عرض مشاركة واحدة
قديم 10/06/2007, 11:58 AM   #108
إيناس الطاهر
روح المـطر
 
الصورة الرمزية إيناس الطاهر
افتراضي

( سي السيد - تابع )


اليوم الأربعاء ، الساعة الثالثة والنصف صباحاً ، عدت أحمل خالي على ظهري سكراناً يتمايل ، أدخلته غرفته ودوي الهاتف يوقظ الأموات ، جريت نحوه ، وجاءني صوته من بعيد يمسح أي سعادة كنتُ قد قضيتها منذ مطلع النهار

- ناصر ، أينك ، منذ يومين أحاول تحصيلك ولا أحد يجيب
- والدي ، أأأأأأأأأهلاً – بتردد - ، كنتُ ، في مدرسة ليلية لتعليم الانجليزية
- أجل ، فهمت ، - بدا غير مقتنع بكلامي – كيفك يا ولدي
- بخير ، كيفكم أنتم
- أمك ما تزال تبكي ، لكن ما عليك ، متى ستبدأ الدراسة
- الإثنين بالمشيئة يا والدي
- هل حضّرت المراجع والكتب ؟؟
- ماذا ؟؟؟ آآآآآه المراجع ، طبعاً ، طبعاً
- أكيد ؟؟
- طبعاً والدي أكيد
- وخالك فاضل ، كيف حاله ؟ وكيف حال دراسته
- خالي !! إنه بخير ، أموره على أحسن ما يرام
- هل ينقصك المال ناصر ؟
- لا لا لا ، اطمئن لا ينقصني شيء أبداً
- هل تصلي يا ناصر ؟
- أصلي ؟؟ - ياااااااااااااااه – طبعاً يا والدي لم أقطع فرض صلاة – بتردد –
- أكيد ؟؟
- أكـ ، أكييييييد
- ناصر ، ارفع رأس أبيك ، ولو نقصك شيء فأنا حاضر ، تأكد أنني أثق بك ، كن رجلاً حقيقياً يا ولدي

وينقطع الاتصال ، وكم حمدت الله أن المكالمة انتهت ، ولا أدري كيف قلبت مكالمة أبي أفكاري كلها ، كان اول شيء أقوم به في الصباح زيارة الجامعة وتحصيل الخطة الدراسية ، ثم شراء المراجع ، وفعلاً سجلت حينها في مدرسة ليلية لتعليم الانجليزية ، وبدأت رويداً رويداً أبتعد عن أجواء خالي فاضل

وبدأت الدراسة ، في كلية الطب كانت الجدية على ملامح كل الطلاب ، وبدأنا الدراسة ، هناك بدأت تربطني صحبة مع فتاً زنجي اسمه ميل ، فخبرته عن خالي ، وعن حياته ، حينها قال لي أنني أستطيع مشاركته غرفته ، بشرط ان أساهم في دفع إيجارها ، كان الاقتراح جميلاً ومقبولاً لدي ، ونقلت حاجياتي وسط ذهول خالي فاضل ودهشته
- بإمكانك الا تحيا حياتي ولكن هل رحيلك هو الطريقة ؟
- افهمني يا خال ، مسكن ميل أقرب للجامعة وأنا أريد ان اوفر من مصروفي
- يالك من اخرق ، والدك لم يمنع عنك شيء ، فلماذا تكترث بالمال
- والدي ، صدقني هو السبب يا خال
- ولكن إن هاتفتني العائلة ماذا أقول ؟
- لا تقلق لقد هاتفت أبي وأعطيته رقم منزل ميل وشرحت له السبب ، لن يحرجك احد
- كما تشاء يا ابن أختي

كنتُ ادرك ان حزن خالي لمفارقتي كان بسبب المال الذي سينقطع عنه وليس لأجلي ، فالمصروف الذي يمدّه به جدي إضافة لما كان معي كان يعطيه متعة اكبر ولهواً اكثر ولذلك لم اكن حزيناً جداً لمفارقته ،

بيت ميل لم يكن فخماً جداً ، كان غرفةً واحدة ومطبخاً وحماماً ، ربما لم يكن بفخامة منزل الخال ، لكنه كان اهدا وكله كتب ومراجع ، ورويداً رويداً بدأت اتأقلم مع الاجواء الجديدة ، مساء كلّ خميس كان البيت يمتليء بالشباب والبنات ، كما في بيت خالي ، لكن السبب في بيت ميل مختلف ، كانوا ياتون ليذاكروا سوياً وكنت اذاكر معهم ، وقد تحسنت لغتي كثيراً ، كانوا يحضرون مشروبهم معهم كما كان يحدث مع الخال ، لكن هنا يشربون في غير بحث عن المتعة ورغم ذلك لم اقرب المشروب معهم وكنت اكتفي بالشاي والقهوة ، إحدى الفتيات وتدعى ماري ، كانت تنعتي بالعربي المتخلف ، وكلما تشاجرنا معاً تقول اذهب وفكّ عذريتك أولاً أيها الخجول فيضحك الجميع ورغم ذلك لم أكن لأنصت لأحد ، بل لقد عدت للصلاة من جديد ، كان ميل يحترم ديني ، ولم يكن يسخر منه كما كان يفعل البقية ابداً ، كان يقول لي ، نحن الزنوج نكره البيض هنا ، ونمقتهم لأنهم يعاملون الحيوانات أفضل منّا ، لذلك قد أحبكم أيها العرب ، فأنتم كما الزنوج منبوذين مكروهين جداً ، كنت أستمع له وأبتسم ، لو عرف الأمريكان أبي ، فأظنهم لن يكرهوا العرب وحسب بل سيعلنونها حرباً عالمية ثالثة !!!
توقيع :  إيناس الطاهر

 

إيناس الطاهر غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس