عرض مشاركة واحدة
قديم 14/02/2011, 05:38 AM   #2
مَدى
موقوفة
افتراضي

- جسدها النُور :

كنتُ أقفُ أمام أحمد , إبن بلدي , و أقربُ الأشخاصِ لي في غُربتي ,
كنتُ أغرقُ في إتساعِ بؤرةِ بؤبؤ عينيّه , و هوّ يمسكُ بذقنهِ و يحركُ يدهُ و كإنهُ يسبحُ في التفكير , و ليسَ معي !
بعدَ لحظاتِ صمت - كنتُ سأغادرُ المكانَ لو طالت أكثر - بدأت تتحرّكُ شفتيّهِ :
" أغلق عينيّك , لترى جسدها الحُلم !
لا تُحاول أن تقتربَ منه , سيتلاشى سريعاً من أمامك ,
و ستأكُلُ أصابعكَ بكاءً خلفه ! "

" جسد من يا أحمد , ما بكَ تهذي . " .. أجبتُ و أنا أنظرُ حولي .
ما كنتُ أعلمُ يا " ماريا " .. أنّكِ المرأة التي فتنت بجسدها منذ نعومةِ أظافرها رجالَ تلكَ المدينةِ , لتصبحي حديثَ رغباتِ الشبابِ , و محشورة في رؤوسِ النساءِ كُلما لاحَ لهم طيفكِ أطفأن الأضواء و خلدنَ لبكاءٍ طويل .

أحمدَ جعلني أفتحُ عينيّ طويلاً عليكِ ... كنتُ أنتظركِ , أنتظرُ أن تُغازلَ خيوطُ الشمسِ وجهكِ كُلَ صباح , و تنحني على جسدكِ , فترسمكِ كـ لوحةٍ تشعُ ضوءاً ... فيدخلُ الضوء أعماقَ قلبي و أشعرُ بالدفء !

كُلما مررتِ من أمامي , كنتُ أرجو قدراً بحظٍ أكبر , كي تتوقفي و تُلقي عليّ التحيّة !
و كنتُ أحلمُ بصدفةٍ ساحرة , تسمحينَ لي فيها بتمريرِ أصابعي على وجهكِ لِـ أصلَ إلى خدّكِ و شفتيّك , أما باقي جسدكِ فكانَ حُلمي يحجبهُ عني !
ربما كي لا أهرولَ خلفهُ إلى أن يختفي , و تحلُ عليّ لعةُ فقدانكِ الأبدي , كما أخبرني أحمد !
لا أدري لماذا كُلما أدرتُ وجهي عنكِ .. شعرتُ بِ الغربةِ تكبرُ في صدري , و لمّ وجهكِ بالذات كانَ يصور لي تضاريسَ مدينتي , فـ أرى شوارعها .. و وجوهَ أهلها .. و سهراتها المتأخرة .. في عسليتيّكِ
.. و كنتُ أشعرُ بتحركاتِ النهرِ الصغيرِ يداعبُ شعركِ الغجري .. أما نهداكِ فهما تُفاحُ الوطنِ الذي ما عدنا نطولهُ ,
و جسدكِ الخمرُ حتماً .. و إلا لما نهضَ أمامي مليونُ عفريت , عندَما أختلسُ النظرِ من شُباكِ غرفتكِ , و إنتِ تكشفينَ عن جسدكِ الحُلم .. إلى أن أفقدَ بصري من شدّةِ ضوءكِ .. !


لم أكن أنتظرُ من إمرأةٍ أن تتعرى أمامي .. حتى أشعرَ برجولتي تكبرُ في داخلي .. و رغبتي تشتعلُ إليها ..
كانَ يكفيني , أن تقفَ رموشي بلا حراك , و تتصلّبَ عينيّ .. عندما يسمحَ لي زرا قميصكِ من الدخولِ إلى تُفاحكِ دونَ أن تلاحظي !

أنتِ لن تفهمي بأنني سأنظرُ دائماً إليّكِ بعينِ الحُلمِ الذي لا أستطيعُ الوصولَ إليهِ .. الحُلمُ الجميل الذي يكبرُ داخلي .. أربيّهِ جيّداً .. أطعمهُ قلبي .. و أسكنهُ روحي .. أعتني بِهِ كي لا يُغادرني سريعاً .. كي لا ينكرَ كُلَ ليالي الإلتحامِ بِـ عمقي .. كي لا أفقدكِ يا ماريا .. !

وحدي من كانَ يعرف الحقائق التي تخبئينها في صدري .. و وحدي كُنتُ أعرفُ أنّي أصابُ بالجنونِ عندما أطيلُ الوقوفَ أمامَ شُباككِ .
و وحدكِ كنتِ تكبرينَ عن حجمِ قلبي .. و تصرينَ أن تسرقي مني حُزني , و غُربتي , و وحدتي , بتصرفاتٍ عفوية تُصيبني بعشقكِ !



- عارياً أمامَ نفسي :
كنتُ أقفُ أمامَ المرآةِ أحدثُ نفسي !
كنتُ أعلمُ بأنّي سأكونُ أمامكِ وديعاً جداً ... و لن يعملَ لساني سوى بجذبكِ نحوي قليلاً .. و لكنّي لن أكونَ شجاعاً كفاية , لِـ أخبركِ بما يدورُ في قلبي .. و ما يولدُ داخلي عندما ألمحكِ .
هوّ فقط سيناريو فاشل .. أطبقةُ بدقة أمام المرآة .. أتحدثُ بلباقة , و بثقةٍ كبيرة , و أراكِ تبتسمين و كأنكِ تُخبرينني أنّكِ أيضاً تشعرينَ بالكونِ يذوبُ حولنا .. و يلاشى , عندما نكونُ معاً .
سيناريو أتقنهُ جيّداً وحدي , و لكن أمامكِ لا شيء سيحدث !



- طائش عشريني :

يرنُ الهاتف .. هوّ أحمد يذكرني بموعدي معه .. خرجتُ مُسرعاً ,
أتفقدُ مفاتيحي .. و هاتفي , و صورة سقطت من حقيبةِ يدكِ ليلةَ البارحة عندما كنتِ تخرجينَ بعضَ النقودِ لرجلِ التاكسي , دونَ أن تنتبهي لها .
نظرتُ لوجهكِ , و نظرتُ لأعلى , و تمنيتُ لو أنني أستطيعُ فقط تقبيلَ روحكِ !
إبتسمتُ للسماء , و كأنني خجلٌ من كُل أحلامي التي تدورُ حولكِ .. و كأنّ الله ينظرُ إليّ بعينيّن مشفقتين على حالي !
لقد حانَ الآن أن أخرجَ من كُل الأفكارِ المتزاحمةِ في رأسي .. و أن أذهب إلى حيثُ إعتادت قدمي أن تذهب ..
أخذتُ الطريقَ إلى الشارعِ المُقابل لِـ منزلكِ ,
شُباككِ مغلق , حجبَ عني رؤيتكِ ,
مددتُ يدي إلى الأرض .. و أخذتُ حجرة ,
رميتها على شباككِ ,
مرة ,
مرتان ,
ثلاث !
و أخيراً فتحتِ شباككِ , لِـ أختبئ أنا خلفَ شجرةٍ كبيرة , أراكِ من مكاني , و لكنّكَ لا تستطيعينَ رؤيتي !
ابتسمتِ بقلبٍ حيّ .. و نظرتِ إلى إتساعِ شارعِ مدينتكِ ,
أخذتِ مكانكِ المعتاد على شُباككِ , و جلستِ على الحافة !
كم تمنيتُ يا ماريا .. أن أكونَ أمامكِ , فتطلبينَ مني بصوتِكِ الدافئ أن أجلس قربكِ .. أن تحملنا نافذة واحدة , أن نبتسمَ معاً لصباحٍ هادئ , و لصوتِ فيروز الذي يخرجُ بإستمرار من منزلِ جاركِ العربي العجوز !
دائماً عندما أراقبكِ , أخاطبُ نفسي كالمجانين : دع عاداتكَ السيئة بالهرب .. و تحدّث !
و لكنّ خوفي من أن أخسرَ حتى مذاقَ نهاري عندما يبدأ من منزلكِ ... كان يغيّمُ عليّ !
رافقتُ الشمسَ في طريقها .. و أنا أعلمُ أن ما من إمرأةٍ ستأخذُ همومي عن قلبي , و ترميهِ في البحرِ : غيّركِ !
فكرتُ بالرجوعِ إليّكِ , و خيّلَ إليّ أنكِ تنتظرينني عندَ النافذة , و أنّكِ ستبتسمينَ لي .
أوقفني عن التفكير صديقي أحمد , الذي كانَ يلوّح لي من مقهى قريب من منزلكِ ,
طلبتُ عصيرَ ليمون , و جلستُ على الكُرسي المُقابل لأحمد .. جسدي و منظري و حالتي تبدو متهالكة تماماً ..
" يبدو أنّ الغربة إقتصت منك , يا رجل ! " .. قالها أحمد و هوّ يطبطب على كتفي !
ابتسمت ..
و أخرجتُ من جيبي هاتفي , لتسقطَ صورتكِ بينَ يديّ أحمد !
نظرَ إليها للحظة !
ثم رسمت الدهشةُ دائرة بشفتيّهِ !
" لستَ بالسهل يا عزيز .. و لكن إحذر من جميلاتِ هذهِ المدينة " .. و غمزَ لي بمكر .
ابتسمت .. و النادل يضعُ أمامي كأس عصيرِ الليمون , و أنا أداري الحُبَ الذي أحملهُ لكِ عن عينيّ أحمد !
شربتُ الليمونَ بسرعه .. كانَ شديدَ الحموضة , و أنا في الحقيقة لا أحبُ عصيرَ الليمونِ أبداً بل أشعرُ بالتوعك كلما شربته !
.. و لكني بدأتُ أكثر من شربهِ , منذ أن عرفتكِ .. ربما لأعاقبَ نفسي على التورطِ بعشقِ إمرأةٍ لا أعرفُ منها غيّرَ إسمها .




- أموتُ أنا , و كُلُ الأحلامِ أنتِ :


في مساءَ ذلكَ اليوم قررتُ أن أعيدَ إليّكِ صورتكِ ..
ليسَ لأني أريدُ التخلي عنها .. و لكن لكي أجدَ سبباً لفتحِ حوارٍ معكِ ..
و كنتُ قبلها قد نسختُ منها عشرون نسخة , خبأتُها في أماكن مختلفه من غرفتي .. لأراكِ في كُلِ شيء !
توجهتُ إلى بابِ منزلكِ , و لكن هذهِ المرة بثقةٍ أكبر !
و لأوّل مرة , تلمسُ يدي بابكِ ,
طرقتُ الباب .. شعرتُ بشيء مختلف .. صوتُ بابكِ أكثرَ خشونة من شباككِ , ربما لأنّكِ ستقابلينني بِ رسميّةٍ كبيرة عندما تفتحينَ لي الباب .. و لكنّي أراقبكِ بعفويتكِ كُل صباح , عندما تفتحينَ الشباك !
إنتظرتُ لخمسِ دقائق , و لكن لم يفتح لي أحد !
أدرتُ ظهري , و نظرتُ بخيبةٍ كبيرة إلى باقةِ الجوري التي كلفتني غداء و عشاء هذا اليوم !
عدتُ إلى غُرفتي .. و أنا في حالةٍ زرقاء .. و كعادتي أوّل ما أقومُ بفعلهِ فتح التلفاز قبلَ أن أقومَ بخلعِ حذائي , و أضعهُ على القناة الخاصة بالرسوم المتحركة ..
أذهبُ إلى المطبخ و أعدُ عصير الليمون – العقاب اللذيذ –
و أجلسُ على الأريكة التي أصبحت تأخذُ شكلَ جسدي ... و قبلَ أن أستسلمَ في التفكير بما حدثَ معي في يومي ,
رفعتُ سماعةَ الهاتف , أشعرُ بالحنينِ لصوتِ أمي .. أشعرُ بالحاجةِ لدعائها .
لا أدري ما كانَ يدورُ في رأسي حينها , و لكنّي تناولتُ معطفي .. و أسرعتُ إلى الخارج !
كنتُ ليلتها حبيسَ حُزني .. أقاومُ وجعَ الوحدةِ بتذكرِ وجهكِ , و كنتُ أرجو أن يأتي الصباحُ مسرعاً , كي أسرعَ إلى الشجرةِ و أراقبكِ .
واصلتُ سيري , فحملتني قدمي إلى بابكِ .. كدتُ أن أطرق الباب و لكنّ صوتَ ضحكاتكِ داهمتني , كانَ شُباكُ غرفةِ الطعامِ مفتوحاً .. و الأجواء غراميّة .. قنينة وسكي , و أخرى تحملُ نبيذاً أحمر , شموعٌ ذهبيّة , و باقة جوري كبيرة جداً ... أكبر من باقتي بثلاثِ مرات !
ربما هوّ رجلٌ ثري .. و إلا لما ضحى بِـ وجباتِ ثلاثةِ أيام من أجلِ باقة !
... ينقصني الكثيرُ من الثقةِ و المالِ , لأقتربَ منكِ !
هذا كُل ما كانَ يدورُ في رأسي , إلى أن وصلتُ لغرفتي , أحملُ خيبتي مرةً أخرى , و لكنّ حجمها يكبر خيبتي الأولى !
أينَ سأرتبُ كُلّ تلكَ الخيباتِ يا ماريا ؟ ..
ألقيتُ بجسدي المنهك على سريري البارد ... كانَ الجو بارداً , و لم أقفل شباكي , كنتُ أعاقبُ نفسي بحماقة مرةً أخرى !
كنتُ متعباً .. و متوجعاً .. و بي من الدهشةِ الكثير !
فتحتُ دفترَ يومياتي , كنتُ قد هجرتهُ بعدَ أن كتبتُ فيهِ :
( لا شيء فأيامي واحدة , و الغربة قاسية , و المدينة هُنا لا تهبني غيّر موسيقى حزينة , و شوق مستميت لِـ رائحةِ مدينتي .! )
كتبتُ في الصفحةِ المُقابلة :
( كيفَ لم أنتبه !
كيفَ لم أنتبه يا ماريا أنكِ شيطان بوجهِ ملاك !
كيفَ لم أنتبه أن جسدكِ هوّ مرتعُ الشباب !
كيفَ يجرؤ أحمد على الكذبِ بشأنكِ , كيفَ يخبرني أنكِ كـ الحلم لا يصلكُ أحد , و لا يمسسكِ خيالُ رجل , إلا و ماتَ و في قلبهِ حسرة فقدانكِ !
كيفَ دخلتي في تفاصيلٍ كثيرة تخصني وحدي .. كيف وضعتِ في قلبي كُلَ هذا الحُبِ .. و كسرتني و أنا أحملهُ لكِ في صدري برفق ... أحبكِ ماريا .. أحبكِ !
)
كانت المرة الأولى التي أعترفُ فيها لنفسي أنّي أحبكِ .. لا أدري كيفَ خرجت مني هذهِ الكلمة , و لكنّي أعرفُ أنّي لم أمتلكَ الجرأة لِـ أطلعَكِ عليها .
من أينَ يأتي هذا الوجع دفعةً واحدة ؟ ماذا أفعلُ بهِ ؟
أنتِ بعيدة .. و مدينتي بعيدة .. و أمي بعيدة !!


- يتبع .
توقيع :  مَدى

 

كيفَ برجلٍ مثلكَ أن يتسلل من حُلمي الى صدري , ليوقظَ برائحتهِ حُباً يَكتُبُني ! *

[/COLOR]
مَدى غير متواجد حالياً