رِسَالةُ الغِيَابِ الثَّانِية :
حِينَمَا يُغَادِرُونَنا لاَ شَيْء يَبْقَى مِنْهُم سِوى رَائِحة الرَّحِيل، وفُتَات ذِكْرى تُسَاعِدُنَا علَى تنفُّسِهِمْ حَنَانًا، تُثِيرُ فِي فَرَاغاتِ صَمْتِي رَغْبَةً فِي كِتَابَتِهِمْ أسْطُرًا جَمِيلةً تَحْكِي بَعْضًا مِنْ قِصَصِ مَاضٍ جَمَعنَا ..
الآنْ .. أنَا شَدِيدةُ الحَنِينِ إلَى رَفِيقة حُزْنِي وفَرحِي، إلى ذِكْريَاتِي الجَمِيلةِ مَعَها وإلَى السّنِين التِي مَضَتْ تَجْمَعُ بَيْنَ أيَّامِهَا أرْوَعَ مشَاعِرِ أخوَّةٍ لاَ أظنُّهَا ستتكرَّرُ فِي محطَّةٍ أخْرى مِنْ محطَّاتِ حيَاتِي ..
وهَا أنَا أتجوَّلُ بَيْنَ أرْوِقةِ ذَاكِرتِي العَتِيقة، لألْتَقِيَ بكِ مُجدَّدًا فأسْعَدُ أكْثَر وأشْتَاقُكِ أكْثَر فأكْثَر، لأنّنِي متأكّدَة أنْ لاَ أحَدَ كَان سَيَشْتَاقُ إلَيْكِ كَمَا أفْعَلُ أنَا، فحَتَّى فِي قَرارةِ حُلُمِي كُنْتُ أتمنَّى لِقَاءً بِكِ يُعِيدُ إليَّ بَرَاءَةَ رُوحِي، ويُذْهِبُ عنْ قَلْبِي حُزْنَهُ الأنِيقْ
أيَا مَنْ زَرَعْتُكِ فِي قَلْبِي لَحْنَ حَنِينْ، وغَادَرْتِنِي لِتَجْعَلي شمَال صَدْرِي ينْبِضُ أنِينْ
يُحْزِنُنِي جِدًّا أنْ يَسْرِقَكِ الغِيَابْ عِنْدَمَا تسْرِقُنِي مَتاعِبُ الحَيَاةِ ومشَاغِلَهَا، ويُشْجِينِي أنْ تَذْهَبي بَعِيدًا إلَى حَيْثُ لاَ أدْرِي بحْثًا عنْ وَمِيضِ فرَحٍ وتَتْرُكِينِي أتلَوى وجَعًا مِنْ إصَابَاتِ الفَقَدْ التِي عثَتْ فَسَادًا بجَسَدِ رُوحِي النَّحِيلْ، رُبَّمَا مَا كُنْتِ سَتَخْسَرينَ كَثِيرًا بهَكَذَا رَحِيلٍ مُفَاجِئْ، ولاَ أنَا كُنْتُ سأحِسُّ بهَذا الفَراغِ الذِي يَحْتَوينِي، ولكنَّهُ نُبْلُ مَشاعِرنَا منْ خلَّفَنِي امْرأةً لا تُجْهِضُ سِوَى الأَلَمْ، تتحسَّسُ كُلّ مَسَاءٍ جُدْرَانَ النَّبْضِ بَحْثًا عنْ شيْء عَالِقٍ هُنَاك، فلاَ تَجِدُ سِوَى الخَيْبة، خَيْبةٌ تُلْجِمُ سُكوُنِي وتُثِيرُ غِوايَة صمْتِي فأنْحَنِي لمَدَاراتِ التِيه، أحْتَسِي كُؤُوسَ النَّدَمْ وأغْرِقُنِي فِي لُجَجِ شَوْقِي إلَيْكِ، أكْتُبُكِ بحَرْفٍ شَاحِبٍ وقَلمٍ مدَادهُ مُهْتَرئٌ يُشْبِهُ صَاحِبتَه كَثِيرًا، أقِيمُ عَلَيْكِ صلاَة الرَّاحِلِينْ وأتْلُو عَلَى قَلْبِكِ سُورةَ الآفِلِينْ
ورغْمَ تَوارِي جَسد الفَرحْ تحْتَ ثَرىَ الأقْدَار، لمَّا سَرَقَتكِ المَنَافِي منّي، مَازَال بِي يَقِينٌ أنَّه بَيْن رُوحِي ورُوحكِ ورُودٌ لاَ ذُبُولَ يَعْتَرِيهَا، وإنَّها الرَّافِلُ الأوْحَدْ الذِي يَجْعلُنِي أرْسُمُ أمَلاً يتشَعَّبُ فِي مَجْرَى الوَرِيدْ، وأحْمِلُ رجَاءً فِي سُويْدَائِي أنْ يَكُونَ لنَا لقَاءٌ أخِيرْ، يُحرّرُنِي منْ هَذِه الذَّاكِرة المُثْقلَة بالحَنِينْ والوَجَعِ الكَبِيرْ.
كُتِبَتْ يوْم : 09\03\2010م
علَى : 23:45
يُتْبع ..