عرض مشاركة واحدة
قديم 29/04/2007, 08:51 AM   #17
عبدالرحمن الجميعان
كاتب و ناقد
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة لحنـ الروحـ مشاهدة المشاركة
وتستمر الحياة من بعدهم
هذا بعض بوحي يوم وفاته

كنت هناك ألهو وألعب في ذلك الممر الطويل ..
الذي تكسوه الأشجار الخضراء من جانب ..
حيث أن الآخر به جدار عالية ..
لا أعرف ما تخبئ خلفها ..
أركض .. أصرخ .. أضحك .. وتتعالى الضحكات بنغمات مختلفة ..
ويزداد خفق قلبي مع كل فرحة وابتسامة ..
لم أعلم أن لتلك الفرحة نهاية مؤلمة ..
حزن أبدي يسكنني ..
ذهبت إليه بعد أن أنهكني تعب اللعب ..
فوجدتني أنتظر موعد دخولي ..
إلى أن يخرج الآخر من الداخل ..
نظرت حولي علِّي أجد كرسيا أجلس عليه ..
كلها ممتلئة بتلك الوجوه التي أعرفها ولا أعرفها ..
أخذت مكاني على الأرض بجانبها ..
أسندت ظهري على ذاك الجدار ..
واحتضنت ساقاي ..
وأرحت رأسي عليهما ..
صمت مستفز قاتل يسود المكان ..

*
*
*

رفعت رأسي وسألتها :
ما سبب كل هذا الهدوء ..
وهذا الصمت ..؟؟
ما سبب تلك الدموع ..
وذلك الوجع ..؟؟
قالت :
إنه يحتضر ..!!
فجأة سمعت صوتا من بعيد ..
يجهش بالبكاء ..
الدموع تنهمر من عينيه كموج هائج ..
مات .. مات ..
لم أعي ما كان يقول ..
كنت أدرك أنه بالداخل ملقى على السرير الأبيض ..
لكني لم أدرك أنه رحل ..
سألتها والدهشة تملأني ..
من الذي مات ورحل ..؟؟
أجابتني :
لقد رحل يا نهى ..
أبي رحل .. أبي رحل ..

*
*
*

كانت صدمة كبيرة فوق احتمالي ..
كنت عاجزة عن ترجمتها آنذاك ..
فالوقت مبكر جداً لأدرك مثل تلك الأمور ..
مبكر جداً لموعد رحيله عني ..
كيف له أن يرحل ولم يخبرني ..؟؟
كيف له أن يرحل ولم يأخذني معه ..؟؟
كيف يرحل ولم يعلمني كيف أواجه الحياة من دونه ..؟؟
كيف يرحل من غير قبلة على غير عادته ..
وابتسامة ترضيني ..
أو كلمة طيبة ..
تطيب خاطري إلى أن يعود ..
كنت أحسبها كذبة بيضاء ..
ككل مرة يكذبون فيها عليْ ..
كي لا أتشبث به وهو يغادر المنزل ..
الدمع والحزن سادا المكان وأصبحا سيده ..
رحمك الله يا أبتاه ..

*
*
*

أذكر آخر مرة رأيته ..
كان حديثنا بنبض قلبنا وحبنا ..
بنظراتنا التي ما فارقتنا ..
كنا في تلك الغرفة ..
والأجهزة محاطة به من كل جانب ..
نظرت لعينيه التي تشع بريقا نقيا صافيا ..
كصفاء ونقاء طهارة قلبه وروحه ..
حدثته عما يدور بداخلي ..
بادلني الحديث وعينه دامعة ..
لكنه الآن رحل وتركني ..
رحل عني ..
في كل مساء كنت أغفو بين أحضانه ..
إلا في هذا المساء الكالح بالسواد ..
لم أجد حضنه الدافئ ..

*
*
*

رأيته والكفن الأبيض يحتويه ..
رأيته قبل أن يوارى الثرى بدقائق ..
كانت لحظة وداع أخيرة ..
ونظرة إلى وجهه البشوش الأسمر الذي ينير المكان ..
كأنه قمر اكتمل في نصف الشهر ..
رأيت ابتسامة رضا على شفاهه ..
قبَّلت جبينه الطاهر ..
والدمع يغطي وجنتاي ..
والألم يعتصر قلبي ..
طبعت كل محبتي عليها ..
ثم رحل .. ورحل ..

*
*
*

نعم رحل ..
ومازلت أنتظره يوما ما يأتي ..
ليحتويني بين ذراعيه ..
كنت خالدا ..
وستبقى خالدا في النفس ..
حبك لن يُفْنى من الأفئدة ..
التي زرعت محبتك فيها ..
فليغفر لك الرحمن والدي ..
ويدخلك فسيح جناته ..
ويجمعني بك في دار النعيم مع الصالحين ..
رحمك الله يا أبي ..
رحمك الله .

عزائي في فقيدك وفقيدك ياجنة الروح
مودتي
لحن الروح
عزفت لحنا اسود ردنا إلى حزن طويل عميق مكفوف بالظلمات
الحياة بدونهم نار متسعرة..شكرا لمرورك الحزين............
عبدالرحمن الجميعان غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس