الموضوع: غُصّةُ فَقْد
عرض مشاركة واحدة
قديم 10/06/2011, 03:41 PM   #7
مجد الأمة
كاتبـة
 
الصورة الرمزية مجد الأمة
افتراضي

رِسَالَةٌ ثَانِيَة ..
" إلَى صَدِيقَتِي مَعَ التّحِيَّة ...
مَا أحْوَجَنِي للبُكَاءْ فِي زَمنٍ صَارَ فِيه الشَّجَنُ عُمْلَةً بَخْسَة، فأنَا مُبَعْثَرةٌ جِدًّا جِدًّا، أشْعُرُ بالوِحْدَة تَخْنُقُ كُلِّي، أنْطَوِي بصَمْتِي وأمَارِسُ التَّشرُّدَ فِي أزِقَة مَدِينَةٍ تَغْتَسِلُ كُلَّ يَوْمٍ بالمَطَرْ، ويَحْتَفِي أهْلُهَا بهُطُولِه .. أحَاوِلُ التأقْلُمَ بعِيدًا عَنِ الوَطَنْ .. ولكِنْ تَلْزَمُنِي سُنُونٌ طِوَالْ فقَطْ لأسْتَكِينْ ..
مَوْعِدٌ مَعَ الحُزْنِ اتَّخذْتُهُ يَوْمَ رَحَلْتْ .. ولَكِنْ أعِدُكِ أنّي سَأكُونُ بخَيْرْ .. وسَتَصِلُكُ رَسَائِلِي كُلَّ هَزِيعٍ مَسَائِيّ .. تَحْمِلُ مَعَهَا أشْواقِي واشْتِهائِي للِقَاءٍ قَرِيبْ .. كُونِي كَمَا عَهِدْتُكِ .. رَفِيقَتِي التِي أحْبَبْتُ ذَاتَ هَوًى .. سَألْتَقِيكِ ..
رَفِيقَتُكِ .. "

أعَدْتُ قِرَاءَتَهَا فَدَمَعَتْ عَيْنَايَ فَجْأةً .. واخْتَنَقْتُ شَوْقًا .. وامْتلأتُ رَغْبَةً فِي لِقَاءٍ قَرِيبْ كَالذِي أرَدْتِ .. فِي رُكْنِنَا المُعْتَادْ .. تَحْتَ سَمَاءٍ غَائِمَة .. نَحْتَسِي عَصِيرًا بَارِدًا .. ونُشيّدُ بَيْتًا لأمْنِيَاتِنَا الصَّغِيرة .. نَتَبادَلُ الحَدِيث حَوْلَ مَوَاضِيع جَمَّة.. نَقْرَأ كُتُبَنَا بِصَوْتٍ مُرْتَفِعْ .. نُلْقِي بأبْيَاتِ شِعْرٍ حَماسيَّة وكأنَّنا فِي سَاحَة جِهَادْ .. نَحْتَفِي بمُشَاكَساتِنَا .. تَظْهَرُ عَلاَمةُ الجِدّ عَلى مَلاَمِحِنَا .. تَلْتَقِي النَّظَراتْ .. فنَبْدأ بِضَحِكٍ طُفُولِيّ .. حَتَّى يُعَانِقَنَا ضَوْءُ الفَجْرْ ويَنْشُرُ فِي رُوحَيْنَا عِبْقَهُ الأرِيجْ .. فنَتغَرْغَرُ بأنَاقَةِ الصَّمْت ..
مَازِلْتُ أذْكُرُ والذّكْرَى يَا رَفِيقَةُ لاَ تَخُونْ .. كَمْ كَانتْ تَرُوقُكِ مَلاَمِحِي وأنَا ألْهُو بابْتِسَامتِي لحْظَةَ قِرَاءَةِ كِتَابْ .. وأذْكُر كُلّ لِقَاءَتِنَا .. وأتَمَنَّى عَوْدَة المَاضِي فَقَطْ لأحْتَفِي بكِ .. وتَعُودَ ابْتِسَامَتِي ..
رَفِيقَتِي .. أحْبَبْتُ أنْ أخْبِركِ كَيْفَ تَطْعَنُنِي خَنَاجِرُ الأقْدَار، وأنَا وَحِيدة .. وكَيْفَ تَشدُّنِي شَواطِئُ هَذِهِ المَدِينَة للرَّحِيلْ .. ولَكِنّي قرَّرتُ أنْ أغلّفَنِي اللَّيْلَةَ بخِدْرِ شَجَن .. وأمْضِي بعِيدًا بِزَفْرَةِ الحَنِينْ .. أغْمِضُ عَيْنِي .. فأرَى مَوْكَبَ الأحِبَّة يُزَفّ .. وأتمنَّاكِ قُرْبِي أخْتًا عنْهَا لاَ أعْلِنُ البِعَادْ ..
رَفِيقَتِي .. سَأكْمِلُ الآنَ قَهْوَة حَنِينٍ تَرَكْتُهَا هُنَا بعْدَ أنِ ارْتَشفْتُ مِنْهَا الكَثِيرْ .. وأعُودُ ثَانِيَة لأهْرُبَ مِنْ ذَاتِي فأنَا حَقًّا أشْتَهِي عَوْدَةً لذِكْرَيَاتِي القَدِيمة .. لِذَلكَ العَالَمِ البَرِيء الذِي كُنتُ أعلّقُ بهِ وإيَّاكِ أحْلاَمَنَا الكَبِيرَة .. وكُنْتُ أرْسُمُ عَلَى صَفْحَةِ المَسَاءْ أمْنِيَاتٍ شَبَقِيَّة الألْوَانْ .. تَبْدَأ رِيمُ حَدِيثَهَا الطُّفُولِيّ وتَقُولُ أنَّها لمْ تُخْلَقْ إلا لِتَكُونَ طَبِيبَة، أمَّا أسْمَاءْ فكَانتْ تُفضّلُ التَّعْلِيمْ، وأنَا كُنْتُ أجْلِسُ تَائِهَةً فِي عَرَاقِيلِ أحْلاَمِهنّ لِيَأتِيني صَوْتُكِ المُشَاكِسْ ويَقُولْ أنَا لاَ أرِيدُ كُلّ هَذَا .. أنَا أرِيدُ أنْ أكُونَ امرَأةً بمُوَاصَفَاتٍ يَرْضَاهَا دِينِي .. لتَبْدَأ ضَحَكاتهنَّ المُتتالِيَة .. أهَذَا حُلُمٌ يَا أنْتِ ؟ .. وكَمَا عَهِدْتُكِ تَحْمِلِينِ بَيْنَ الأضْلُعِ شُمُوخًا .. وبكِبْرِيَاءٍ عَتِيدْ .. أمْطَرتِهِنَّ قُيُودًا مِنْ كَلامٍ كَبَّلتْ كِبْرِيَاءهُنَّ .. وزَرَعْتِ حُمْرَةً اعْتلتْ خُدُودِي وشُعْلَةَ حُبّ اسْتَوْطَنَتْ شِمَالَ صَدْرِي .. وبِخُطُواتِ طِفْلَةٍ صَغِيرَة .. جِئْتُكِ حَامِلَة كُلَّ أحْلامِي لٍتُصَافِحَ أنَّاكِ ونَطِير بعِيدًا بَعِيدًا حَيْثُ وَطَنٌ يَجْمَعُنَا نُمَارِسُ فِيهِ مَا نُرِيدْ ..
كَانَ هَذَا لِقَاؤُنَا الأوَّلْ .. تحسَّستُ مِنْ عَيْنَيْكِ مَلاَمِحَ حُبّ جَارِفٍ لأمّتِنَا لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُ للهُدُوءِ عُنْوَانْ .. ولاَ يَعْرِفُ للخُمُودِ سَبِيلاً .. وكُنْتُ أنَا .. بِرَائِحَةِ الطُّفُولةِ المُنْبَعِثَة مِنْ عُيُونِي .. بِعُنفُوانِ الأنُوثَةِ المُتَدفّقَة مِنْ شَرَايِينِي .. بعِنادِي وغَضَبِي وانْدِفَاعِي وكِبْرِيَائِي صَدِيقَتُكِ المُدَلَّلة ، وكُنتِ أنْتِ رَفِيقَةَ العُمْر وتَوْأمَ الرُّوحْ و تَزاَلِينْ ..
يَا أنْتِ ..
السَّاعَةُ الآنْ تُشِيرُ ل للوَاحِدَة بعْدَ مُنْتَصفِ الوَجَعْ .. ولاَ تَزَالُ خَاصِرَةُ الشَّوْقِ تَهْتَزُّ مُكبَّلةٌ بأهَازِيجِ الاغْتِرابْ .. ولكِنَّنِي سأغلّفُ أنَامِلَ القَلَمِ بالشَّمْعِ الأحْمَرْ .. فكُلُّ كَلِمَاتِي نَفَذَتْ ومَا عَادَ بجُعْبَتِي سِوَى اسْمُكِ .. أقْرأهُ بِصَمْتْ .. بحُرُوفِ لمْ تَلِدْهَا الأبْجَدِيَّةُ بعَدْ .. كُونِي بخَيْرْ لأكُونْ ..

21:32 06\02\2011م
توقيع :  مجد الأمة

 

لاَ تَحْسدّ مَنْ يَمْتَلِكُ إبْتِسَامَة شِفَاه، فَـ لَا يُجِيدُ الضَّحِك إلاَّ مَنْ تَعَدَّى / حُدُودَ البُكَاءْ
مجد الأمة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس