشمس , بربك سيدي , قل لي كم مضى منذ أن سافرت أنا متعللة بالصيف و الشمس..؟؟ , و كم بقي من الوقت كي أعود ..؟؟ , أنا نفسي لا أدري فمنذ أن أتيت هنا فقدت إحساسي بالوقت حتى يوميات سفري التي أعتدت تدوينها كل عام لم أكتب حرفاً واحداً في دفتري هذا العام , و كأن هاجسي توقف عن العمل و حتى قلمي بعد أن كنت أنثر الشعر منظماً لعين الذي ترجوه عيناي و أسطر خواطري بحروفٍ من ذهب صار عاجزاً و يكتب الآن بصعوبة , و لا أخفيك سيدي , تجرعت مر الفراق حتى تقيأت الحب ! , و مرضت منك و لم يفدني في العلاج أي طب ! , أعيش في صقيع و الناس في صيف , و أتخيلك أمامي و لم يمر أي طيف ! , أجلس ألملم الأوراق و كأن أشجاري أعلنت فصل الخريف , و الناس في الشارع يتراكضون هرباً من الشمس من على الرصيف , ويحك ! كيف تجعلني هكذا أشتاق لك ؟ , لا تراجعت , لن أُأَنبك أبداً , فأنا التي جئت هنا هاربةً منك , لا لاجئةً إليك .
يهطل المطر غزيراً عندك الآن في العين و هو كذلك في إسطنبول لم يتوقف منذ البارحة و أتمنى أن لا يتوقف أبداً , فرؤية السماء ملبدةً بالغيوم يريحني كثيراً و يجعلني أتناسى ذلك اليوم المشمس الدافىء الذي ألتقينا فيه ثم عاودنا الفراق فيه بعد خمسة أعوام , إني أتذكرك كلما أشرقت الشمس و أنسابت خيوطها لتمزق حلكة الليل و أتخيلك كلما برز القمر و أَشع بين النجوم متباهياً بإستدارته و ضوءه و أنساك حين أتخلى عن الهواء! , نعم حين أتخلى عن الهواء فلا تعجب , فأنا لم و لن أتخلى عن الهواء قط , و هل أجرأ على الإبتعاد عن الأوكسجين ؟ ,بالطبع لا أجرؤ و لا أجرأ أيضاً على ترك البروفين , صحيح أنه لا يفيد و لا يسكن لكن من قل حيلتي فمسكنات العظام قد أثرت على كليتي , و كليتي لا ينقصها سوى التوقف عن العمل فليس في يدي سوى مصادقة البروفين و ترك علبهِ متناثرة في كل مكان و على أهبة الإستعداد متى ما أحتجتها, أتدري كلما سمعت طقطقة كتفي المكسور , لا لا ليس كتفي بالكامل مكسوراً ! , لم المبالغة ؟ , أقصد عظمة ترقوتي المكسورة أدعو الله أنك لم تصاب و أصبت أنا , و كلما توجعت و بكيت تمنيت من لب فؤادي أن لا يذيقك الله كهذا وجع , لا أدري لم كان حظي أن أكون معك و والدتي في السيارة في ذلك اليوم الممطر حين حاولت تفادي تلك المجنونة فأنزلقت بنا السيارة ثم لا أذكر, أذكر أني صحوت في توام عاجزة عن الحركة و بقيت طريحة الفراش في المشفى شهراً كاملاً , لقد أنكسرت ترقوتي بسببك , و خسرت كثيراً من الدم من كثرة الزجاج الذي أنغرز بداخل جسدي النحيل , أتنظر كيف أدفع ثمن علاقتك من صحتي , راحتي و سعادتي.؟ , دعكَ من ترقوتي المكسورة و مني , و لا تعاود تذكيري بضرورة إجراء تلك العملية فأنا سأجريها هذا الصيف ليس لأنك طلبت مني ذلك , بل لأنني سأحتاج وقتاً طويلاً كي أطيب بعدها و لن أحتاج الكثير من الأعذار كي أقنعهم بأني لا أستطيع العودة للوطن إلا عند بداية ( السمستر ) القادم أو التأخر عليه قليلاً , و هذا العذر لا يكلفني سوى مراسلة عميد الجامعة و إقناعه بكلمتين و أتصال واحد من أبي و أنتهى الموضوع , و لا أخفيك يا ابن عمي مللت من شرب أدوية أمي و جدتي الشعبية , فهما تجعلاني (أتوزاها) كل صباح و هذا ما ولّد لدي شعوراً مقرفاً لدرجة لا تطاق .
أتدري إني أهرب منك.؟ , و سأستمر في فعل ذلك ما دمت هناك في الوطن و لن أعود حتى تسافر من حيث جئت , لا تسألني لم أرحل متنقلة من بلد إلى البلد فأنا أرحل منك و من رؤية عينيك الكاذبتين , تلك المقلتين اللتين خدعتاني بحبهما و غمرتاني أماناً إنقلب رعباً و خوف , منحتك كل ما يملؤني من مشاعر و أسكنتك قلباً أوصدته عن غيرك , ضحيت بمنحة الماجستير في لندن لأجلك و جلست بين الجدران في البيت لأنني أطعتك , أستسلمت و ها أنا أكمل الماجستير هنا , كنت أهفو شوقاً للسفر و إكمال دراستي فمنعتني و تعللت بخوفك فتنازلت عن الحلم , ثم منعتني من العمل و لم تكتفي بهكذا ظلم , بل و أتهمتني بأني أخونك فتركتني , لم تأبه بقلبي المحطم بسببك و لم أكن آبه أيضاً بالغيد الغواني اللواتي تواعدهن و أوهمت نفسي و أقنعتها بأنك لي , قمتُ بكبتِ كل الجراح في داخلي و داويتها بصوتك الذي سرقني من عالمي كلما ما داعب رنينه أجراس أذني , و قلت علّه مع الأيام يتغير , و لكنك زدت وطأة الجرح و زدت في لكمات القسوة ,صارعت السهر أياماً , و صداقة الليل و أتقنت عد النجوم , فصارت وجنتي الحمراوين باهتتين لا لون لهما , و مقلتيَّ المشعتين اللتان تشدوان بأغنيات العشق بين أهدابهما , صفراوين ذابلتين مضى زمن الغناء فما عادتا تشدوان , كم تمنيت أني لا أتركك و أرحل أو أصدق أياً من ما تقول , و لكن لا شيء من هذا يحصل , كنت أسمعك و أصغي و أطيل الإستماع إليك و أتقبل قصصك الملفقة عن كل شيء , ثم حين أتى دوري لتصغي إلي لأشرح ما فهمته بطريقة خطأ أو لم تفهمه أصلاً و أفسر لك , أشحت بوجهك عني و أزوريت راحلاً للبعيد دون أن تسمع أي شيء , فجرحتني مرتين مرةً حين رحلت دون وداع و مرةً حين شككت في حبي , ألا تعرف يا سيدي (البطران) أن حبي لك ذهب عيار 24.! , و أغلى من مقود (البنتلي كوبيه) و من الرقم الثنائي الأحمر المعلق في مؤخرتها , أتدري.؟ حين أفكر بأن أهديك شيء من الذي تحبه أخجل , فحينما أذهب لأختيار ساعة أجدهن كلهن أرخص من تلك التي ترتديها من دار كونستانتين فاشرون .!, و حين أفكر بشيء آخر أجد انه لا يستهويك , كنت صعباً في كل شيء في ذوقك و أختيارك , و حتى في الوصول إلى قلبك كان الوصول صعباً و شاقاً , و ليتني ما وصلت و لا أقتربت منك و من عرش قلبك , مالي و مال المليح اللواتي تعشقه الحسناوات..؟ , و مالي و الحب أصلاً .!.
إني أتأوه الآن , و أذرف دمعاتي ألماً من كتفي الذي حركته دون قصد و حين بكيت أغمضت عيني فأخذتني ذاكرتي بعيداً , أتذكر كيف ألتقينا..؟؟ كيف تعللت و لحقتني ثم أحببتني فتركتني بعد خمس سنوات , تتزاحم الأنّات بداخلي و صدى الماضي يمزقني , يبعرثني بل و يدمرني , لستُ أستطيع الإستمرار أكثر في كذبة أعيشها و لا طاقة لدي لتحمل المزيد , لا عتاد و لا مداد كافيين لإكمال الطريق الوعرة , صبري نفذ مع الأيام و مطاحن الشوق توقفت عن الطحن , و جيوش صبري لم تعد تستطع المحاربة و تحمل المزيد من المحن , فكفى لحاقاً بي و دعني أهرب حيثما أشاء , ربما تكون جيادي توقفت عن الصهيل , و بساتيني الورافة يبست أغصانها و عروق أشجارها , لأن نهر حبي جف و ينبوع الحب أنضب , طفح كيلي و تهدم السد , تدمر كل شيء و أحتاج لأعادة التعمير و لكن ليس علي يديك .
سأقف لهنا و ليس بودي الحديث أكثر و الكتابة أكثر فالصقيع في الغرفة يجمد أطرافي و طقطقة المطر تشدني لآراها , بل للخروج و الوقوف في إستراحة الفندق المطلة على خليج الفسفور , أستئذنك يا من كنت في يومٍ حبيب قلبي , سأذهب قبل أن أجر يدي على لوحة المفاتيح فأكتب ما أندم عليه فيما بعد , أو أقدم إعترافاً آخر يخزي كبريائي أو كرامتي , و أعدك هذه المرة لن أضيع فرصتي و سأعيش , و سأترك ذكرياتي و أوصد عليها الباب و أزوَر عنها كلما جاءت لتداعب مخيلتي و تسحبني لبراثن حبك من جديد .
2:30 after midnight
Istanbul

:
توقيع :  مريم الظاهري

 

[ . . الصدى . . ]
,
مجرد صدى صوت قادم من حيث لا صوت ..!!
إلا ..
صوت الألم ..
بعض الآهات و الأنين ..
و كثيرٌ من الوجع الممزوج بالصرخات المكبوتة ..!!
مريم الظاهري..
مريم الظاهري غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس