عرض مشاركة واحدة
قديم 18/02/2011, 08:44 PM   #3
مَدى
موقوفة
افتراضي

- دونَ خجل : أخبئ بُكاءً يَخُصّكِ .

من أغبى الحيلِ التي تمسكتُ بِها في هذهِ المدينة : حيلة السعادة !
فكنتُ أكتبُ رسائِلي إليّكِ , و أحدِثُكِ بِ صوتِ الفرحِ الذي عجنتهُ طويلاً في حُنجرتي حتى يظهرَ لكِ في رسالة , بِ أناقة .. تجعلكِ تظنينَ أنّي بِ خيّر , و أنّي ماعدتُ أبحثُ عنّي في صوتِكِ !
لم أكن أنتظِرُ حضوركِ , كنتُ على يقين بِ أنّ صوتَ رسائِلي سيخفي حسرتي بعيداً عنّكِ , و أنكِ ستنامينَ و تطبعينَ على خديّكِ كُلّ الأماني أن يديمَ الله عليّ سعادتي !
و عندما أنتهي من رسائِلي , أحرِقُها , و أحرقُ معها كُلّ الأماني .
في الحقيقة , ما كنتِ تغيبينَ عن خيالاتي , و كنتِ تُباغتينَ أوهامي عندما تحمِلنُي إلى بُكاءٍ عميق , لم أبكِهِ طيلةَ حياتي !
كانت الدموعُ تُحاصِرني كُلّما تذكرتُ وجهكِ و أنتِ تُخيرينني بينَ البقاءِ معكِ , و السَفرِ وحيداً .. !
لا أدري حينها كيفَ ظننتُ أنّي سأتحمّلُ هولَ عبوري لِـ مدينةٍ أخرى و أنتِ لا تُمسكينَ بِ يدي , و لا تقودينني خلفَ خطواتِكِ !
أصبحتُ مؤخراً أظنُ أنّ هذا الحُزنَ تسببتُ بهِ لنفسي , عندما فضلّتُ السعيَّ وراءَ أحلامٍ قديمة , تغيّرت منذُ أن خُلِقتُ مِن جديدِ بِ عمرٍ جديد حملكِ إليّ , و لم أدرِك تغيّرَ سيرَ أحلامي إلا هُنا , و أنا أحاولُ إلتقاطَ أنفاسي خلفها , بِلا جدوى ... وجهكِ فقط ما يتراءى أمامي!

توقفَ المَطر , قررتُ بعدَ ثلاث دقائق من الوقوفِ على عتبةِ بابِ الغُرفة , أن أخرجَ و أتسكعَ في الشوارع , علّ الماء الراكِدَ على تلكَ الشوارع يغسِلُ شيئاً مِن كآبتي .. و كي أغتسِلَ بِ شيءٍ من الشمسِ حتى لا أفقدَ رائِحةَ الشمسِ مِن جلدي !
هذهِ الشوارِع تمتلئ بِ الفتيات , و لكن من منهنّ تستطيعُ أن تُرافِقَ رجُلاً يحمِلُكِ في كُلِ أجزائه !
فكرتُ في تضييع الوقت بِ التنقلِ بينَ المتاجر و البحثِ عن متاجِرَ صغيرة غيّر مكتظة بِ النساءِ , فكرتُ أن أذهبَ إلى متجرِ العمِ مصطفى , هذا الرجل تُركيّ الأصل و يتحدّثُ العربيّة كما لو أنّهُ ولِدَ مِن رحمِ قاصّةٍ عربيّة .. لديّهِ مِن الخِبرة ما تطغى على تجاعيدِ جسدهِ النحيل , شعرهُ أشعث , و ابتسامتهُ كسيرة , هوّ لا يحدثني عن نفسه لهذا أنا لا أعرفُ كيفَ أخذَ الحُزنُ طريقاً لصدرهِ , و لا أعرفُ عنهُ سوى سوء الحَظ .. و لعلّ حظهُ هذا ما دفعني لِـ أظنّ بِ أنّي الآن أشبههُ تماماً .. و أنّي أحتاجُ أن أتحدّثَ معهُ عن حظي الذي ماعادَ يبتسمُ منذُ ابتعدتُ عن دائِرةِ ضوئِكِ !
اشتريتُ بعضَ الكعكِ في طريقي , و سرتُ إليّهِ مُحمّلاً بِ الشكوى , و أنا أراقِبُ خطواتِ الفتياتِ و هنّ يتمايلنَ و يتجملّنَ بِ خطواتِهن .

.. السلامُ عليكم .
.. و عليكَ السلامُ يا قُصي , كيفَ أنت ؟
.. نصفُ مرتاح .
.. و أينَ ذهب النصفُ الآخر ؟ " مُمازِحاً "
.. زارتني في منامي بِ الأمسِ أيضاً . " مُتجاهِلاً دعابته "
.. جميل .
صمتَ كِلانا .. كُنتُ أفكِرُ هل " جميل " تعني أن أكمل , أم أنّهُ مَلّ مِن شكوايّ قبلَ أن تبدأ !
ثُمَ أكملَ مُتسائِلاً :
.. و كيفَ بدت ؟
.. نصفُ مرتاحه .
.. هل تركت لكَ خبراً أو رسالة ما ؟
.. كانت تلفُ سجائِري بِ ورقِ رسائِلي ... و تُدخِنُها !
.. اذاً هيّ مُدمنة .
.. أقسمُ لكَ أنّها ما دخنت سيجارةً مِن قبل ! " بِ إنفعال و كأنّهُ شتمكِ "
.. أقصد , مُدمنة لِـ رسائِلك . . لِـ حديثك ربما .

صمتَ و أنا إبتلعتُ إنفعالي .. ثُمَ قال :
.. أكتب لها رسالة , بما أنّكَ لا تُريدُ الإتصالَ بِها عبرَ الهاتِف .

استأذنتهُ بِ الرحيلِ , و هوّ يُرتِبُ بعضَ الأشرِطة القديمة , فأهداني احداها و همس : هذهِ الموسيقى ستأخذكَ إلى الصواب !

حملتُ الشريطَ بِ كلتا يديّ , و كأنّ حياتي الآن متوقفه على هذهِ الموسيقى .. و سرتُ و أنا أتبعُ ظِلّي إلى غُرفتي و خيبتي مازالت تلحقُ بي !
في طريقي .. توقفتُ أمامَ إحدى المكتباتِ الكبيرة , إبتعتُ ظرفاً و بعضَ الورقِ الأبيض .. و قلمَ حبرٍ جاف .. و كنتُ كُلَ طريقَ عودتي أتمنى أن يكونَ المتجر القريب مِن غُرفتي مازالَ مفتوحاً لِـ أشتري مُسجِلاً , لعلّي اليوم أجدُ طريقَ الصوابِ أو يحمِلُني صوتُ ملاكٍ إليّكِ !
لحِقتُ بِ صاحِبِ المتجر و هوّ يغلقُ أبوابَ متجرهِ , طلبتهُ مُسجِلاً .. كانَ يرفضُ في بادئ الأمر إعداة فتحِ الأبواب , و لكنّ كُلّ اللهفةِ و الخوفِ المجتمعِ في وجهي , و ملامِحِ الموتِ التي بدأت ترتسمُ عليّ جعلتهُ يعيدُ إدارةَ المفتاحِ في قفلِ الباب ., دخلَ متجرهُ ليعود بعد دقيقتين و هوّ يحمِلُ مُسجِلاً .. أعطيه النقودَ و كثيراً مِن الشُكرِ , كما لو أنّهُ وهبني حياتهُ و ليسَ مجرّد علبة بلاستيكيّة بِ أسلاك !
دخلتُ غُرفتي مُسرعاً , على عكسِ عادتي ..
خلعتُ حذائي البنيّ , و المعطف الذي لم ينجح بِ إدخالِ الدفء إلى قلبي . .
أدرتُ الشريط على عجل , و رميتُ بِ جسدي فوقَ السرير , و أغمضتُ عينيّ , كي لا يخاف الصوابُ مِن عُمقِ عينيّ و غرقِهما بِكِ , فلا يأتِ !

بدأت الموسيقى تسرقُ شيئاً من روحي , الوضعُ كانَ يشبهُ الإختناق , كنتُ أشعرُ بِ قشعريرة تنمو على أطرافِ جسدي , أصبحتُ أرى وجهكِ و أنتِ تنظرينَ إليّ بعينيّن متأملتين , و صوتُكِ و كلماتُ الوداعِ أصبحت تطرقُ في رأسي , كـ أجراسِ الكنائِسِ هُنا , وتقرعُ في رأسي حنيني و خوفي و كُلُ لغاتِ العتابِ تجتاحُني , لم أعد أطيقُ هذا الاتساع , هذا العُمق الذي أغرقُ بِهِ وحدي ... أطفأتُ الموسيقى , و خضتُ بكاءً طويل .. طويلٌ جداً !



يتبع
توقيع :  مَدى

 

كيفَ برجلٍ مثلكَ أن يتسلل من حُلمي الى صدري , ليوقظَ برائحتهِ حُباً يَكتُبُني ! *

[/COLOR]
مَدى غير متواجد حالياً