من يوميات طالبة
لست ممن يحسنّ الجلوس ساعتين متتاليتين في محاضرة دراسية، دخلت محاضرتي واتخذتُ المقعد الأمامي .. فتحت الكتاب ودخل أستاذ المادة ، انه دكتور جديد ، درس في الخارج ، حاصل على أعلى الشهادات .. عرفنا بنفسه ، بأسلوبه ، وقال : ملك القاعة أنا وانتم مواطنوها ، الصمت ما أريده .. كنا كما أراد ، ليس لأنه أراد ، بل لأن الجو و الملل من أراد !!
وبدأ المحاضرة ، موارد بشرية ، اقتصاد على إدارة ، كيف تحافظ على موارد بلدك وتستخدمها الاستخدام الأمثل ...هو يشرح وأنا أحيا مللاً بملل ، معدة تفكر بإفطار لذيذ وطيب خفيف ظريف !!! وعينان تحلمان بسرير ووسادة ، وقلب يدق مع دقات الساعة ويسبقها بدقتين ، دقة تعجل مرور الوقت ، ودقة تتوازن مع عجلة الزمن !! هكذا كنت ، و أظن كل من في القاعة هكذا كان .. والأستاذ مستمر بالشرح ، متعمق التفسير ، عاقد الحاجبين ، رافع الرأس بشموخ ، إلى أن ....
تنهد وقال ، لستم معي أدرك هذا ، قال أحد الزملاء : الدنيا رمضان يا أستاذ ، علينا وعليك خير!،
- ليست المشكلة برمضان .. أتعلمون أين المشكلة ؟؟؟ المشكلة أننا عرب ! ، نعشق البساطة ، لا نفكر ابعد من حدود النظر ، لماذا تقدم الغرب ؟ ولماذا بتنا من واد إلى واد اكثر عمقا ؟؟ لأننا شعب لا يعلم ما يريد ، وإذا علم صعب عليه المشوار ، وإذا مشاه ثقلت الخطى من وزن الغباء الذي يحمله ، وان وصل آخر الطريق رجع لضعف الذاكرة لديه ... نحن أمة فاشلة ، تحيا حياة السيطرة المغلفة بنداءات الحرية ، أمة ابتعدت عن دينها واشترت دنياها ، عبدت القرش والدينار ، وخافت الموت و أقدمت على الانتحار .. أمة همها بطنها ، وهل علت نفس اشترت الشبع !! يا طلابي استعدوا سنبدأ معا طريقا جديد ، طريق بدايته شائك لكنه النجاح ، ثقوا بي
خرجنا من المحاضرة ، وأنا أحلم بعقلية متفتحة عبقرية تعلمني وتزيدني من الشعر بيتا .. وانتظرت محاضرة إدارة الموارد البشرية على نار ، ويدخل الأستاذ ، يغلق الباب خلفه ، ويبدأ بأخذ الحضور والغياب ، يدخل أحد الطلبة بعد أن يطرق الباب يعتذر عن التأخر قائلا : كنت بالمصلى أعتذر ، نظر له وقال : كلكم تجعلون الصلاة حجتكم ، أخرج من المحاضرة ، لم يناقش الفتى ، حمل كتبه وخرج ، ولأنني أتعامل مع أستاذ متحضر قلت : أستاذ ، كان يصلي رأيناه يدخل المصلى حين حضرنا ، وأنت لم تبدأ بعد ، ما المانع ؟ ويبدو أنني كمن يضع الماء فوق زيت يغلي ، كالتنين الغاضب أخرج لهيبا من الألفاظ الإنجليزية تبينت بعضها وجهلت معظمها ...
وأضاف : أتدرون ما عيب العرب ؟؟ ، عيبهم أنهم يقللون من أهمية اللحظة ، ولا يعلمون أن العبقرية وليدة لحظة .. وبدأ المحاضرة ، ساعتان كاملتان ، وهو متعمق بالشرح ، لا يسمح لمشارك أن يقول ، ولا لسائل أن يستفسر ، وفوق كل ذلك ما سمعته ضرب إلا مثلا غربيا ، ولا تحدث عن الوظائف إلا من وجهة نظر غربية ، عربي بشهادة الميلاد ، معتز بسلوكيات الغرب ، بعيد عنا قريب منهم ..
وتتوالى المحاضرات ، يتحدث عن ( الديموقراطية ) ، وحرية الرأي ، لكنه متزمت برأيه !! ، متعصب لأفكاره ، يتحدث عن الاحترام ، ولا أسهل من إهانة كرامة الطالب لديه ، ويحين موعد الامتحان الأول .. نقدم الامتحان وأفجع به يساعد أحد الزملاء بأحد الأسئلة ، المصيبة رآه كل من في القاعة ، والكارثة سكوت كل من في القاعة .. أنهيت الامتحان وصعدت للتسجيل ، لقد قررت إسقاط المادة !! ملأت الاستبيان ، الرقم الجامعي ، التخصص ، السنة الدراسية والفصل الدراسي ، اسم المادة ، ثم وصلت لسبب الإسقاط .. نظرت للكلمة مليّاً وكتبت ، بشري صنعوه ببغاء ، غسل الغرب دماغه فعلموه أن يردد النظريات دون أن يفهمها ، كفة القول لديه تغلب كفة الفعل ، يبيع ولا يعرف الشراء ، يقص ولا يعرف الوصل ، مفرق الجماعة ، و مستقل في العرب البراعة ، باع ثوب الصوف واشترى ثيابا أوروبية مستعملة لفارق السعر .
ناولت مسؤولة التسجيل البيان وخرجت ..
في اليوم التالي ، كان على حائط الإعلانات ورقتين ، مشاركة من طالبة تحاكي فيها النفوس أن افخري يا نفس بقولك عربية ، ما هنت يا نفس لكنها العنصرية ، فينا العقول عقول لا طبول ، فلا تدعي يا نفس صدى العدا يقول ...
وعلى الجانب الآخر إعلان من مساعد العميد للشؤون الطلابية بتوجيه إنذار للطالبة المدعوة بسبب الاستخفاف بقوانين الجامعة !!؟؟ ، واستخدام الدعابة في قوانين محراب العلم !!
عجبي !! .