الموضوع: قصيدة مغناة..
عرض مشاركة واحدة
قديم 04/05/2008, 08:57 PM   #5
أحمد بدر
شـاعـر
 
الصورة الرمزية أحمد بدر
افتراضي

السلام عليكم.. موضوع موفق أحمد..
قبل فترة حننت إلى أغنية الربيع للأطرش فأنا لم أستمع لها منذ سنين فباشرتها.. لا أخفيكَ سرا بأن المرحوم (خبصها علينا) عشر دقائق عزف عود وعشر دقائق استهلال الكورال وعشر دقائق مواويل والورد لون الجراح (وضاعت علينا)..
الآن وقد باشرت ردا على موضوعك تساءلت: ترى هل أقوى على أن لا أشطح يمينا ويسارا خارج حدود الموضوع..؟؟, فذاك صعب علي ~ لأن هكذا مواضيع هي أشبه ما تكون بشليلة تعكّرت فلا يُعرف أين رأس الخيط من وسطها.. الواضح من العنوان هو معنى تناول (القصيدة المغناة) وليس (غناء القصيدة) رغم أنكَ سبقتني بالخروج عن حدود عنوان الموضوع حيث تطرقت لكليهما وهذا محفز لي لأن أتبع خطاك شطحا..
غناء القصيدة هو بداية الغناء فالنص النثري يكون من الصعوبة بالتلحن أقرب.. ولكن الفرق ما بين القصائد القديمة والحديثة هو شيء واحد.. وهو أن الشاعر القديم عندما نظم قصيده لم ينتظر من مغني تلحينه وغناءه ~ فلقد كان المغني القديم هو ذاته الملحن ولم يكن وقتها ملحنون متخصصون.. أما اليوم فنجد شاعرا نسج قصيدته لتكون لحنا ناهيك أنه على موعد لوعد قطع مع ملحن ومغني وقد يكون قد أوصى بموضوع ما فتناوله كما حصل وقصيدة أنتَ قلبي للشاعر كامل الشناوي.. يقال بأن المرحوم حافظ هو من أعطاه سيناريو النص فجاءت القصيدة لتشرح قصة حب عقيمة بين حافظ وسعاد حسني كما ذكرت هي والعهدة عليها إذ هي من قال هذا وهي الآن في ذمة الله.. فوضع هكذا نص شعري لا بد أن يأخذ بنظر الحسبان اللحن فتنتقى الكلمات انتقاء كذلك البحر إذ ليس كل بحر يتمكن الملحن منه.. أوردته على سبيل الاستئناس فغيره كثير كما فعل قباني وقصائده المهداة لنجاة الصغيرة.. هذا حال
الحال الثاني: نجد بعض القصائد المغناة لم ينظمها الشاعر لتشغل قياس ثوب لحن ما ولكن يصادف أنها عجبت أحد الملحنين أو المطربين فراح يغنيها وهنا نلحظ أنها بدأت تخضع لفحص وتمحيص وإجراءات جراحة تجميل للتلبس ثوبا آخرا كما حصل مع الكثير من القصائد التي غير بها المغنون وعلى رأسهم السيدة أم كلثوم فلقد وفقت بلمستها التغيرية في موضع ما وأخفقت في آخر.. كما فعلت حينما استبدلت "بلى" بـ "نعم" من صدر البيت الثاني لرائية أبي فراس الحمداني فأساءت أي إساءة للغة والمعنى رغم كل ثقافتها التي لا تخفى على من عرفها أو عرف عنها.. وكيف لا وهي جليسة المثقفين والشعراء أمثال شوقي وغيره من ذوي التخصص بشتى العلوم والفنون.. ولكن أقول: لعل شوقي كان معزوما ليلتها عند نادية لطفي فلم ينبه الست رحمها الله على أن ليس
( كل مدعبل جوز ) وهنا تبرز أمامنا مشكلة حقيقية في القصيدة المغناة اسمها عدم فقه المغني بمعنى يقوله أو حتى بأبسط شروط النحو فنحن نسمع ممن غنى قصائدا يرفع المخفوض ويخفض المرفوع, وكيف يحتاط للغة من لم يفقه شيئا مما قول..؟؟
طبعا هذا الكلام ما قصدت به السيدة فهي قمة الثقافة والإحاطة ولكنها كبوة فارس رغم أنها قد غنتها بلحنين مختلفين لملحنين مختلفين وفي وقتين يفصل بينما شوط طويل..
كذلك تبرز أمامنا حالة أخرى وهي استثقال بعض المفردات فتستبدل بأخرى
نعم قد تحل محل الأخرى بصورة أروع فالشعر كلما مر عليه زمن أبرز جماليات تخفّت عن بصيرة الشاعر فجاء استبدالها يضفي على البيت صورة أشهى, ولكن لو تطرقنا لفعل السيدة ههنا بالذات وتساءلنا لم استبدلت بلى بنعم فكيف سيكون الاستنتاج..؟ طبعا الواضح في رقة بلى جلي لذوي النطق فموسيقاها أسلس من نعم.. تُرى هل "بلى" كانت غريبة على أفهام المجتمع حينها فجاء الاستبدال..؟؟ الجواب يستحيل.. إذن هي حاولت أن تستعين بالميم والذي هو حرف كتم عكس الألف والذي يأخذ امتدادا في التلفظ.. لذلك نجدها تقطع بعد نعم ومن ثم تواصل ~ أنا مشتاق وعندي لوعة..
ولو بقيت البلى لكان أروعا نطقا فالوصل مع موسيقاها أجمل دون إعاقة..
كذلك لو توقفنا عند من يصنف المفردات حسب هواه وذوقه فقط من أجل سلاسة النطق والانسيابية وينسى شيئا اسمه عمق المعنى ومدلولاته الحسية والسمعية فهم لا يتقبلون أكثر من نصف مفردات اللغة بحجة التقعير فهنا محل تضييق..
أعجبني توقفك عند مسافات الطبقات الصوتية للمطربين..
أقول نعم ليس لمساحات صوت المرحوم الأطرش فضاء رحب بما يكفي ليكون مطربا
(قد تكون وجهة نظري به) فالمطرب هو من يُطرب بكافة فنون الغناء وعلى رأسها الموال والليالي فالحال هنا استعراض عضلات ليس إلا وليس كل من جاء يغني يقوى على المطاولة بنفس وعبر لا تخفت.. والمثلان الذي أوردتَ جميلان حصرا في عبد الحليم والأطرش رغم أن للأطرش ليالي ومواويل كثيرة عكس حافظ.. أقول: كذلك الست لم تكن قادرة على مجاراة الموال خصوصا بعد عمر فتغير صوتها حينه واضح للسمع فأغانيها القديمة كانت أروع بهذا الفن ولكنها لم تبدع به إبداعا منقطعا فلا مجال للقياس بين من ذكرت وعبد الوهاب في شبابه وصباح فخري مثلا فالأخير متمكن من صنعته بهذا الفن ولكن هذه المدارس التي ذكرت وأصرُ أن انعتها بالمدارس تركت بصمة لا تتكرر أبدا على الغناء العربي الأصيل ومن أحد أسباب نجاح تلك المدارس أن كان وقتها الغناء عمل متكامل وليس حكرا لشركة أو مغني فالسيدة لم تكن سيدة لولا مؤازرة الكبار أمثال العمالقة السنباطي وعبد الوهاب وغيرهم أما اليوم فالمسألة لا تتعدى مشكلة توفر المادة لإنتاج وكان الله يحب المحسنين..
موضوع جميل قد يستمر لمناقشة القصائد المغناة..
تحياتي...
توقيع :  أحمد بدر
أحمد بدر غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس