عرض مشاركة واحدة
قديم 05/05/2007, 11:46 AM   #4
عبدالرحمن الجميعان
كاتب و ناقد
افتراضي

هذه مقاطع شعرية اختلطت فيها أجواء الحداثة،ولكنها لقوة سبك الشعر وقوة ألفاظه ومعانيه، استطاع أن يخرج من تلك الشرنقة ويصوغ القصيدة بأحلى حلة وأبهى زينة..
يبدأ بهذا المقطع:
والأرض تموت ..وحدود الدائرة ..
و لا أدري هل عنوان ثان للقصيدة، أم هي البداية!
فإن كانت البداية، فلا أرى بدءها في حرف عطف، ولا أرى معنى ظاهرا لي في الجزء الثاني(وحدود الدائرة) أو هي رمزية موغلة جدا في الرمز..
ثم يعرج على محبوبته، بعد ذلك وكأني بك، وهو يصور نفسه أمامها،
.. وكأني بكِ
لا أعود إلا إليكِ
قبل ..أن أموت ..
موت الغارقين ..
وأحمل أشلائي إليكِ
ولا أموت..
ينفي عن نفسه الموت، وليس هنا الموت المادي، لأن لا يمكن للإنسان مهما كان أن يدعي الخلود، ولكنه هنا لا يموت منها، ولا عنها، بل هو إليها، وبها موصول..فلا يعود إلا إليها، أينما ذهب، فهي تحوطه كالدائرة..!
ثم ينفي عن نفسه-لعزته وكبريائه، وهيامه- أن يموت حتف أنفه، فيموت موت الغارقين الذي لا يملكون أن ينقذوا أنفسهم، ويتجردون من كل فعل أمامهم...جميل هذا التركيب البديع..!
ثم يعرج لينفي موته عندها، وهو ثابت لا يلين حتى وإن
(وأحمل أشلائي إليكِ)....و ألأشلاء هي بقايا جسم الميت، أو بقايا شيء متناثر...ثم يؤكد( ولا أموت..),,,
ثورة عاطفة، وخيال جامح جياش...
وفي المقطع الثاني، يؤكد ما يرنو إليه:
لا لن أموت ..
ولن أعود إليكِ
كالرسالات..
والأناجيل..والمزامير..وأنا كاهنُ .
أرتل صلواتي بين يديكِ ..
وكأني بكِ أموت كالرهبان
والقداس ..
في شعر الحداثيين، كثيرا ما يستخدمون الصلب، والقداس..و ألفاظ النصارى، وهذه ملاحظة كثيرا، منذ بدء الشعر الحداثي، ولا أجد مسوغا لهذا إلا أن يكونا متأثرين بالنصارى...!
أو غير ذلك..ما لا نعلمه..!
ثم هناك مقطع، توقفت عنده كثيرا، وأنا أعلم أنه قول شاعر لا يعني ما يقول، فالنذر والقتل، ودفع النفس، ونذر النفس لا يكون إلا لله الواحد الأحد فقط، ولا يكون لغيره، وإلا اختلط الشرك بالإيمان...!
ولكنه من فرط حبه لها استسهل لسانه هذا فدفعه نحو قلمه..!
ولا ..أنذر نفسي إلا إليكِ
ثم يعرج تارة أخرى، إليها، نافيا موته:
لا..لا.. لن.. أموت...... كالأشجار....
وأكون ..كالنار..كالماء ..كالإعصار..
وأنطفئُ وأشتعلُ بين يديكِ ..
كالأقصوصة..
كانكسارات الوجع..
وهذا المقطع من أجمل المقاطع الشعرية هنا: فيه القوة والشكيمة والكبرياء والعزة..مع الحب والعشق...وبعد الشجار تلزمك سكتة خفيفة تحبس فيها أنفاسك..كيف لن يموت!
و الأشجار تموت واقفة وبعد ذبول...بل هي يريد أن يكون نارا، ماء ، إعصارا مزمجرا....يشتعل وينطفيء بين يديها..أي حب هذا الذي يلقي به في أتون هذا الجحيم!
ومن أروع الكلمات( انكسارات الوجع..) لا ينتهي جمالها..مهما تاملتها...
فالصمتُ موتٌ تحت طبقات النقش ..
كالعالم ..خلف الأبواب الحمراء ..
وكالحضارات واختلاط الأسماء..
وأنا بكِ أحيا وأموت ..
وأفترش اللحد ياسمينْ ..
والأرض لوزاً وتينْ ..
وأشربكِ ككأسٍ من معينْ
والأصل(ياسمينا..تينا..)، ولو قال(أشربك كأسا..) وألغى أداة التشبيه لكان أعلى لغة، ومعنى.....ثم يتساءل:
فلماذا بكِ أموت ؟
ولا يجد إجابة وافية، أو يجد ولا يجيب، بل يتبعه بسؤال آخر:
هل.. لأني .. رفضت بعدكِ.. وقبلكِ ..
ومعكِ ..وحولكِ ..
هراطقة يجعلوني بك
أموت ..؟
يتساءل بكل فخر ، واعتزاز، وحب، ثم يعرج إليها قائلا ثائرا..
وكأني بكِ أموت ..ولا أجد حتفي ..
وكأني بكِ أموت ..ولا تصعد روحي ..
وكأني بكِ ..أموت موت النساك ..
وأتعلق بكِ على بابٍ معلقٍ في أفق .
ولا أحد يشهد موتي سواكِ
أي حب هذا!..أي تعلق قلبي بهذه المحبوبة!..هواها يسري سريان الدم في شريان القلب...بل هي أصبحت القلب والروح والفؤاد....!
و النساك العباد المنقطعون للعبادة فقط..!
وهنا في المقطع التالي يسألها أن تدعه يحيا
دعيني بكِ أحيا ..
كحياةَ صحراء صارخة..
وبحارٍ ثائرة ..وجراحٍ مسافرة ..
وأسكنكِ روحي وبكِ ..أموت ..
ثورة العشق تطغى على الشاعر، وثورة حبه تفور في وجدانه، فيسطرها كلمات عاشق ولِهٍ، ثم في الختام ينفي موته مرة أخيرة...
لا ..لن أموت ..
قبل ..أن أطوق معصمكِ ..بي ..
وقبل أن أحملكِ قلادةً في يدي..وقبل ..
أن ألبسكِ خاتماً ..يموتُ به أصبعي..
بكِ سأحيا وأموتْ ..
وتموت الأرض والدائرة
مقاطع شعرية رائعة، بدت له وجه الشاعر المحب العاشق، الثائر في عشقه....الذي يموت بها ولها، ومن أجلها يحيا ويعيش....!
ويبقى الحب علامة الحياة....!
عبدالرحمن الجميعان غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس