عرض مشاركة واحدة
قديم 23/12/2009, 05:24 PM   #34
سعد الحمري
كاتـب و ناقد
 
الصورة الرمزية سعد الحمري
افتراضي





آل البراح الرائعين عدنا والعود أحمد لنتحدث عن الجزء الأخير من دراستنا لنصوص المبدع على عمر الفسى عبر ماورائياته المنشورة بيننا .
سيكون من العسير فصل الزمان عن المكان في إيقونات داخل متون هذه النصوص ..فلعبة الاتكاء على الزمن تمثل في الواقع التوهج الذي يبتغيه الشاعر من وراء نصوصه المنسكبة بيننا ..
يقول الفسى في أحد نصوصه :-


في انتظارِ أن يبيعني العدم

ساعةً حائطية

سأضعُ قبـَّة على كل نخلةٍ تُحدِّق في الفراغ

وأرفرفُ حول السفوحِ الغافية

فسباتها الهرم .. ينذر بالقيامة


انه يقرن لحظة الأنصياع للعدم بلحظة زمانية ((ساعة حائطية )) هنا الوضع يحتاج الى اقتراب جزئى على اعتبار انه اختار لنفسه صفة الساعة الحائطية التى تجمد فى المكان بعينه / لايمكنها مقاربة ورمراقبة ورؤية كل المشهد فهى فى مجهد جامد فيما يتحرك الكل حولها ..هذا المشهد يؤدلج مواصفات جامدة لكنها يحرك الزمن بتسارع قبل لحظة التحول من الانسنة الى زمن غافى ((ساعة حائطية)) فهو يقوم بتسريع الزمن لكونه
سيضع قبة على كل نخلة تحدق فى الفراغ ...الارتفاع الشاهق ؟؟؟؟؟
وسيرفرف حول السفوح الغافية ((بجناحين )) التسارع الزمنى هنا سيتيح للشاعر اقلاق الصور الساكنة (( الساعة الحائطية/ النخلات المحدقة فى الفراغ/ السفوح الهرمة الغافية))
ماذا ينتظر الشاعر من هذا التسارع المذهل فى تلك الصور الساكنة الجامدة... انه يشبه هذا بالهدوء والسكون الذى يسبق العاصفة التى لاتبقى على شىء ..السبات هناك مقرون ..بنذير قيامة ما لاتبقى على شىء
يقول الناقد الأيرلندي سي.دي.لويس(الصورة الشعرية هي رسم قوامه الكلمات المشحونة بالإحساس والعاطفة)
الكلمات التى انسكبت من هنا كانت بمثابة إعلانُ عن درجة التوتر بينه ((أى الشاعر)) وبين المجتمع، العلاقة هنا مبنية على توتر و قلق .
أن المتلقي لنص أدبي ما سيكون لديه ميل للبحث في تفسير كل اختراق ممكن بوصفه تضميناً مقصوداً، بوصفه تجاوزاً ظاهرياً فحسب، يتوضع ضمن توافق تعاوني عميق، وذلك بتوظيف شرط حسن العرض، وتوظيف قيمة الأنموذج الواجب تقييمه.
ومن هنا تكمن بلاغة الايجاء عبر الصور المتداعية التى قد لاتمت بصورة ما الينا لكنها تعنى الكثير فى عقلية الشاعر
فالنص الشعري نسق من العلامات ، وهو بالتالي يمثل مشهدا دالا على ما مال اليه الشاعر من اختيارات استقاها من النظام اللغوي ، هذه الاختيارات بالطبع لا تتمظهر اعتباطا، بل إن وراءها طاقة تدفعها، هذه الطاقة تكمن في ذهن المبدع وفي بصيرته ، ولا يمكننا وصفها إلا بالنظر مليا إلى هذا المشهد، وبيان مدى قدرة الشاعر على الاختيار والتلقي الواعي - بمعني ما - من سلطة الجمالي الكامن في النظام اللغوي ، وحيث تدرج هذه القدرة في آفاق غير مألوفة أو منتهكة يكون انتظامها في رتبة أسمى وأعمق من تدرجها في آفاق مستهلكة منظمة ، معهودة . نعود الى موضوع الاتكاء على لحظة الزمان حيث يقول الفسى فى نص آخر
أيها السيدات والسادة
قلت لكم
أني بحثت عن ساعة حائطية


تجيء من رحم العدم
منذ قليل أسلمتُ مفاتيح مدينتي
لغزاةٍ مسالمين
هم .. كبستان زيتون
يحملون رائحة القرنفل في بنادقهم
وتحتَ شمس المدينة
يبثُّون الظـِّلال .. رغم أنهم بلا ظلال
غزاة .. رائعون
يحصدون السحاب
و يقرئون أورادهم..
في كل تابوت
هم .. قيدوا شهواتهم بفارغ المدى
وتنفسوا أحلام طفولتنا
وعادوا .. صغاراً
يغـنـُُّون أغنية ًمن غبار
ويشربون الملح من صدق أمهاتنا ..
هم .. بنوا للريح في وضح النهار
صروحاً ننام فيها ..
وكتبوا الربيع على صفحات أيامنا
أوهاماً تؤول للسقوط
قبل احتكاك الغبار الرمادي ..
بإعصار الشياطين ..
هم .. أدرى بصدق أمهاتنا ..
ونوايا الشياطين
وهم أدرى بسقف أحلامنا
المعجونة باحتدام النكوص ..



فى هذا النص سنجد ان استباق الزمن عاد بفائدة السخرية إن معاودة البحث عن ساعة حائطية هنا جاء قرين الصمت المطبق حيال ردود الافعال التى يجملها بسخرية مرة
فالغزاة ليسوا طيبين ..
وهم لايحصدون شيئا هلاميا (( السحاب)) أنهم يحصدون بشرا
ومن هنا كان الالتقاط العائد على ذات الشاعر ((ساعة حائطية صامتة بليدة )) معلقة فى الجدار /ترى الحدث ولاتشارك فى تفعيله فهى ليست منفعله ((بليدة ))وليست فاعلة لتشرح لنا ردة فعلتها مع هولاء الغزاه .



لقد جاءوا..
يحملون ساعةً حائطية
يجرها ألف عام مفصومة العرى
وذاكرة يزدحم فيها العابرون



فالساعة الحائطية جاء بها الغزاة الانفون الذكر وهى استيلاد لفعل الاجبار على الصمت الذى انحاز اليه الشاعر مكرها هنا .
فى مقطع آخر يتغير استيلاد الزمن لدى الفسى حيث يقول



هي ذي قسمات الرحيل

تتدلى كالبندول في ذهني

رحيلٌ نضطرُّ إليه

لكي نبقى مجرد ساعة من عدم

وأرقام الساعة ممحوّة

ممحوٌّ اسمي من شاهد قبري الرسمي



إن غياب تفاصيل الزمن ((مجرد ساعة من عدم))الذات هنا تعبر عن نفسها بنفسها وتقرن نفسها بساعة ذات ارقام ممحوة بلا تفاصيل يقرنها الشاعر هنا بلحظة موات الاحياء لحظة ان نتفرج ببلاهة ولانملك ردة فعل فمحو الاسم مقرون هنا بمحو الارقام من الساعة المتدلية فى الذهن وهى نفسها الحائطية المتفرجة والتى لاتملك أن تغير شيئا .
وإذا فهذه النصوص تنوء بهموم إنسانية، وتتجاوز فسحة الزمن الضيقة التي تقوقع داخلها نصوصٌ أخرى،

والواقع أيها الاعزاء هو ما يكون حاضراً في لحظة قصيرة ثم يغيب ليتحول إلى إيحاءات في قصائد الشعراء، ورموز في القصص والروايات، وإذا أُريدَ لخيالٍ النجاةُ من مصير آلاف الخيالات المتعاقبة في ظلمات تيه ما وراء الذاكرة، سيرتبط بتاريخٍ ما أو حقبةٍ معينة معنية بالدال، وأما ضياعات الأخيلة الشاردة فهي نتيجة حتمية لفشلها في جذرنة صورها داخل مخيال المجتمع. .
انه هنا يتسأل سؤاله الابدى فى ضل ماورائياته المدججة بالاسئله


أيها السيدات والسادة

هل ترون التشابه

بين ساعة على الحائط وموت الصبر في أوردة الانتظار؟




والفسى يعتمد على هذا فى الاستيلادات التراثية التى تقابلنا فهو يضرب الامثال متجااوزا المدى القريب يتجه الى غياهب الزمن لأستيراد شىء ما نربطه بعقولنا الواعيه لنصل الى مبتاغاه التأويلى اثناء استنطاقنا لنصه .

في

كل قـَدَر ٍ.. كان أحدهم يولدُ

فتولد معه ثلاث اتجاهاتٍ .. وجدار

وعليه أن يصبح حارساً ومحروساً في آن

وكان عليه أن يصحو ثلاث مئة سنين

ويزداد تسعا




إن استيلاد حكاية اهل الكهف هنا اشرة لموت الاحاسيس لكنه يرتق الحكاية بشكل يجعل الامور ممزوجة بالاستفهام لكونهم مكثو نوما ثلاثمائة وتسعة سنين .لكنه يقرن هذه المسألة بعلاقة الحارس بالمحروس ((وهى لعمرى علاقة ساخرة )) لاتصنع التوازن فى أن يحمل الانسان ضده ((حارس ومحروس))
وبعد هذا استقراء اخر اردت من خلاله البحث عن استغلال الزمن فى قصائد الفسى الزمن الذى يعنى لديه عمرا يفنى وراء وجع وخيبات امل وأمنيات ساكنة لاتمتلك حتى حرية التجول
الشاعر يقول


عمـــــــــــــــري .. !!

يا محنتي العصمـــاء

تعــــــال .

يا وارثاً صمت الجبال

تعــــــال .. فما أنت يا عمري ..سوى

ساعاتٍ معلقةً على الحائط

تباعُ في سوقِ العدم



بهدا أختتم دراستى التى أرجو أن تكون قد نالت اعجابكم عن ه>ا الشاعر الرائع ال>ى يصر على إدهاشنا ابن كل نص ابداعى ينسكب من قلمه واكرر اعتدارى أيها الاعزاء عن التأخير....
أرجو أن لاأكون أثقلت عليكم بهذه الدراسة راجيا ان تجدو فيها استمتاع متمنيا لكم التوفيق والسداد
دمتم ودامت اقلامكم

ولكم التحية دائما من قلب يعتز دوما بأنه يعرفكم

توقيع :  سعد الحمري
سعد الحمري غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس