[فُنـ الشِعر ـونْ]

سحّ مَطَرُ الشِتاء ..
.
.
.
سأخبرُ الشتاء بأني أحبه
لأول مرة أعترف للشتاء بأني أحبه
المطر .. يغسل نظارتي
والغروب البرتقالي ..
ينتهك ذكرياتي
/
الشِتاء أَبيض مُشرِق الوَجه ..
ولَون الشَفَقِ سجا طويلاً فِي كُرّاستي !
.
.
.
لينثرها على خط الأفق الدائري
لا ضجيج !
عليكم أن تدوروا عكس عقارب الساعة
لتتعلموا مواقيت الهذيان
منذ الدقيقة الأولى في ساعاتكم
ستتذوقون طعم الحصى تحت ألسنتكم اليابسة
/
بَعيدة عَن السّبتْ ..
وآه مِن الوَطَن السّحيق ..
.
.
.
.. كانت الصحراء عانس
تُزفُّ إلى دمٍ ساحليٍّ مالح
/
الله
وهل تَرفُضُ الصّحراء هذا الإرتِواء .
.
.
.
وكان الرصاص يتسكع بيننا
ويختار من يمشي معه
إلى أفواه سيوف الرمال
يسألني الفراغ !
ـ كيف نجوت ؟
ـ سلمت قدمي لخيالي
فسافرَ معي على بساط الريح
حتى وجدت نفسي على الحدود
بين الخوف والأسلاك الشائكة
عاد الشتاء يغسل نظارتي
وعاد الغروب البرتقالي ينتهك ذاكرتي ..
يسألني عابر ..!
ـ كيف وصلت ؟
ـ سلـّمتُ دمي إلى أحلامه
فطار بي إلى حيث رائحة حبيبتي
حيث كانت تداعب خاتم الخطوبة
وتتعاطى الانتساب إلى الحقد
فقد نفد مخزون الحزن من قلبها منذ أيام
/
وصَلتَ بالسلامَة إذن ..
الحُلم وحده :
يَحمِلُك إلى حيثُ الطّلعَة الجَميلة ..
الحُلم وحده :
يَجعَلك كَـ نَهر عَجَّاج مُخمَليّ ..
الحُلم وحده :
يَمشِي بِكَ إلى حيثُ طُلّت الأَرض بالندى ..
وحمداً للمولَى على نفاد الحُزن مُبكراً !
.
.
.
سألني العابر مرة أخرى !
ـ وكيف مخزونك أنت من الحزن ؟
ـ نفد هو الآخر
حين فقدتُ القدرة على التفتـُّت الذاتي
/
أَلَمَّ بِكَ الوَجَعْ وَ قارَبَك !
.
.
.
ـ وكيف مضت الأعوام ؟
ـ سلـّمتُ ذاكرتي إلى أوتار عودي
/
عِندما أَطرَقَت عَيناك
سلّمتَ نفسَك للوتَر الذي يَعزِف الماضِي لتَهيمَ بِكَ الذِكرى ..
.
.
.
فخربشتها وشربت نخب الرحيل
إلى آخر نقطةٍ قاطعة
لعلي أضفر بالنهايات السعيدة
/
حَظِيتَ بِفَرحَة ..
.
.
.
لا ضجيج !
وصل الحوار إلى نقطة خطيرة
ليس للوقت مكان بيننا
إنكم تعرفون كل المواعيد
وتملكون كل ساعات الصفر
لذا لم يعد للوطن وقت لولادة التاريخ
أنتم الوسيلة المثلى لأدنى الخسائر
وأنصحكم أن تدوروا عكس عقارب الساعة
لتملكوا مواقيت الهذيان
يسألني الفراغ مرة أخرى !
ـ كيف غيرت اسمك ؟
ـ سلمت أطراف أصابعي لجنوني
وخنقت اسمي القديم
وكان النكران يحرق الحرف الأول والأخير
/
تُحرقني هذه الأَحرف .. والعُمر طوَّلَ لهم بِما كفانا وأَخرجنا عَن طورنا !
.
.
.
ـ إذاً فأنت ميت !
ـ صار اسمي مبعثراً ..
ُأحرِقَ كجثة هندوسي
فلم أعد أحسن ترتيب حروفه
لهذا لم يعترف به حفار القبور
وأعادني من حيث أتيت
/
لا عَليك .. فالرّوح عَرَجَت إلى ( البَقَاء ) ولو أَن الذَاكِرَة سَقَطَت !
.
.
.
ـ لم كل هذا الغموض
نسيت أن أسأل نفسي هذا السؤال ..
ـ وكيف نجا رفيقك ؟
ـ أخيرًا جاء دور رفيقي
ليشرب الموت على فم أحد السيوف الرملية
ويتحول إلى حسرة
رغم أن الرصاصة تليق به
ورغم أنه لم يستوعب أنه أصبح رفيقاً للغبار
والدخان
والبخار
وكان يعلم أنه لم يودِّع طفولته بعد
لكنه لم يكن يعلم أن عمره تحول من وقت .. إلى ميراث
ـ وكيف جئت به إلى هنا ؟
/
لِـ يهنأَ الحَق ..
وَ تَدوم لرفِيقِ المَطَر رَاااحَة أَبديّة ..
.
.
.
لا ضجيج !
ـ وضعته في صندوق
وسلمت منكبيّ إلي صوت أمه
وأمه كانت تخاف أن تكف عن الدعاء
فتنصت إلى نشرة الأخبار
كم تشبه أمه الوطن
وكم يشبه الوطن جثة رفيقي
/
وَ مَن يَكفّ عَن الدُعاء حتى آخر قَطرة !
.
.
.
انتهت رؤياي طبقاً لمواقيت الهذيان
ولم تنتهي طبقاً لمواقيت النزف اليومي
/
أَذابَ الله جَليدَ نَزفِك لِـ ينجلِي كَـ دمعٍ سَجَمْ ..
وينتَهِي ..
.
.
.
كنا نقيم مع الشمس
في بادية الجنوب وحين انفصلنا .. رجمونا
سألتُ سائلي !
ـ أين رفاقي الطيبين ؟
فتدفقت عواطفه وقال :
ـ تركناهم هناك ..
نثرنا على قبورهم حفنة من الحصى
لعلهم يرجعون
لكنهم حين انتصبوا
اصطدمت رؤوسهم بسقف الأفق الدائري
وغسل المطر نظاراتهم
تحت شعاع الغروب البرتقالي ..
فغادروا من جديد .
/
نَعِيماً لهُم دوماً ..
.
.
.
استاذِي / علي عمر الفسي ,
سَحابُ فَيضك يَعتَرِض أفق هَؤلاء الذِين أَخَذَتهم السيوف الرمليّة !
فيمطِر الشِتاء بُشـرى .. وتَغشاهم السّكِينة ..
.
جَميل ما قَرأت ,
جلّ التَقدير لشخصك ..