عرض مشاركة واحدة
قديم 02/12/2011, 11:14 PM   #3
دلال الشبلان
إملائيـة
 





من مواضيعي

دلال الشبلان has much to be proud ofدلال الشبلان has much to be proud ofدلال الشبلان has much to be proud ofدلال الشبلان has much to be proud ofدلال الشبلان has much to be proud ofدلال الشبلان has much to be proud ofدلال الشبلان has much to be proud ofدلال الشبلان has much to be proud of
افتراضي

***




أخذتـني عائشة لـحجرةٍ لها , تُكفكِفُ دموعي و دموعها
و تمسحُ على رأسي و تناديني بلُطف : ( أمل .. أمـــل ) !
نظرتُـها بــعيْـنيَّ البريـئـتَـيْـن , فـــابتـسَـمَـتْ
و سُـبحانَ مَن يُضاعِف الجمال في وجهها إذا ابـتَـسَـمَـتْ !
شعرتُ بـارتِياحٍ بعدَ نظرتي لها , ثمَّ انفجرتُ ثانيةً أبكي
و ارتمـيْــتُ بــحضنها
فـــضمَّــتني بقـوَّة , و ضـمَّـيْــتها
فـاطمأننتُ بحنانها حينَ ضمَّتني , و أنِسـتُ بــصوْتها و هيَ تُردِّد : ( أمل ) "
يـــــــــــــــــــــــااااااه
مــا أجمل تلكَ اللَّــحظات و الله !
رغم خوفي الشديد و حيرتني , و جهلي لكلِّ ما يحصل
إلاَّ أنَّ ضـمَّـةٌ في حِجر عائشة أنستني كلّ ألم
و كأنـّـي لم أذُق في حياتي غصَّة حُزنٍ قطّ .

ما أروعَ عائشة !
كانتْ أهلي يومَ لا أهل لي
و وطني بعد الصَّحراءِ و الخيمة
و أمنــي يومَ أنْ غابَ الأمــان .
عِشتُ معها في غُرفتها تُطعِمُني ألذّ و أشهى الطَّعام , و تكسوني أفخر الثياب
و أزاحَتْ عنّـي غُبار الأميَّـة حينَ علَّمتني بــفِـطنةٍ و ذكاءْ
فــأنا أمل
و هِيَ عائشة
و ربّي اللهُ في السَّـماء
و رسولي مُحمَّد ـ صلَّى الله عليهِ و سلَّم ـ
و ديني الإسلام
أحفظُ مِن القرآن الكريمِ قِصار السُّوَر , و أطمحُ للمَزيد
بدَأتُ أكتبُ بعض الحروف و أقرأ قِراءةً بدائـيَّـة
و لديَّ طموحٌ بأنْ أقرأ و أكتب مثل عائشة , فلا بُدَّ أن يكون عندي أملٌ كـــ" اسمي"
فالأملُ كما علَّمتني عائشة هُوَ ( أنْ أكون مُتفائلة طموحة فالصَّعب سهل
و المُستحيل مُمكِن , و كل عقبة ـ بحول الله و قوَّته ـ تتحوَّل إلى دافع )

***

كبُـرتُ و بلغتُ العاشِرَة مِن عمري
تغذّى عقلي بـعلمٍ كثيـر , و خيْـرٍ وفيــر
فِــقْــتُ أصحابي في الجمعيَّة حين توكَّلتُ على ربي , و ساعدتني عائشة
و لم أستحقِر نفسي بينـهم
فــحتَّى لو كانَ تَـعرُّفـي على الحياة مُتأخِّـر , إلاَّ أنني " إنسانٌ " مِثلهم
لا ينقصني شيءٌ عنهم , فكما أنني يتيمة فـهُم مثلي أيتام .. نعيشُ معاً في الدار
و اليُـتمُ ليسَ بـعيبٍ أبدا
فـرسولنا ـ صلَّى الله عليه و سلَّم ـ يتيم , و عائشة ـ مُربِّـيَـتي ـ يتيمةٌ أيضاً
أبداً لا ينقصني شيء و لا زِلتُ في بداية الطَّريق و سأحقٌّق ما وعدتهُ عائشة ـ بإذن الله ـ

و بينما أنا أتأمَّـل كُلَّ هذا التغـيُّـر الذي طرأ لحياتي
و أتفكُّر في كيفَ كُنتُ ؟ و كيفَ صِـرت ؟
زارني في خيالي مَشهدُ ذبحِ العجوز .. فــتذكّرتها ! و تذكَّرتُ حياتي تِلك
فــسبحتُ في بحر الخيال أتذكَّـرُ السنين الرَّاحِــلة ..



يا عائشة أينَ كنتُ و أين كُنتِ قبل أنْ نكون معاً هُنا في الـدَّار ؟
أريدُ الجواب .. فهلاَّ أجبـتِــني ؟

صغيرتي أمل و هل مِن خيرٍ ســتجنـينَ إذا أجبتُ على السُّؤال ؟!
بعضُ المَـستـور أفضل مِن أنْ نُـزيل عنهُ السِّـتار , و بعضُ الخفايا يا أمل إنْ تُـبدَ لنا تسؤنا
جوابي لنْ يزيد في عُمُركِ و تقدُّمك , و تفكيرنا في الماضي يا حبيبتي ســيُعرقل المَسير
تفـحَّـصي أمانيكِ يا صغيرتي و جِدِّي إليها السَـيْـر .

و لكِن يا عائشة أليسَ مِن حقّي أن أعرف أهلي و موْطِني ؟
مَن أمي ؟ و مَن أبي ؟ و أينَ هُمُ اليوم ؟
أليسَ جوابُـكِ ســيزيدُ مِن عِلمي و معرِفتي لِـنفسي ؟
أرجوكِ يا عائشة أجيبيني .. أين هُم عني ؟ و لماذا تركوني عِندَكُم في الدَّار ؟
لماذا أنا لستُ كباقي الأطفالِ بأهلٍ و وَطَنْ , و مالٍ و سَكَــنْ ؟
كبرتُ يا عائشة و اغـتـنـيتُ بفضلِ ربّي إلاَّ تساؤلاتي فقيرة , و اللهُ يجزي المُتصدِّقين
فؤادي مُتعطِّشٌ للجواب , فهلاَّ سـقـيـتـيـه ؟

صدِّقيني يا صغيرتي ما كُنتُ فاعلةً ما يسوؤكِ قط , و لا مانِعتُكِ مِن ما يُرضيك
طمْـئـني القلبَ يا قلبي , و قرِّي عيـنـا فـــلَسْـتِ بــغريبة
أنتِ في وطنكِ و أناْ بعضُ أهلك
و لن يُضيُّعنا الله فـليُنصرَنَّنا و لو بعد حين
يا أمــل
أبوكِ عبد الله رجلٌ طيِّـب يُحبُّه النَّاس و يُقدِّرونه
كم داوى مِن مريض , و خفَّـف مِن جراح .
و أمُّكِ هناءْ سَيِّدةٌ عظيمة مِن خيرة النساء
محبوبةٌ ثريَّـة , جميلةٌ غـنـيَّــة .
و إخوتُكِ صالحٌ , و أيمنَ , و جَـنـَّـة
ذُريَّةً صالحة كانوا لوالِديْكِ عَوْناً و سَـنداً في الدينِ و الدُّنيا و العُسرِ و اليُسر
أمّـا مكانُهُمُ الآن
فــجميعهُم ـ بإذنِ الله ـ في الجنَّة يـتـنـعَّـمـونَ بينَ حورِها و أنهارِها
فــقد ماتوا يا أمل
أجسادُهُم في التُّـراب , و أرواحُهُم في علمِ الله .


لا أستطيع أنْ أصف لكُم ما دَبَّ في جسدي و أناْ أسمعُ مِنْ عائشة الجواب
لم أُصدِّق أنني كـغيري لي أمُّ و أبٌ و إخوة !
و كأنَّ كلمتها : ( مـاتـوا ) صاعقة على قلبي
صرختُ في وجهها أبكي
لااااااا و لماذا لم أعلم عن هذا ؟
أينَ أنا عنهم يوم وفاتهم ؟ و لِمَ لمْ أمُتْ معهم و نرحل سويَّاً إلى الجنَّة ؟
مَسَكتْـني بـيدي و قالت :
( يا أمل استغفري اللهَ ثمَّ توبي إليه , كيفَ لِــفتاةٍ مثـلُـكِ أنْ تتمنَّى المَوت ؟!
هل تُدرِكين قدر ما سـيفقدهُ الدَّار لو لم تكوني فيه ؟
يا أمل .. كوني صابرةً قويَّـة , إيَّـاكِ و الجَزَع فإنَّهُ خُلُقُ الضُّعَفاء
هذا قضاءُ اللهِ يا صغيرتي و ما لنا مِن محيص
ثِقي بأنَّ اللهَ يُريدُ لكِ الخير و لن يُضيَّعكِ
لكن أثبـتي لنا بأنَّـكِ مؤمنةُ قويَّـة )


لمْ أنسى كلماتُها هذه
فـقد كانت ترنُّ في قلبي قبل أذني
كانتْ توصيني بالصَّـبرِ و الثَّبات , تَلمعُ عيناها حُبَّاً و شفقةً عليّ
كُنتُ أُبصِرُ خلفها كثيرُ كلمات و كثيرُ أسرار
جوابها لم يكُن شفاء لِـداء تعـجُّـبـاتي , بل فضولي زاد , و تساؤلي تكاثرَ و ازداد
صَــمَــتُّ حينها و حديثٌ في داخلي ذا ضجيج !
شكرتُها ثمّ ذهبتُ إلى سريري لأنام حيثُ كُنَّا في مُنتصف اللَّيل
جَـلَـسَـتْ في مكانِها برهةً ثمّ ذهَبَتْ لـسريرها
كنتُ أُراقبها مِن طرفِ الغطاء , أمسحُ دموعي و أحبس البُكاء
و أتصارع مع جيش التَّـفكير المُزعِـج

بدأتُ أتخيّل شكل أبي " عبد الله " يرتدي وشاح الطبيب
أزوره في العيادة فـيترك المرضى لِـيُـقـبِّــلني فأناْ ابنته .
و أما أمي هناء فـامرأةٌ جميــــــــــــــــــــــــلة , تحبّني كثيراً أكثر من حُـبِّـها لإخوتي
تُعلِّـمـني , و تُسرِّح شعري , و تُغنّي لي بـصوتٍ عذبٍ تدعو ليَ الـرُّقاد .
أما إخوتي فــيُحبُّونني كثيراً و أحبُّهم , نتبادل الألعاب في البيتِ و الشَّارع
" جنَّة " تنامُ معي في غرفتي , و " صالح " و " أيمن " في الغرفة المُجاورة
بيتنا مِن أجمل البيوت
فيهِ حديقةٌ غنّـاءْ , مليئةٌ بالزُّهور الحمراءْ
تلعبُ بينها الفراشات , و تغنّـي فيها الطُّيور على جذعٍ في طرفِ الحديقة .


عِشتُ مع أهلي في خيالي تلك اللحظات , ثمَّ ما إنْ تَـثَـبـَّــتُّ أنّهُ خيال , و وُجودهُم قد زال
و أنّهُمُ الآنَ سويَّةً في الجنَّة يلعبونَ بـدوني في السَّهلِ و التِلال !
انفجرتُ على سريري أبكي
و يـــا طــووووووول صبري


يا أيُّـها الخيال
لا تَمضِ للزَّوال
أُريدهُمْ .. أُحبُّهُمْ
و خالِق الجِبال
لا تحرمَـنَّ قلبي .. مِن أهليَ و حُبِّي
سُكناهُــمُ في خاطِري
نِسيانُهُمْ مُحال




***




فـتحتُ عينيَّ و إذا بـعائشة جالسة معيَ على سريري تتأمَّلُ المَنظر
استغـشـيتُ غطائي و أجهشتُ بالبُكاءْ
رَفَـــعَـــتْ عنّي الغِطاء ترتجف عيناها بالدُّموع
أجلَـــسَــتْني و ضمَّـــتني
صرخْـتُ حينها أبكي و هِيَ تمسحُ على رأسي تُطمئنني و تطلبني الصَّبر
انتـابَـني شعورٌ غريب !
أُحسُّ بـخوفٍ شــديد و لا أعلمُ لِماذا ؟!
غفَيْــتُ في حِجرها بعد بُكاءٍ طويلٍ زارني و إيَّاها على سريري
نمتُ نومةً هانئة بعد راحة البُكاء خلا نوميَ مِن الأحلام و الرُّؤى ..
أذّنَ الفجــرُ في مدينتنا
أيقظـتــنـي عائشة فــاستيـقـظْـتُ مِن أوَّل ما نطَقَتْ اسمي
توضَّـأتُ بــالماء , و لَبستُ حِجابي , و استقبلتُ الكعبةَ المُشرَّفة
فـــنطَقَ فؤادي قبل فمي : ( اللهُ أكـــبـــر )
رتَّــلتُ الفاتحة و أتبعتُها بالضُّحى
بسم الله الرحمن الرحيم
( و الضُّحَى * و الليْلِ إذا سَجَى * ما وَدَّعكَ ربُّكَ و ما قلى * و للآخرة خيرٌ
لكَ مِنَ الأولى * و لسوفَ يُعْطيكَ رَبُّكَ فـترضى * ألم يجدكَ يتيماً فآوى *
و وجدَكَ ضالاًّ فـهَدَى * و وجدَكَ عائلاً فـأغنى * فأمّا اليتيمَ فلا تقهَر * و أمّا
السائلَ فلا تنهر * و أمّ بـنعمةِ ربِّكَ فـحَدِّث )

كانتِ الآياتُ تدكُّ عروشَ قلبيَ دكَّـا , فــغدا خاشعاً مُتصدِّعاً مِن خشية الله
خَرَّيْـتُ على سُجَّادتي ساجِدَة
فــسَبَّــحـتُ ربي و نزَّهتهُ , ثمَّ دعوتُهُ بـقلبٍ خاشع , و يدٍ فقيرة
يا ربّ .. يا مَن على كُلِّ شيءٍ قدير
ربّي .. يا مَن لا يُعجزهُ شيء في الأرض و لا في السَّماء
يا ربّ إني أشكو إليكَ ضَعفي و خوفي و حيرتي
يا ربّ فـــقوِّني بك , فـلا حولَ و لا قُوَّةَ إلاّ بك
يا ربِّ بدِّل الخوفَ بأمان .. و الحيرة إلى استقرار
ربّي .. يا مَن يُجيب المُضطر إذا دعاهُ و يكشف السوء
قد مسَّني الضُّرّ يا ربّي و أنا أمةٌ ضعيفةٌ آمنتُ بكَ سُبحانك
و أنتَ الملك القويّ الرَّحيم
و لكَ الحمدُ على كُلّ نعمةٍ أنعمتَ بها عليّ
و صلِّ اللهم على محمدٍ و على آلهِ و سلِّم
إنّا لله و إنّا إليهِ راجعون .


***
دلال الشبلان غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس