عرض مشاركة واحدة
قديم 26/10/2009, 12:18 AM   #20
سعد الحمري
كاتـب و ناقد
 
الصورة الرمزية سعد الحمري
افتراضي





الرائعون آل المطر
طاب براحكم وطابت أيامكم مزدهرة بالأدب والإبداع ..
واغفروا لي هذا التأخير الغير متعمد .. فأنا في صراع مع المرض
فكلما غبت قليلا عنكم جدوا لي عذرا ....ويعلم الله أنني بشوق دائم إلى المطر وزخاته ومبدعيه...


عود على ذي بدء ..كما يقولون .. وهنا من خلال هذا الجزء الثاني سأواصل استقراء نصوص المبدع (( على عمر الفسى)) وما ورائياته الرائعة المملؤة حد الثمالة بصنوف من الاستقراءات والتأويلات التي لا حصر لها.
ويجب أن نضع في اعتبارنا أن النص الشعري نسق من العلامات أيها الرائعون ، وهو بالتالي يمثل مشهدا دالا على ما آل إليه الشاعر من اختيارات استقاها من النظام اللغوي ، هذه الاختيارات بالطبع لا تتمظهر اعتباطا، بل إن وراءها طاقة تدفعها،وهذه الطاقة تكمن في ذهن المبدع وفي بصيرته ، ولا يمكننا وصفها إلا بالنظر مليا إلى هذا المشهد، وبيان مدى قدرة الشاعر على الاختيار والتلقي الواعي - بمعني ما - من سلطة الجمالي الكامن في النظام اللغوي ، وحيث تدرج هذه القدرة في آفاق غير مألوفة أو منتهكة يكون انتظامها في رتبة أسمى وأعمق من تدرجها في آفاق مستهلكة منظمة ، معهودة .
لنلق نظرة على هذه المقطع:-

اقتباس:


في انتظارِ أن يبيعني العدم
ساعةً حائطية
سأضعُ قبـَّة على كل نخلةٍ تُحدِّق في الفراغ
وأرفرفُ حول السفوحِ الغافية
فسباتها الهرم .. ينذر بالقيامة
وأنا كنت طفلا ً
تجاورُ أحلامي كل الشرفات ِالملونة ِ
بفراشات ٍ.. وما يكفي لغدي من زهورٍ وأغاني
لم أكبر كثيراً .. !!
غير أن طفولتي عارية بجوار نغم ٍحزين
أحبابها .. دوار كذبٍ يختفي تحت سماءِ الصيف
سأرفرفُ حول السفوحِ الغافية
ومن فوقي يُحلِّق نسرٌ عجوز

هنالك مسلمة تقول إن ((السردية تتحكم في كل خطاب مهما كان نوعه)) لذا ستشمل قراءتي على محاولة إيجاد نقاط مركزية تتحكم في بنيوية الخطاب السردي للقصيدة والمسار الدائري للدوال المنبثقة من الأمكنة، دون أيَّة إشارة للزمن، كأنَّ الشاعر بإهماله لعنصر الزمن، يحاول في خطابه أن يهرب من حاضره دون أن يفكر في العودة من خلال تيارات الوعي إلى الماضي، بل هو يحاول أن يخلق عالماً من الأحلام يتمثل في الصور الشعرية التي انتثرت في الديوان يؤمن له فرارا من الماضي وخلق بديل للحاضر الذي تهيمن عليه روائح الغربة
الشاعر هنا يبتعد رويدا رويدا عن الماضي ويبدءا جملته الأولى في حالة الانتظار


اقتباس:



في انتظارِ أن يبيعني العدم
ساعةً حائطية



فلعبة الانتظار رغم أنها تتجه إلى العدم إلا أنها تقفز بنا في خضم مستقبلي فهو لا يلتفت إلى الماضي ((الأمس)) ولا إلى الحاضر ((الآن)) بل يتكئ على مستقبلية موغلة في التمني رغم انه في حالة الصيرورة للانتظار...
يتكى ضمن دائرة الانتظار على حرف السين ((سأضع/سأرفرف)) وهاتان الجملتان تقودان إلى حالة الانضمام إلى البعد المستقبلي الغائم وربما سيكون من العسير فصل الانتظار الآني للبيع في العدم إلى الأمنيات المتعلقة بهذا الحرف الواهن ((س)) دون مبررات
لكنه في منتصف القصيدة يقودنا إلى هذه المبررات التي لن نعتبرها واهية بأي حال ..

اقتباس:


وأنا كنت طفلا ً
تجاورُ أحلامي كل الشرفات ِالملونة ِ
بفراشات ٍ.. وما يكفي لغدي من زهورٍ وأغاني
لم أكبر كثيراً .. !!
غير أن طفولتي عارية بجوار نغم ٍحزين




أليس هذا المبرر الذي يتوغل عبر متن القصيدة هو الذي طار بالشاعر في أفق الأحلام التي تتجاوز كل الشرفات الملونة وما يكفيه لغده الذي يأمل أن يكون مزدهرا .؟
ورغم المكابرة إلا أنه يرضخ للأمر الواقع في جزئيته البسيطة ((لم اكبر كثيرا ))التساؤل سيقودنا إلى فعل الكبر هل هو كبر العمر؟ أم كبر الأحلام.؟
اقتباس:


سأرفرفُ حول السفوحِ الغافية
ومن فوقي يُحلِّق نسرٌ عجوز

يقول باشلار(الصورة فجر الكلام)والشاعر يعتمد قدرته على إبداع الصور، والربط بينها رغم أنه حلم هو الأخر لكنه يتجذر في نرجسية ممتعة وطليقة فهذا النص ينوء بهموم إنسانية، ويتجاوز فسحة الزمن الضيقة التي تقوقع داخلها نصوصٌ أخرى، تعبر عن مَنْ باتوا لا يهمهم إلا بطونهم، والنرجسية لا غبار عليها عندما تأتي قوية وجميلة مستندة إلى الحق، وهي كريهة قبيحة عندما تأتي من فراغ فكري ومجرد رغبة في إلغاء الآخر،

اقتباس:


سأصيرُ عصفوراً بعكاز ٍ يطير
وعمري .. انحسارُ البحرِ تحتَ أقدام ِحبيبتي
وعمري .. طفولة ٌمبحوحة الذكرى
يباغتها فقد البراءة
مُـذ ْعَرَفَتْ هَشاشَتها الطرقات
وعمري .. لهيبٌ خامدٌ في باطن شهادة الميلاد
وعمري .. جيلٌ يتعطَّل خلفَ المتاريس
.... فكلُّ انحسارِ بحرٍ وأنت ِبخيرٍ يا حبيبتي
وكل لهيبٍ خامدٍ وأنتِ بخيرٍ يا حبيبتي


هذا الاسترسال السردي الموغل في التداعيات الرمزية التي تعنى الكثير للشاعر يرتبها متقنا لعبة المزج والنزوح الى المراوغة
فشطرة /وعمري .. انحسارُ البحرِ تحتَ أقدام ِحبيبتي يقابلها /.... فكلُّ انحسارِ بحرٍ وأنت ِبخيرٍ يا حبيبتي
وشطرة/ وعمري .. لهيبٌ خامدٌ في باطن شهادة الميلاد يقابلها / وكل لهيبٍ خامدٍ وأنتِ بخيرٍ يا حبيبتي


المراوغة في المعنى أعطت الشاعر أن يجعل من قصيدته فخا دوراني يدور حول نفسه فالعنوان الذي بدأه المنولوج الطويل
اقتباس:


في انتظار أن يبيعني العدم
ساعة حائطية
نكتشف أن الزمن لم يتغير بتاتا بل قادنا إلى نقطة البدء في القول النقطة التي لا يجوز الحلم معها إلا وقوفا فقط ((أمنية))

اقتباس:

فما أنت يا عمري ..سوى
ساعاتٍ معلقة ًعلى الحائط
تباعُ في سوقِ العدم

فهذا العمر الذي يعنيه الشاعر ((عمره )) ((أناه)) ((ذاته)) ما يزال واقفا في محله يتطلع إلى المزيد من الأمنيات .
وبعد..

ربما أكون قد راوغت أنا الاخر فى الاستقراء لهذه النصوص المذهلة واعترف بينى وبين نفسى الان أننى ربما قد اكون قدمت دراسة مواربه هى الاخرى تتفق مع مواربة هذه الماورائيات الرائعة
التقى بكم فى جزء آخر بإذن الله تعالى

وكما اقول دائما لكم وبكم هذا البراح وكنت قد قدمت دعوة للناقد الاستاذ على الصيرفى للمشاركة فى هذا البراح
ولكننى لم اتلقى منه جوابا حتى الأن
وعبر البراح اكرر الدعوة له وللناقد عزيز العرباوى للمشاركة
ايها المارون من هنا سلاما من القلب
ايها العابرون سلاما لامتناهى ...


توقيع :  سعد الحمري
سعد الحمري غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس