عرض مشاركة واحدة
قديم 20/10/2009, 04:23 AM   #2
محمد الفيفي
شاعر
 
الصورة الرمزية محمد الفيفي
افتراضي

.





اغسلي بالبرد قلب صبٍّ تشهَّد
بعد عقلٍ يدلّه ضاع منه الدليل

ساهرٍ ما رقد لين جفنه تجمَّد
يسهر الليل كلّه في نحيبٍ طويل

جمر شوقي توقّد في ضميري وعَوّد
بالعنا والكلافهْ والبكا والعويل

كلّما اللّيل رد ذكرها له تجدّد
علّةٍ فوق علّه من يداوي العليل

بين صدٍّ وردّ ناعس الطرف سَدّد
نظرةٍ منه عجله من تصيبه قتيل

بعد طيب الوعد من أودّه تمرّد
ما رحم قلب خلّه شام عنه الرّحيل

ملّ منّي السّهد لو ينام المسهّد
طيّب النّوم شَلّه ظبي طرفه كحيل

سامني بالزّهد وفي غرامي تزهّد
منوتي ليت فعله مثل وجهه جميل

له نصيب الأسد في فؤادي مؤكّد
وناظري مستحلّه وما لحبّه بديل

إن تقرّبت صدّ أوتبعّدت هدّد
حيّرنيه بدلّه وين بأمري أميل

مستحيل البعاد له دموعي بتشهد
وانت يالعمر كلّه قربك المستحيل



أغسلي بالبرد قلب صب تشهد ..
" إغسلي " نشعر بأننا مع قضيه تحتاج إلى تطهير .. فالإغتسال هو تطهير الشيء من الدنس .. " البرد .. " .. رمزاً للنقاء والطهاره .. والبرد هو حب الغمام .. عندما يسقط نقول بُردَت الأرض .. لذا نشعر بأن المراد تطهيره يحتاج إلى هذا البرد .. بمعنى يحتاج إلى هذا النقاء والطهاره وهذه الجرئه العنيفه لإزالة تلك الرواسب المستعصيه .. " قلب صب تشهد .. " الشاعر يريد غسل هذا القلب .. هل هو قلب الشاعر أو قلب محبوبته .. المهم إن صاحب هذا القلب .. يتصف .. بالصبابه .. " صب .. " .. والصبابه رقة الشوق وحرارته وهذا الشوق الحارق جعل صاحبه يتشهد " تشهد " .. والتشهد كناية للإحتضار " لفض أنفاس الموت .. " ..

بعد عقلٍ يدله .. ضاع منه الدليل ...
" بعد عقلٍ يدله " .. الها في يدله تعود على الصب .. " ضاع منه الدليل .. " إختلّت مفاهيم هذا الصب .. بسبب حرقة الشوق الضاربه جذوره في أعماق القلب .. مما جعلت صاحبه مصاباً بالهوس .. " ضاع منه الدليل .. "

ساهر ما رقد .. لين جفنه تجمد ...
" ساهر " .. السهر هو الأرق .. وعدم النوم .. " ما رقد " .. الما نافيه رقد ( نام ) لذا نرى كلمة ساهر كافيه في التعبير .. عن عدم النوم .. فكلمة رقد وجودها هنا ليس للمعنى بقدر ما هو لضبط التفعيله . " لين جفنه تجمد .. " لين .. لحين الجفن ( غطاء العين ) تجمد .. من جمد الماء والتجمد ضد الذوَب .. فقد شبه الشاعر الجفن بالماء حُر الحركه فوق العين ..
ولكن بسبب الصبابه .. اصيب هذا الجفن بالتجمد وهذا يعطينا شعور بأن صاحب هذا الجفن مُصاب بذهول جعله شاخص العينين .

يسهر الليل كله في نحيب طويل ...
" يسهر .. " استكمال لكلمه ساهر .. " الليل .. " وهو الوقت المعتاد للراحه وقت المبيت .. قال تعالى .. { وجعلنا الليل سباتا } ... ولكن الليل جزء من اليوم .. واليوم جزء من العمر .. لذا نرى بأن الشاعر كان منطقياً جداً في إختياره لكلمه الليل .. والشعر عذوبته في مغالطة المنطق .. فلو قال ( ساهر العمر كله ) مثلاً تكون المبالغه في السهر اكثر تأثيراً .. وخصوصاً انه قال .. " في نحيبٍ طويل . " والنحيب هو رفع الصوت بالبكاء .. فلو إجتمع أرق العمر مع النحيب .. كان التعاطف ابلغ فاعلّيه ..

جمر شوقي توقد .. في ضميري وعود ..
كأن الشاعر أراد الإجابه على سؤلنا الحائر .. حول .. " إغسلي بالبرد .. قلب.. كنا نتسأل هل هو قلب الشاعر أو قلب الحبيبه ؟ .. .. ولكن في كلمه شوقي .. أدركنا بأن الشاعر يتحدث عن نفسه .. ومن هنا ندرك بأن الأقرب للصحه هو قلب الشاعر ..
المهم .. جمر شوقي توقد .. الجمر لا يأتي من فراغ فهو خلاصه اللهب .. لذا نراء تسلسل .. الحطب ثم الوقود ثم الشعله .. ثم اللهب .. ثم الجمر ثم التفحم .. وأخيراً الترمّد وشاعرنا عاد به شوقه من مرحله الجمر .. إلى مرحله الوقود .. بمعنى عادة فاعليته تتنفس مراحلها من جديد .. " في ضميري " موقع الوقود .. هو الضمير وهذا يعطينا صدق المشاعر في مشاعره .. حيث أراد الخلاص من الحب في تدرج تنازلي لترمّد الشوق .. ولكن أنبه الضمير فعاد الشوق إلى التوقد من جديد .. لذا قال في ضميري وعود .. بمعنى عاد من جديد إلى مرحلة بدايه إنفعال الشوق .

بالعناء والكلافه .. والبكاء والعويل ...
هذا هو ماعاد به الشوق .. وفي هذا الترتيب مُتصاعد التأثير نلاحظ توفيق الشاعر
إلى تسلسل الإبداع .. العنا .. أي تعب ونصب .. الكلافه .. من التكليف ، المشقه .. إذاً هناك تعب ثم مشقه وماهي أفرازاتها النفسيه .. البكاء .. هناك البكى .. بالقصر .. تدل على الدموع وخروجها .. وهناك البكاء بالمد .. تدل عل الصوت .. وهنا وفق الشاعر في الربط المتكامل .. حيث سبق وان قال في " نحيبٍ طويل " المهم ان بعد هذا البكاء جاء العويل .. والعويل هو رفع الصوت بالبكاء .. وهنا تداخل هذا الشطر مع الشطر السابق .. " يسهر الليل كله في نحيب طويل " مما جعلنا نؤكد عل الشاعر بأن السهر في مثل حالتك ليسَ في الليل بل هو في العمر كله ..

له نصيب الأسد في فؤادي مؤكد ...
هنا من يقصد الشاعر .. ؟ .. هل هو يقصد الشوق أو المحبوبه .. المهم ان له نصيب الأسد بمعنى له السلطان فهو قائد جبري لفؤد الشاعر ومؤكد .. مستخلص من الشك .

وناظري مستحله ومالحبه بديل ...
الواو .. عطف .. لذا اكد بأن المقصود هو الحبيب .. وهنا ترتبط مع كلمه في ضميري ونؤكد مصداقيه الشاعر في حبه . فالشاعر قال ناظري مستحله .. وإستحلال الشىء اباحته للنفس بعد التحريم .. والتحريم هنا هل قصد به الشاعر قبل اللقاء الأول أو بعد التفكير في الخلاص من الشوق والعوده الجبريه .. في قوله . " جمر شوقي توقد .. في ضميري وعود " .. المهم ان الأستحلال ورد .. " ومالحبه بديل " الما نافيه وحبه .. حب المحبوب .. بديل .. البديل العوض .. إذاً لايوجد تعويض لهذا الحبيب فهو حب راسخ الجذور مؤكد الإنتماء ..

كلما الليل رد .. ذكرها له تجدد ..
كلما الليل .. كأن الشاعر مصر على تحديد موطن الذكرى والمعاناه .. فقط في الليل وأهمال باقي أجزاء العمر .. " يسهر الليل كله .. . " كل ما الليل رد " المهم ان هذا الليل عاد للشاعر ذكرها .. ومن هنا ندرك بأن زمن اللقاء هو الليل .. ولكن هذا لايعفي الشاعر بأن يكون كل عمره زمنٍ للقاء من باب الإستسلام للشوق وسلطان الحب .. " له نصيب الأسد " . لكن ماذا يحدث في هذا التذكّر ..

علةٍ فوق عله .. من يداوي العليل ؟!!
العله هي المرض أراد الشاعر إشعارنا بأنه وصل إلى مرحله الإعياء فهو في هذا التذكر يحمل إعياء فوق إعياء .. الإعياء الأول هو إعياء الحب والثاني هو إعياء الشوق .. والسؤال الذي يطرحه الشاعر ..
من يداوي العليل ؟!

بين صد ورد .. ناعس الطرف سدد ..
الصد .. هو الإعراض .. والرد .. اعاده الشيء .. والناعس هو الوسن . والطرف النظر . " العين " سدد رمى .. إذاً يعرض ويعيد برميه .. وصفته ناعس الطرف

نظره منه عجله .. من تصيبه قتيل ..
مصدر الرميه " النظره .." عجله .. خاطفه .. ولكن لو أصابت هذه النظره الخاطفه فهي قاتله .. ومن المؤكد بأنها أصابت الشاعر .. فهو قتيل ..
ولكن ليس قتيل الروح .. بل قتيل المكابره والتفكير العقلاني .. وهذا يعيدنا إلى .. " بعد عقلٍ يدله .. ضاع منه الدليل " اصبح أسيراً في دائره الحب و الشوق ..

بعد طيب الوعد ... من أوده تمرد .
بعد طيب الوعد .. عندما نسمع طيب نشعر بالإنشراح والوعد .. هو وقت اللقاء إذاً كان هناك وفاق يثلج الصد .. ولكن ماذا اعقب هذا الوفاق .. " من أوده " والموده من المحبه .
" تمرد .. " المارد العاتي والتمرد .. هو الخروج عن المألوف وتجاوز المحظور إذاً خرج عن ذاك الطيب فتسبب في عدم الإنشراح .. العناء .. والكلافه والبكاء والعويل ..وخرج عن الود .. وترك الذكرى تجدد .. " علة فوق عله .. " وأستكمل الشاعر ..

مارحم قلب خلله شام عن هالرحيل ....
مارحم .. الما نافيه .. تنفي الرحمه .. وهنا الشاعر جرد محبوبته من الرحمه .. أذاً هي في وضع أستبداد على .. قلب خله ( وهذا في حسبان الشاعر ) .. والخل .. هو الود والصديق .. وهذا تأكيداً على وجود العلاقه فالود والصداقه لاتأتي مجرد نظره بل هي ثمره حوار تلتقي فيه الأفكار ..
وهذه المتمرده المستبده .. لم تعف .. شام عن هالرحيل .. فاالشيمه هنا من العفه .. عن هذا الرحيل .. بمعنى تتنزه عن الجفاء فقد وقعت في المحظور

سامني بالزهد ... في غرامي تزهد ...
السوم في البيع .. يعنى بالقيمه .. فإما يرفعها أويخفضها .. ولكن الشاعر قال .. " سامني باالزهد .. " الزهد ضد الرغبه .. بمعنى انه خسفه حقه فالمحبوبه أو تصنعت عدم رغبتها في الشاعر .. " الزهد " في غرامي أُغرم بشىء أي أولع به .. والتزهد لغه هو التعّد
ولكن المعنى هنا لايحتمل هذا القصد فقد يكون خصوصيه في اللفظ لعاميه القصيده .. قُصد بها غالى في الرفض

ومنيتي .. ليت فعله .. مثل وجهه جميل ...
" جميل " الجميل ضد القبيح ولكن هنا أمنيه تراود الشاعر وهي أن يكون فعله شبيهاً بوجه .. وصفت الوجه جميل .. إذاً صفه الفعل قبيح ولعل الشاعر أستخلص القبح من التمرد .. وعدم الرحمه .. وعدم العفه عن الرحيل والزهد في السوم .. كل هذه الأفعال .. جعلت الشاعر يرى قبح تصرفه ثم أتبعها بقبح اخر ..

أن تقربت صد .. وان تبعدت هدد ..
هذا التصرف لايدل على النفور القاطع ولكن قد يكون فيه شيء من الدلال .. لان في التقرب صد .. وفي البعد تهديد .. أذاً المسأله فيها شيء من التغلي لا شيء من النفور والإشمئزاز . وفي هذا التصرف للحبيب نفياً .. لـ .. سامني بالزهد .. .. وتحسين صورة التمرد .. وتخفيضاً لحدة الإستبداد .. لذا لانرى بأن فعله قبيح ولكنه فعلاً إستفزازياً وهذا هو شأن المحبوبه تبحث عن مكان يقتل الكبرياء .. كما هي فعلت وشعرت بتحقيق الهدف .. بنظرة منها عجله من تصيبه قتيل .. وها هو الشاعر يؤكد هذه الحقيقه في قوله ..

حيرنيه بدله وين بأمري أميل ..
فاالشاعر يعيش في حيره من الأمر .. بين الوصل والجفاء .. ان تقريت صد .. وإن تبعدت هدد .. فهو في مفترق هذه الطرق .. حائر بأمره ألى أي الطريقين يميل بعطائه .. ولكن .

مستحيل البعاد .. له دموعي بتشهد ..
لعل الشاعر في هذا الشطر وصل الى مرحله الغيبوبه وفقد الإدراك الوقتي فكيف قرر هذه الإستحاله في شهاده الدموع هل هو سلاح مكابره يستخدمه مقابل مكابره المحبوبه .. فقد شهد عليه ماهو أكبر .. السهر .. العناء .. الكلافه ... البكاء .. النحيب .. وتوقد الشوق .. تراكم العلل .. فأن رفضت عينك الدمع ولن ترفض .. شهد عليك ماهو أبلغ وأفصح .. تفاعل كل جوارحك ..

وانت يالعمر كله .. قربك المستحيل ..
وهذا أعتراف أخر .. العمر كله .. قد لانتفق مع الشاعر في قربك ونلمس من خلال طرحه بأنها تعيش لحظه دلال .. " ان تبعدت هدد .. " وقبل ذلك .. بين صد ورد .. .. طيب
الوعد .. كل هذه المعطيات تدل فعلاً على ان هناك رواسب حب لايلغيها هذا التمرد..
لذا نطالب الشاعر بالكف عن تطهير قلبه بالبرد من ثوره الصبابه وسلطان الحب بل نؤكد على إعادة النظر في إسترخاء يعيد له شيء من عقله لا كل عقله ويمزجه بهذه العاطفه الجياشه ثم يسكبه في ذاك الضمير الواعي والنظر المستباح وقلب ودْ وصدقْ وستستمر زهرة الغرام لا بالزهد بل بالمغالاه لان الجذور ضاربه في عمق الوجدان .. فألتمس الدليل لتقرير اين تميل .






.
توقيع :  محمد الفيفي

 .

يعلو البكاءُ وما للمحسنين يدٌ
ويوغلُ الموتُ والأيامُ تنفينا



محمد الفيفي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس