عائلة فهيم
فهيم أب لعائلة متماسكة ، يعمل ليوفر أسباب العيش الكريم لها ، يطمح بمستقبل مزهر يفوح منه ابن عظيم يخدم مجتمعه ويبني طموحه فيصعد سلم النجاح بقوة ، وابنة تكمّل رسالة ونهجا ، وتمضي للنجاح بخطى ثابتة ... ترك مسؤوليات البيت لزوجته الحنون ، لها تربية الأولاد ، وتعليمهم حقوقهم وواجباتهم ، وعليه هو توفير أساليب النجاح لهؤلاء الأولاد ...
دخل بيته ذات مساء يحمل كدّ الصباح وأوراقا تحتاج لسهر ليل مضني ... كان الصغار في عالم النوم يهنئون ، جالس زوجته واطمئن منها على وضع أطفاله وهل لهم حاجات يريدون من الأب الحاني توفيرها لهم ، جاءه صوتها ، انظر خلفك يا فهيم ، نظر ، فإذا بلوحة كبيرة معلقة على الجدار ... نهض نحوها ، وفاضت بسمة رقيقة ، تلك خاطرة كتبها ولده ، ياله من أديب كبير ، وهذه قصة كتبتها صغيرته ، ما تزال الطفلة مبتدئة ... وهنا نصيحة ، وهناك رسالة شكوى من أحد الأولاد عن أحد اخوته ... وقف أمام اللوحة قرابة الساعة ، وعاد لمكانه قائلا : دعيهم يخرجون ما في جوفهم ، وسأحرص دوما على الاطلاع على تلك اللوحة لأصل لمكنونات أولادي
وهكذا الحال كل يوم ، ولشهور عديدة ، الأبناء يضعون فكرهم ، وهو يتابع بصمت وهدوء وحذر ، ثم يعطي زوجته الرؤوم رأيه واقتراحاته التي تحتاج منها تنفيذا ، إلى أن جاءته ذات مرة ، وبدءا يتحدثان عن حياتهما ، ومستقبل الأولاد
- فهيم ، أينك من أولادك ؟؟؟
- ماذا تقولين ؟؟؟ أنا معهم دوما ، أراقبهم ، ألحظهم ، وأبني أساسات عائلتنا
- أينك من أولادك ؟؟
- بربك ماذا تريدين ؟؟؟
- ألم تفهم يا زوجي العزيز ؟؟
- أفهم ماذا ؟؟
- تلك اللوحة المعلقة على الجدار
- أراها ، وأنت تعلمين حرصي على متابعتها وفهم عقل و فكر أبنائي
- وبعد ؟؟؟
- ماذا أكثر من أن ألبي لهم حاجاتهم ؟؟؟
- قربك منهم يا فهيم !
- قربي أنا ؟؟؟ وهل أنا بعيد عنهم ؟؟؟
- أكثر مما تعتقد .
- هل شرحت ما تريدين زوجتي ؟؟
- أنت وأنا وأولادك ، تكامل لبناء بدأ ليكمل الطريق
- تابعي .
- لكنك بعيد عنهم ، بعيد عن فكرهم ، بعيد عن عقلهم فهيم .
- بربك ، أعلم ما يريدون ، وافهم ما يحتاجون ، والبي دعواتهم ورغباتهم ضمن امكاناتي
- وماذا يعلمون هم عنك ؟؟
- .....
- أقصد ، أنت عرفتهم ، فهمتهم من خلالي ، رأيت عقولهم بواسطتي أنا ، لكنك لم تكن يوما قريبا منهم ، لغتك يا غالي صعبة عليهم ، انهم يجهلونك ، بينك وبينهم حاجز كبير وسور عالٍ لا أنت قادر على النزول منه ولا هم بمستطيعين الصعود اليك ... أولادك يريدون عقلك ، فكرك ، أحلامك ، يريدون استشعار وجودك الروحي بينهم والمعنوي ... أولادك يهابوك ، أرجوك لا تكن مجرد صورة على جدار بيت أنت تبنيه ، بل كن الروح التي تبنى بها أعمدة البيت فهيم
- كيف ألتقيهم خبريني ، مطالب أنا بأمور كثيرة ، لا وقتي يسمح ، ولا امكاناتي تعطيني القدرة على استنطاق عقولهم وقلوبهم ، فكنتِ أنت وسيلتي ، عينك مرآتي ، ولسانك نصائحي ، ماذا أفعل أكثر بربك خبريني ؟؟؟ لماذا تحملين الاب أكثر من قدراته ، لماذا تضعينني المسؤول ، لماذا ألتمس لكم العذر ولا أجد منكم من يلتمسه لي ، همومكم تقتلني ولكن همومي لا تعنيكم ، ماذا أفعل ، قولي لي ماذا أفعل ؟؟
ابتسمت برقة ، وقالت : ألم تفهم للآن ؟؟؟ إنهم يقدرون غيابك ويفهمون صعوبة تواجدك الجسدي بينهم ، انهم يدركون ، ولأجل ذلك وضعوا تلك اللوحة على الحائط ، إن كان صعبا يا زوجي وجودك بينهم ، فضع فكرك في اللوحة ، انبض ودعهم يلمسون نبضك
قالت حروفها وخرجت ، تركته بين أوراقه وعينه ما انفكت تحدق باللوحة .....