عرض مشاركة واحدة
قديم 17/04/2007, 01:02 PM   #65
إيناس الطاهر
روح المـطر
 
الصورة الرمزية إيناس الطاهر
افتراضي

رحلة قلبت مشاعري



لم اكن قد تجاوزت العاشرة من عمري بعد ... لا اذكر تلك الأيام تماما ولكن لي معها ضبابيات بسيطة ومخنوقة ... كنا في رحلتنا لبلد أمي وركبنا الباص متوجهين إلى هناك أنا وامي ... كنت اشعر بالسعادة حين تختصني الحنونة عن بقية اخوتي وتأخذني معها ،، فمن الجميل أن تشعر بأنك الطفل المدلل لعائلتك ... وأنا كنت اعشق أمي ، أهواها بطريقة مجنونة ... لا أذكر أنني فكرت في أوامرها يوما فقد كانت السلطان والحاكم ... واعلم أن كلامها كله صدق ، ألم تعلمني أن من يكذب يكرهه الله ؟؟؟ ومن يكرهه الله يدخله النار ؟؟؟ إذا فلا بد أنها لا تكذب ... اجل لا بد أنها اطهر واصدق امرأة على وجه الأرض ...
رائحة البحر أيقظت عيناي الناعستان فأفقت على وجه أمي تدندن شيئا ، أنا احب تلك الدندنة لان أمي من يقوم بها!! ...
- أوصلنا يا غالية؟؟؟
- اجل حبيبتي ، لحظات ونصل ...
- أتحبين بلدك ماما؟؟؟
- طبعا أليست مكان ولادتي !
- ماما ... حدثيني عنها ...
- صغيرتي رأسي يؤلمني ... فيما بعد
- لماذا يؤلمك ماما ؟؟؟
- هلا صمتي قليلا ، أنت تزعجين المسافرين
صمت على مضض ، فأنا احب الحديث إلى أمي ،،، وصلنا عند دورية للشرطة ،،، يبدو أن هناك مشكلة ما تعم المكان ، أوقفوا الحافلة وطالبونا بالنزول ،،، امسكتني أمي من يدي ودخلت بي استراحة قديمة البناء وجلسنا ... طلبت لي عصيرا ولها قهوة ،، دائما أحببت أن اشرب من فنجان أمي لكنها ترفض هذا وتقول أن الآنسات الحسناوات الصغيرات يصبح لهن شنبا إن هن شربن القهوة ، أتخيل منظري بشنب ،، مضحك !! ،، ولكن ابنة الجيران تشرب قهوة وليس لها شنب ، لا بد أنها ليست جميلة ،،
شربت من العصير وبدأت انظر للناس حولي ، كلهم في همهم ماضون ، الكل ينتظر الإفراج والرجوع للحافلة ، تقدم شرطي طويل منا .. مسح على رأسي بلطف وتوجه نحو أمي
- سيدتي ، هل احضرتي حقائبكِ لطفا .
- ولماذا ؟؟
- معنا أمر بتفتيش حقائب المسافرين ..
- حسنا سأحضرها دقائق فقط
ذهبت أمي فركع الرجل أمامي ، أتعلمين انك جميلة ؟؟ - ابتسمت له - ، لي ابنة مثل عمرك لم ارها منذ شهرين ، اليوم حين انهي مهمتي سأرجع واراها ... حظا طيبا يا جميلتي الصغيرة
كانت أمي قد عادت ومعها حقيبتين صغيرتين ... فتحتهما ، فتشهما الشرطي ثم أعاد إغلاقهما .. نظر لامي قائلا :
- حقيبة اليد خاصتك سيدتي ...
- أتمزح ؟؟؟ ماذا تريد بحقيبتي ؟؟؟
- أرجوكِ سيدتي إنها الأوامر ..
رفضت أمي ذلك وبشدة ولا اعلم السبب ، فتناول الشرطي حقيبتها رغما عنها وفتحها وهي تسب وتلعن ... أول مرة أرى أمي تسب وتلعن
فتح الشرطي الحقيبة ، عثر على ثلاثة هواتف خلوية ، وآلة تصوير حديثة وأشياء لا أعرف كنهها تماما...
- لمن هذه سيدتي ؟؟
- إنها لي ، استعملها لي
نظرت لامي وقلت : لا يا ماما لقد أوصاكِ جدي بإحضارها ، نظر الشرطي لي ونظر لامي وقال : ما قولك سيدتي ؟
- ابنتي حمقاء تهذي ... إنها لي ... انحنت نحوي وقالت : اخرسي الآن
تناول الشرطي ما في حقيبة أمي وقال : في الغد مري وخذيها من الدائرة ... لم تدفعي جمركها سيدتي ...
- انتظر ، أنت لا تعرف من أكون ... أنا ابنة رئيس الديوان هنا
- اعذريني سيدتي ... القانون قانون
هيا لنفتش العائلة هناك ... غمزني وذهب .. وقفت أمي مقهورة ثم توجهت نحو هاتف موضوع في الاستراحة . ضربت رقما وقالت : العميد حسان رجاء ... ابنته
- أبي ، نعم إنها أنا ... بخير –بدأت بالبكاء- لقد اخذوا الخلويات ... اعلم أنها غير مهمة ولكني أريد تعليم هذا الحقير درسا لقد أحرجني ولم يأبه بمن أكون ... اجل اجل ... بالاستراحة ... الآن أبي ... وداعا
عادت مكانها وخلال ربع ساعة كان هناك رجل اعرفه ... انه خالي بملابس الشرطة والرتب الملصقة على كتفه ... قبل أمي وقبلني ثم توجه نحو الشرطي الذي أشارت أمي له هناك ... قال على مسامعنا : -
- حضرة الملازم
التفت الشرطي لخالي مؤديا التحية العسكرية : نعم سيدي
- اخرج ما أخذته من السيدة واعده لها –مؤشرا لامي –
نظر لها وقال : لا أستطيع سيدي ، لم تدفع الجمرك ...
- حين أقول أعطها ، تعطها
- لا أستطيع ...
- أيها العريف ، مؤشرا لرجل معه
- سيدي
- خذ عهدة الملازم و لينتظر في مكتبي ... اليوم سيحكم رئيس الديوان في أمره لمخالفته الأوامر العسكرية
- حاضر سيدي
اخذوا ما معه واعطوها لخالي ... وقيدوه وحين هموا بسحبه جريت ودون وعي نحو خالي وقلت باكية : دعه يا خالي هو لم يفعل شيئا ... انه يطبق القانون
- قال لي بنعومة : لا تتدخلي حبيبتي انه لم يقدر الناس
- لكنه القانون خالي ..
التفت لامي التي حدجتني وسحبتني وبكاي يعلو
قال خالي للرجل : الناس يا هذا مقامات ، و ليست أختي من يطبق عليها القانون ... شهرين في السجن العسكري كفيلة بان تربيك ...
اخذوا الرجل وخلال دقائق عاد الوضع لما هو عليه ... امسكتني أمي وتوجهنا لسيارة خالي الفخمة ... وكأن شيئا لم يحدث ... عاد كل شئ لحاله ... إلا أنا ... ففي هذه اللحظة عرفت كم اكره أمي !!!...
توقيع :  إيناس الطاهر

 

إيناس الطاهر غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس