عرض مشاركة واحدة
قديم 14/05/2010, 02:38 PM   #14
زَيْنَــبْ المَرْزُوقِي
Cold Memories
افتراضي

كنتُ أحب جدتي - أم أبي - رحمها الله كثيرًا، وأعشقُ خُبز الصباح حين تشاركني به في غرفتهاَ، وأحبّ الحكايات التي كانت ترويهاَ لي ،
وكلماَ همّت بالخروج أجذبها من طرف ثوبهاَ راجية : " خُذيني معك!"

وهي لا تملكُ وسيلة للرفض فتقبل بصدر رحب،
وكنّا نذهب إلى السوق القريب من بيت عمّي ، وكنتُ أسير خلفهاَ لأتمتعَ برؤيتها وهي تمشي،
فقد كانت تحني ظهرهاَ إلى الأمام قليلاً ، ويداها مكتوفتان إلى الخلف ...

حدّثتني أمي كثيرًا عن قسوة جدتي معهاَ إبّان زواجهاَ هي ووالدي ،
وقبل سنوات قليلة بلغنا خبرُ إحتضار جدتي بعد إصابتهاَ بجلطة دماغية حادة،
وقد طلبت جدتي من أبي أن يُحضر أمي كي تطلب منها السماح،
وحين ذهبناَ إلى بيت عمي ، وجدنا جدتي طريحة الفراش وحولهاَ عددٌ من النسوة ورائحةُ البخور تملأُ المكان،
وجدتي كانت نائمة على سرير جدي رحمهُ الله ، تقبعُ في صمت وهدوء غريبَيْن ،

لم أكُن لأتخيّلها في تلك الحالة ، لأني إعتدتُ على حيويتهاَ ونشاطهاَ،
هي التي لم تكُن تصمت أبدًا، كانت مُغلقة الفم وكان طرفُ فمهاَ يميل إلى الأسفل لإصابتها بالجلطة ...
ضممتُ يديها الباردتين بين يديّ وراقبتُهاَ بصمت والبكاءُ يعتصرُ قلبي من الداخل ..

فلأوّل مرة ألمحُ الضعف عليها ...

وبعد أسبوعين ، وحين كنتُ في الكُلّية ، إتصل بي والدي وأعلمني بخبر وفاتها ...
خبرٌ لم أقاوم بكائي بسببه ، وتركتُ كل الحصص ، لأركض بإتجاه السكن الجامعي، وأنا أعبر حشود الطلبة والطالبات وكأني ألمحُ إستغرابهم من تلك الدموع التي ملأتْ وجنتيّ ..

وحين بلغتُ غرفتي ، أغلقتُ على نفسي بالمفتاح ... وطفقتُ أبكي ... وأبكي ... وأبكي ...
توقيع :  زَيْنَــبْ المَرْزُوقِي

 

لازلتُ مرشومةً على صدر الماء !
زَيْنَــبْ المَرْزُوقِي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس