الموضوع: بعثرة ...!
عرض مشاركة واحدة
قديم 18/12/2011, 06:12 PM   #14
فهد الرويلي
إمـلائـي
 
الصورة الرمزية فهد الرويلي
 





من مواضيعي
 
* بعثرة ...!


فهد الرويلي is on a distinguished road
افتراضي

"رسالة حب إلى حراس الفضيلة"


نخبنا الفاضلة والقائمة هناك: نحن العامة/ التلاميذ، كما ترغب مقاماتكم. نعتذر مقدماً عن أي إزعاج قد يسببه صعودنا الغوغائي إلى مقام أبراجكم السامية، ونؤكد أن حبنا الكبير لكم ورغبتنا المسعورة بالتقاط نسائم قربكم هما ما دفعنا دفعاً لهذا الفعل غير المنطقي. فسامحوا عاطفتنا غير المتحضرة، واعذروا عقليتنا الهمجية والبدائية التي تصر على إبلاغكم بأخبار ندرك مسبقاً مدى حقارتها أمام منظومتكم المعرفية، التي يستظل المجتمع بظلها.
نخبركم نحن عامتكم وتلامذتكم بأننا بعد حصول بعضنا على البكالوريوس من جامعتكم وبعضنا الآخر من جامعات يديرها أكاديميون أو مشائخ من استراحتكم، حصل صراع ما بين القوى الفضائية التي كانت تحمينا ومجموعة أخرى، نعم هي جديدة في تسليحها وتقنياتها ولكنها تحمل نفس ملامح القوى القديمة، وأيضاً تمارس نفس تصرفاتها.
تطير في إبل، تتشقلب بحركات تسميها هي بنيوية وحداثة وما بعد حداثة. أما أسلحتها، فهي شعر شعبي و»بِنتلي سوداء» وقلم جاف كبير وذئب وبشت لا يلبسونه، ولكن يوضع على الكتف فقط. طريقتها ما كبُر أسمته بنى ذهنية والبقية نص وصورة، أما أسلوبها في القتال فهو تفكيك على أنغام منكسرة تئن بها أيديولوجيات ربابة تتوسد نار في كافيه لفندق خمس نجوم. معلقة على جداره صورة شيخ قبيلة بشاربين عريضين.
كل ما تعمل هذه المجموعة في الحياة هو الأصوات. وصوتها يأتي صاخباً غير مفهوم أجبرتنا على تعلمه فقتلت لغتنا وهدمت منازلنا وكل ما ورثناه من أدوات وألعاب وملابس.. إلخ.
أتعبنا التعلم إلى أن اكتشفنا أنه في هذه الممارسة يكون المسؤول عن خلق معنى الصوت هو من يسمع لا من يقول، لأن القوالب المتخيلة في قعر فنجان الذهن تدل عليه. فأدرنا القوالب لنتكئ والفناجين لننتشي. أما الأصوات فتركناها للشباب والعاطلين. فالبعض يفرغون أنفسهم لإطلاق الأصوات ليقوم بقيتهم بالبحث عنها. وقد انشغل الجميع بالبحث عن معنى حقيقي، فاتفقنا ضمنياً على أن نؤيد كل تفسير يقوله أحدنا عن صوت الآخر، وأن يتم عمل شركة لتشغيل هذا الصوت يستفيد منها بعض العاطلين مادياً، ولتحفظهم من الفراغ والشارع أيضا.
الأهم يا أساتذتنا أن وجود هذه المجموعة الجديدة أشعل حرباً نسمع ضجيجها بالسماء. لقد توقعناها حرباً طاحنة، إلى أن عرفنا من خلال حجم الصوت الصادر عنها والتقاط بعض مضامينه أنها أقرب ما تكون لمعركة بمجملها شتائم وسباب.
اعتدنا على هذا الصوت منذ سنوات، فصرنا جزءاً منه إلى أن هبط الفضاء لنا قليلاً. وأصبح يدخل في عراكهم بعض شبابنا قتلاً للفراغ، أو للتسلية ثم تبعهم البعض هرباً من الوحدة والبعض الآخر لممارسة الغزل، والبعض ذهب للتعرف على الرجال المهمين.
أصحبت هذه متنفساً كبيراً لشبابنا، وقد عادت بعض مغامراتهم بأموال طائلة وشهادات ومناصب غير متوقعة.
تغير الكثير والكثير من أساليب وشخصيات وأشكال وطريقة تعامل أفراد المجموعة الأولى بشكل لن تصدقوني مهما وصفته لكم، فكبيرهم المرعب أصبحت الابتسامة تغطي وجهه بشكل أصبح يزعجنا، وتحولت الحلقات إلى (كشتة) أصلها صيد جرابيع ورقص سامري، يتخللها مقتطفات وعظية من سيرة الأقدمين بشرط أن تكون مضحكة.
نعم استفدنا من هذه الغزوة المفاجئة وهذه الحرب التي يحاول الكل فيها كسب رضانا فيتنازل الآخر. نعم وجدنا لأول مرة من يجادل حماة الفضيلة القدماء ويشهّر بأخطائهم علناً، فأصبحوا يخافون من أعوان الجديد ويتحفظون في تعاملاتهم.
لقد أضحكتنا حربهم في البداية لسخافة مضامينها بالشكل الذي عرفنا فيه أنها لن تؤثر على منظومة قيم أبنائنا. لكنها بعد أن طالت وعرفنا أن عقليات الطرفين خاوية ولا تعرف ما الذي هي مقبلة تحت مظلته من أفكار وقيم ومفاهيم، إنها حرب ترتكز على مراقبة وكشف عيب الآخر، التقطها أبناؤنا فأصبحوا لا يجيدون التفكير وتوقفت عقولهم عن العمل أو اقتربت.
لقد شعرنا بحسرة على كل أشيائنا التي سقطت، فتوقفنا عن الحيلة. وخلال الفراغ العقلي والروحي وفقدان المعنى والهوية الذي عشنا فيه تعلمنا كما يجب من أجل المعلومة والوعي.
فأخبروهم يا حراسنا بأننا درسنا تاريخ الفكر ومنهجيته وتطبيقاته، وأخذنا بنيوتهم من ستراوس وفوكو ولم نؤطر كل مفاهيم سيسيولوجاها، مرة بالنظرية اللغوية ومرة بالسياسية.
أدركنا معاني المصطلحات الثقافية من الأنثروبولوجيا رحم الثقافة التي يسمعون بالتأكيد بمنهجية الخطاب فيها وقدرته على التشريح وكشف غطاء المعاني الحقيقية. فليكفوا عن صراخهم


تركي الرويع
"كاتب وباحث إنثروبولوجي"
المصدر (صحيفة الشرق)
يوم الأحد 18 |12|2011
فهد الرويلي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس