الموضوع: " رَاوِيَـة "
عرض مشاركة واحدة
قديم 05/07/2010, 05:18 PM   #5
أسامة بن محمد السَّطائفي
مشرف رَتْلُ المزن
 
الصورة الرمزية أسامة بن محمد السَّطائفي
افتراضي

‘‘

- 4 -
أُحِـبُّـهُـمَـا



الـرَّمادِيُّ ، لونٌ لا يحبِّذهُ أغلبيةُ المُبصرينَ ، فهُم يُحمِّلونَهُ أوزارَ التَّشاؤُمِ وَ التَّعاسةِ وَ القُنوطِ وَ الحُروبِ وَ البُغضِ وَ الإنتِكاسَةِ وَ الغُموضِ وَ البَشاعةِ وَ المُستَحيلِ وَ العَمى وَ الحَيْرةِ وَ المَوتِ وَ الفَـراغِ القَـاتل .

مُذنِباً كانَ أم بَريئاً تحمَّلَ ذلكَ اللَّونُ تِلكَ التُّهَمَ وَ غيرها بما يَفوقُ طاقتهُ ، وَ نَسِيَ منتَقِدوهُ مَحاسِنهُ وَ جمالِيَّتَهُ وَ بعضَ فضائِلِهِ .

فَالغيمُ المُثقلُ بالغَيْثِ غيَّاثاً للأرضِ و من عليها رمادِيٌّ ، وَ القمرُ المُنيرُ بِفُوَّهاتِهِ الفاتِنَةِ رمادِيٌّ ، وَ اليَمامُ مُبْهِجُ الشَّكلِ وَ الهَديلِ رمادِيٌّ ، وَ تِشرينُ بأجوائِهِ الَّتي تَحُضُّ على مُمارسَةِ طُقوسِ التَّأمُّلِ رمادِيٌّ ، وَ الحُزْنُ بِعُمقِهِ الفَلْسَفِيِّ الإنْسَانِيِّ رمادِيٌّ ، وَ التَّارِيخُ بِماضِيهِ الَّذي يَعْبَقُ أصالةً وَ مَجْداً رمادِيٌّ ، وَ أطْلالُ العُشَّاقِ بِذِكْرَيَاتِها العَزيزةِ رمـادِيَّـة .

لأجلِ كلِّ هذا و غيرهِ كُنْتُ رمادِيًّا منذُ الصِّغَر ، فمدِينَتي مُصطَبِغةٌ بهِ من جهةِ حظارتها الضاربةِ في غابرِ الأزمنةِ و من جهةِ خَريفها وَ شِتائِها البارِدَيْنِ إلى حدِّ الوَجَع .

كذلكَ كانَ لِقائِيَ الأوَّلُ بكِ يا راوِيَة - هل تَذكُرين - في سَطيفٍ أواخِرَ دِيسمبر ، و أنتِ لابِسَةٌ سُتْرَتَكِ الرَّمادِيَّـة . فازْددتُ بالبَرْدِ هُياماً وَ بِالرَّمادِيِّ غَراماً وَ مازِلتُ على عَهدِ حُبِّكِ وَفِيًّا مُقيماً إلى أن يشاءَ اللهُ أمراً كانَ مفْعولا .

n.b سَألتني إحداهُنَّ قبلَ أعوامٍ عن لَوْنِيَ المُفضَّلِ ، فاحتَرتُ ما بينَ الأخضرِ وَ الأزرق . كُنْتُ وقتها مُخطِئاً ، وَ لو نظرتُ من كُوَّةِ نفسي إلى نفسِي لعرفتُ ما هُوَ دونَ أيِّ حيرةٍ تُذكَرُ .

الثُلاثـاءُ /29/06/2010



‘‘
توقيع :  أسامة بن محمد السَّطائفي
أسامة بن محمد السَّطائفي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس