[جوري جميل]

ترى هل وقف أحدٌ منكم لحظة و اختلى بنفسه...وسأل نفسه ما هو أصعب شعور ؟
حقيقة , ما هو أصعب شعور قد يتملك الإنسان ؟
قد يقول قائل : الشعور بالخيانة
عندما يخونك شخص عزيز ليسَ بالضرورة أن يكون حبيباً , فقد يكون صديقاً وقد يكون أخاً , لكنْ كثيراً ما رأينا حالاتٍ انهارت أمام الشعور بالخيانة ثم أفاقتْ من جديد ونهضت ومارستْ الحياة كالسابق , إذاً لابد أن هناك شعورٌ أصعب من الخيانة.
أتراه يكون الشعور بالفقد ؟
فعندما تفقد شخصاً عزيزاً عليك تـُغلق أمامكَ أبوابُ الحياة , وتـُسدل ستائر الفرح, وتموتُ أهازيج الروح , ويختفي وميضُ الأمل ِ . لكن دعونا ننتقي أمثلة من هنا وهناك , حولي وحولكم , انظروا فلاناً من الناس ماتَ أبوه , ماتتْ أمُّه , ماتتْ زوجته, ماتَ أخوه , أو صديقه .
توالتْ دهورُ الألم في قلبه, و تذوّق عذابَ الفراق , وارتوى من كأس ِ الهمِّ ...ولكنْ , ودوماً هناك لكنْ , لكنْ المصيبة شيئاً فشيئاً تصغر و الخطوبُ تهون. سبحان الله ... وتعود الحياة للمضيّ . وإنْ تخللها غصّات .
إذاً قد لا يكونُ هذا هو أصعبُ شعور , إذ أنه رويداً رويداً باتَ ينجلي ويزول حتى وإنْ بقيتْ آثاره محفورة في أخاديدِ العمر.
كثيرة هي الأمثلة التي قد تراودكم عن أصعب شعور , ولنقل أنه كما يسمح لنا علماء اللغة والبيان باستعمال البلاغة والمبالغة والتي تنم عن عمق المعنى والذي مقدار زاويته ثلاث مئة وستون درجة , لنقل أنه الشعور القاتل, الذي يقتل النفس كل لحظة .
إنْ جئتم للحق , هناك مشاعرٌ تفيضُ ألماً وحزناً وهماً .
وبرأيي شعور الانتظار هو من أصعب المشاعر التي قد تعترض المرء في حياته .
ولم أقصد بذلك انتظار موعد الأحبّـة الذينَ ينتهزون لقاءاً , ولم أقصدْ انتظار لحظة الدخولِ إلى الطبيب رغمَ أني أقرّ بصعوبتها ومللها .
وكذلك لم أقصد انتظار المسافر عندَ لحظات وصوله .
انما قصدتٌ انتظار الحدِّ الفاصل بين الموتِ والحياةِ .................
عندما يـُعلمكَ الطبيبُ بأنّ شكاً يراودُهُ بشأن حالتكَ الصحية , ولسوء حظك فالشكُّ بين أمرين بينهما مئة وثمانون درجة.
ربما بمرض خبيث مثلاً , أعاذنا وأعاذكم الله منه أو أي مرض مميت بشكل فوري .
وعليكَ الانتظار كي يتمكن من التحقق والتأكد مما شُـكَّ فيه , يقولُ لك بعد أخذِ عيّنة سواء دمويّة أو خلويّة أونسيجيّـة أو ما شابه ذلك , علينا الانتظار لمدّة خمسة أيام .
ماذا ؟ أتراه قالَ خمسة أيام! ؟ .... لا أظن , بل قال : خمس سنوات , خمسة قرون...
مرور تلكَ الأيام كمن يقوم بكسر الحجر, كمن يعبُّ الماء بيديه, صعبة جداً.
وبصراحة لا أستطيع تصويرها بكلمات أو تطويقها بلغة أوتحديد مضمار معانيها.
وريثما تتحرر النتيجة من المطبعة ويوقع عليها مديرُ التحرير تكون قد مِتّ ألفَ مرَّة ...
لتخرج الصحيفة صباح اليوم التالي, فإما نور وإشراق وإما ظلام دائم .
أسأل الله لنا ولكم العافية .

أنتظر آراء المطر...