الموضوع: غُصّةُ فَقْد
عرض مشاركة واحدة
قديم 24/03/2011, 05:32 PM   #5
مجد الأمة
كاتبـة
 
الصورة الرمزية مجد الأمة
افتراضي

رِسَالَةٌ أولَى ..

" أخَافُ أنْ أمُوتَ ذَاتَ لَيْلَةِ شِتَاءْ فَلاَ أجِدُ أحَدًا يُرَافِقُنِي إلَى مَثْوَايَ الأخِيرْ .. يَزْرَعُ عِنْدَ قَبْرِي شَجَرة وَرْدٍ .. نَبْتَةَ شَوْكٍ .. طَعْنَة أوْ حتَّى مَنْفَى .. "
كَلاَمٌ مَازَال صَدَاهُ يُعَانِقُ مَسْمَعِي كُلَّمَا اغْتَسلَتْ أرْضُ مَدِينَتِنا بزَخَّاتِ المَطَرْ .. فمَازِلْتُ أذْكُرُ حَدِيثكِ ذَاتَ وَدَاعٍ أخِيرْ ..
يَوْمَ كُنْتُ أجْلِسُ بَيْنَ يَدَيْ مَوْتِكِ ومَا كُنْتُ أعِ حِينَهَا أنَّ الظِلَ الأسْوَدَ الذِي كَانَ يترَبَّصُ بكِ يُنْبِئُ بِرَحِيلٍ قَرِيبْ ..
وأبْكِي وأبْكِي وأبْكِي حَتَّى يجِفَّ دَمْعُ المَحَاجِرْ ولاَ مِنْدِيلٌ يكْفِي لأجفّفَ بِهِ دُمُوعَ الحَنِينْ ..
صَدَقتْ تَنبُّؤاتُكِ .. ورَحَلْتِ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَة وصَامِتَة إلاَّ مِنْ حَشْرَجَاتِ المَطَرْ .. ووَحْدَكِ كُنْتِ وأزِقَّةُ المَنْفَى وغُرَبَاءٌ دثَّرُوا الجَسَدَ تَحْتَ الثّرَى ولاَ أحَدٌ كَانَ لِيَحُطَّ زَهْرَةَ نَرْجِسٍ كَمَا تمنَّيْتِ .. ويَقْرَأ بِضْعَ آيَاتٍ عَلَى رُوحِكِ ..
رَحَلْتِ فِي صَمْتْ .. وكَانَ رَحِيلُكِ جُزءًا قَلِيلاً مِنْ حُزْنِي وكَثِيرًا مِنْ ضَياعِي ..
فَجِيعَتِي بِكِ كَانَتْ كَبِيرَة .. جَعَلتْنِي أشْتَمُّ رَائِحَة حَرائِقٍ تُضْرِمُ قَلْبِي ولاَ أجْرُؤُ عَلَى النَّحِيبِ ولاَ عَلَى التَّأوُّه ..
لَمْ يَنْدَمِلْ جُرْحٌ خَلَّفَهُ سَفَرُكِ إلَى بِلاَدٍ أسْكَنْتُهَا خَرَائِبَ الذَّاكِرَة .. حَتَّى أتَتْنِي طَعْنَةٌ زَرَعَتْ نَفْسَهَا فِي أرْشِيفِ الرُّوحْ .. يَوْمَ عَلِمْتُ أنَّ الذَّاكِرَة فقَطْ سَتَحْتَفِي بِكِ .. أمَّا أنَا فَعلَيَّ أنْ أتَدَرَّبَ عَلى غِيَابكِ .. فَحُضُورُكِ الآنْ صَار مُسْتَحِيلاً ..
ولَحْظَتَها فقَطْ أدْرَكْتُ صِدْقَ المَقُولَة : نَحْنُ هَكَذَا، لاَ نتْرُكُ وَطَنًا إلاَّ لنَتَزوَّجَ قَبْرًا فِي المَنْفَى ..
وأنْتِ .. يَا مُضْغَةً اسْتَوْطَنتِ الشّمَالْ .. ويَا فَانُوسَا بانْطِفائِه غَادَر النُّور الأحْدَاقْ ..
لَمْ تَتَنَكَّرِي لوَطَنٍ اسْتَخْسَرَ فِيكِ قَبْرًا ، بَلْ وَ جَعَلْتِ مِنّي جَسَدًا بِلاَ رُوحْ .. مَازَالتْ ذَاكِرَتُه تتَعثَّرُ عَلى أعْتَابِ وَدَاعٍ لَهُ طَعْم المَوْتْ ..
يَا أنْتِ .. كُلَّمَا أعْلَنتِ السَّمَاءُ مِيلَاد مَطَرٍ جَدِيدْ .. أتَتْ ذِكْرَى آخِرِ لِقَاءٍ تَلُوكُ مِيَاه الحَنِينْ .. فأبْتَلُّ بالدَّمْعِ حتَّى قَاعِ عِظَامِي .. وأعْلِنُ الحِدَادَ فِي مَوْكِبِ عَزَاءٍ جَدِيدْ .. فلَيْسَ سَهْلاً أنْ أتقَبَّلَ فِكْرَة بُعْدِكِ عَنِّي .. وأنْ أحْرَمَ مِنْ أقَلّ شَيْءٍ .. جَدَث أزُورُ حُطَامهُ كُلَّ صَبَاحْ .. لأغْسِلَ عَنْهُ بَقَايَا مَطَرٍ لَيْلِيَّ وأزيّنَ تُرَابَهُ بَبَاقَةٍ ورَدٍ مِخْمَلِيّ .. كَمَا تَشْتَهِيهِ رُوحكِ ..
وأغَنِّي مِنْ أجْلِ كُلّ الخَرَابَاتِ التِي خَلَّفهَا مَوْتُكِ بأعْمَاقِي .. وأنَاجِي طَيْفَكِ .. وأحَدّثُهُ عَنْ كُلّ مَا حَدثَ .. وعنْ كُلَّ مَا لَمْ يَحْدُث ..
يَا أنْتِ .. قَرَّرْتُ أنْ أتَحَسَّسَ جُرْحِي كُلَّما جَرَفَنِي الحَنِينُ إلَيْكِ .. أتَوَسَّدُ أوْرَاقِي وأجْهِضُ الحَرْفَ مِنْ مِحْبَرةِ الذّكْرَى ..
وأكْتُبُكِ كَمَا يَلِيقُ بامْرأةٍ تَعِبَتْ مِنْ وَطَنٍ لَمْ يَمْنَحْهَا سِوَى غُرْبَةٍ تَشَرَّدت دَاخِلَهَا .. فاخْتَارَتِ المَنْفَى لِيَكُونَ آخِرَ مَحطَّةٍ لَحَقائِبِهَا البُنّيَّة .. تُمَارِسُ فِيهِ الصَّمْت عَلَى مَهَلْ .. لِيُهْدِيهَا رَحِيلاً مُفَاجِئْ .. لَمْ يَكُنْ بِ الحُسْبَانْ ..
سأكْتُبُكِ كَمَا يَلِيقُ بِكِ وبِذِكْرَاكِ التّي لنْ تُغَادِرَنِي حَتَّى ألْحَقَ بكِ أنَا وهِيَ ومَاضِينَا الجَمِيلْ ..
سَأصْمُتُ الآن .. فقَدْ اعْتَرتْنِي نَوْبَةُ الحُزْنِ مِنْ جَدِيدْ

00:22 05\02\2011م
توقيع :  مجد الأمة

 

لاَ تَحْسدّ مَنْ يَمْتَلِكُ إبْتِسَامَة شِفَاه، فَـ لَا يُجِيدُ الضَّحِك إلاَّ مَنْ تَعَدَّى / حُدُودَ البُكَاءْ
مجد الأمة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس