عرض مشاركة واحدة
قديم 14/04/2007, 10:41 AM   #60
إيناس الطاهر
روح المـطر
 
الصورة الرمزية إيناس الطاهر
افتراضي 10

كش ملك




لم تكن رقعة الشطرنج بيني وبينه إلا ساحة حرب ،أو هكذا أريدها أنا أن تكون ، جاءنا ضيفا ، ثم استوطن وبتنا الضيوف ، بات الابن المدلل وما كان يوما ابنا للإله! لم اكن لأعترض ، ولكن نيرانا عظيمة تستفيق في حجرات قلبي الأربع باكرا ، توقد نفسها مع حطب صبري وقهري وكيدي ، وما زاد جنوني ونقمتي عليه انه ملك كل شئ ، كل شئ حتى رقعة الشطرنج خاصتي!.


مساء كل يوم أتحداه في نزال شطرنجيّ ... له المملكة البيضاء ولي السوداء، دائما الأبيض له والحصة السوداء لي !!! فـ يبدأ ، وأبدأ ، يلعب ، فـ ألعب بـ حماس أكبر... سأغلبه ، سأنتصر ، و ، و ، و ، ينظر ببرود لـ دماء التحدي تغلي في بؤبؤ عينيّ فيبتسم ، ثم يحمل فيله بخفة دون استثقال ، يجعله يعبر حدّه الأبيض ليستقر في أملاكي ...
دورك ، هكذا الرقعة تقول ، لا أجد غير القلعة لاحتمي بها . دوره ، هكذا أعلمته الرقعة ... بهدوء يمرر فيله الآخر في المسار الأسود . يا ربي ماذا افعل ؟؟ أحدق في رقعتي ، لن ينقذني إلا وزيري ، هوب ، أكلت أحد رعاياه ، يبتسم ... لا يهمه أن يقتل رعاياي وكأنه يستعلي بذاته ، ثم يبدأ لعبته المعهودة ، الحصان !!! ...

كم يهوى اللعب بالحصان وهو الذي عشق لعبة الظل وراء الجدار ! تبدأ معركتي باستخدام فنون الحرب ، وهو ،، بخفة يمتطي حصانه ويقود الآخر ... خطوة ، اثنتين ، حركة ، فأخرى ، يرتفع ضغطي .... ثم
( كش ملك )


وأخرج خاسرا ، مشكلتي أني دوما اخرج خاسرا بنفس حركاته . يمارسها بخفة حتى حفظتها ، ويفوز هو بها !!! ، وحين تبادلنا الأدوار مرة وكانت اليتيمة قمت بما قام به دون تغيير ، بالحركة الواحدة ، ورغم أنني اقتربت من خط الوسط ، اقتربت من اقتحام أرضه ولم اكن يوما لأتعدى حدوده ، إلا أن اللعبة انتهت على صوته ، باستفزاز
( كش ملك )


علمت انه سيغيب ثلاثة أيام ... فرحت ، هاأنذا ابن الأرض أخيرا ، ليته لا يعود ، ما أجمل الحرية !، عشت يومي الأول ملكا ورأيتني أكيد له حتى أحتجزه ! ، ويومي الثاني كان سعيدا ، خاصة وأن خيالي جعله مقيدا لأمر رحمتي !! ، أما يومي الثالث فقد كان مصلوبا فيه والطير غاديات رائحات ينهشن جسده !! أو هكذا طاب لي الخيال أن أراه ؟؟!! ...
لماذا اقبل وجوده في بيتي ؟؟؟ لماذا أرضى استحواذه على قلوب أهلي ؟؟ ألا يمكنني أن أقول لا ؟؟؟ حسنا قد صلبته في خيالي ، و سألاعبه الشطرنج أيضا، سأتخيله موجودا ، ألعب مكانه ، و ألعب لنفسي ، فان غلبته سأطرده غدا، وإلا فليبقى قلت ذلك في نفسي وخلايا دماغي تعمل بسرعة ، و السعادة بادية على خيالي ، فطبعا لن اجعلني أفوز علي .

- ههههه – ما أروعها من فكرة ، نعم لن اجعلني أفوز علي ، تراقصت أسارير قلبي ، وأنا ادخل غرفته ، التي كانت ذات يوم معبدي وسكوني ، وملجأ وحدتي ، أخذها وباتت غرفته ، بحثت بين أغراضها ، هاهي لوحة الشطرنج ، همست في زواياها ، ألم تشتاقي لصاحبك القديم ؟؟ قد اشتاق إليك ؟؟ هيا ساعديني لنعود لبعض ، رتبت جنوده ، مستشاريه ، وبقي ملكه .. حملته برقة وقبلت رأسه هامسا : " اليوم يا حبيبي ستموت " – قلتها وكأني فعلا انوي القيام بجريمة – رتبت جنودي و أحبتي . وكالعادة جعلت الأبيض له والأسود لي ... وبدأت به وتابعت لي ... وحركت له ، وجاوبت عني . و اندمجت باللعبة ، بتّ أحرك أحجاره كما كان يفعل ، بهدوء ، بحذر ، ببسمة صفراوية ، و أحرك أحجاري بعصبيتي وقهري ورفضي الصامت ، انقل فيله بخفة ، واهرّب مليكي خلف القلعة بقلق ، وجدتني أتناقض مع ذاتي رغما !!

لن ادعه ينتصر ، فملكي ( وحسب قناعاتي ) صاحب الرقعة قبل اللعب وبعده ، ومهما كانت النتائج ، فأنا ، أنا مالك البيت وصاحب الرقعة منذ الأزل !! ...
هيا ، أيها الفيل الأخرق عد مكانك ... أرجعت فيله ، اعلم انه ما كان ليفعلها ولكني فعلتها ، وفوق هذا قابلت وزيرة بأحد جنودي فالتهمه بنهم وجوع ، مسكين ذاك الجندي ! ، لم يحلم بوجبة دسمة على أرضه فكيف وقد التهم الوزير ؟! أعلم أنني لست عادلا ، ولكن علي طرده ، هكذا همس إبليسي في أذني ، و ربما هكذا همست الأنانية في ذاتي ، وحصانه ، اينك يا حصانه ؟؟؟؟ .. خطوتين للأمام وحركة لطيفة لليسار لان وزيري غاضب ويريد دوس حصان الفارس ... وحين اقترب من بيت العنكبوت تمرغ بين شباكه ضحية غافلة ؟!


– بطل أنا ، هههه – بشّر عجيب أقولها ، و الآن وزيري على بعد خطوات من مستنقع عدوي الحقير ، وجواداي يقبعان ليثان هادئان مهددان ، وأول مرة اخترق أجهزة الإنذار وادخل قصره العاجي ، بل مستوطنته الكبرى ، بعد قليل سأقولها ، نعم ... خطوة ، فأخرى ، أحرك له و أحرك لي ، و الآن سأقولها....

ويلجم لساني قبل قولها ، أين الملك ، أين ملك رقعته ، أينك يا سليمانه ؟كل حاشيتي على أرضه تحيط ببقايا رعاياه ، ولكن أين الملك ؟؟! ، واستيقظت على مفاجئة لم اكن قد تنبهت لها ، فعلى رقعتي وفي نصفي الذي املك و دون قصد مني ، ودون انتباه ، كان ملكه قد احتل مكان شاهي الملقى خارجا ، ولأول مرة يفوز دون جهد منه ، لأكون سبب خسارتي ، ودون أن يستفزني صوته
( كش ملك )


توقيع :  إيناس الطاهر

 

إيناس الطاهر غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس