عرض مشاركة واحدة
قديم 14/05/2010, 02:31 PM   #2
زَيْنَــبْ المَرْزُوقِي
Cold Memories
افتراضي

كنّا في حيّنا القديم نسكنُ في بيت أغلبُ مساحته خُصّصت للحديقة ، وكان أبي بحكم خبرته الزراعية يعتني بتلك الحديقة كثيرًا حتى أصبحت شبيهة بحقل به من أصناف الغلال والورود ما يسرّ الناظرين،
وكنتُ حينهاَ طفلةً تدرسُ في الصف الإبتدائي الأول ، وربّما أكثر ما كنتُ محبوبةً لأجله هو ورود الحديقة، فلا بدّ لأي صديقة لي أنْ تطلب مني بأسلوب طفولي مُهذّب أن أجلب لهاَ وردة من الحديقة،
وأنا كنتُ مطيعة لجميعهن، وآتيهنّ بالورد والسعادةُ تملأُ قلبي ...
فمن الجميل أنْ تنعم بشيء رغمَ بساطته يكونُ متفرّدًا في أعين الآخرين !

وكثيرًا ما كنتُ أكتشفُ صبيان وبنات الحيّ وهم يتسلّلون خفيةً إلى الحديقة من بابهاَ الرئيسي كي يسرقوا الورد،
وأنا لم أكُن لأحتمل فكرة خلوّ شجراتناَ الثلاثة من الورود ، وكنتُ أخشى أن تكرهنني صديقاتي حين لا أحضر لهنّ الورد ككل يوم !

إنتقلناَ من البيت وضاعت الصداقة، وذهب الورد أدراج الرياح،
وكبرت دون أن أنسى تلك الزاوية الضيقة في قلبي والتي خصّصتُهاَ لحيّ الطفولة،
لذا طلبتُ من والدي العام الفارط أن يأخذني إلى ذلك الحيّ، وحين عبرناَ الزقاق ال يُفضي إليه كان كلّ شيء مختلفًا ،
البيوت جديدة ، والوجوه جديدة، والسماء مختلفة، ورائحة السواقي لم تعُد موجودة، وعبق الزيتون تلاشى،
وذلك العجوز الأعرج لم أرَه يمرّ كما كان يفعل كلّ يوم ، وذلك الدكّان البسيط أصبحَ محلاًّ لبيع الإلكترونيات،
تجاوزناَ كل هذه التفاصيل، وأنا أسألُ أبي : "أينَ بيتُناَ القديم يا أبي ؟"

ليجيبني ... "لقد تركناهُ خلفنا ... ألم تنتبهي له !"

وحين عاد بالسيارة إلى الخلف .. وبالتحديد إلى أمام البيت الذي أكّدَ لي أنهُ هو ذاتهُ بيتُ الطفولة، لم أعرفه ،
ولم ألمح أشجار الورد التي كانت تتسللُ عبر قضبان السور ، ولا عراجين العنب التي كانت تتدلّى من السقف ....
لمْ أرَ سوىَ سورًا أبيضَ اللون، وبابًا مرتفع الطول خلفه ظلّ إمرأة أنيقة !
توقيع :  زَيْنَــبْ المَرْزُوقِي

 

لازلتُ مرشومةً على صدر الماء !
زَيْنَــبْ المَرْزُوقِي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس