عرض مشاركة واحدة
قديم 14/04/2007, 10:38 AM   #57
إيناس الطاهر
روح المـطر
 
الصورة الرمزية إيناس الطاهر
افتراضي 7

وحيدة الوحيدة



لم اكن ادقق النظر كثيرا لخيالي في المرآة ، نظرة اعتيادية قد لا ألمح بها تفاصيل صورتي !، استقل سيارتي ، اصل المكتب ، اجلس خلف مقعدي وأكبس زر تشغيل حاسوبي منتظرة فنجان القهوة ... تدخل وحيدة ، تلقي السلام بصوت أكاد أتبينه وكأنها ترميه لنفسها ، تبدأ حملة التنظيف ، تمسح المكتب وتفرغ سلة المهملات ، تفتح النوافذ في ديناميكية روتينية ذات وقع اعتيادي ... ثم تخرج ، هكذا عرفتها منذ عامين ، امرأة لا تعرف الابتسامة طريقا لشفتيها!!

خبرتني إحدى الزميلات أن وحيدة لقيطة ؟؟ ربتها الدولة و أسمتها وحيدة ، علمت أنها قد تجاوزت الثانية والأربعين ، لم تتزوج بعد ، طبعا ، هل يتزوج أحد لقيطة !!!!

حين تنظر لعيني وحيدة الغائرتين تشعر كم هي وحيدة !، وترى كم بكت تلك المقل !! ، أما إن حاكى الزمان تجاعيد وجهها لنطق بأسى كم تركت تجارب الحت و التعرية في وجه وحيدة من أخاديد وتلال !! دهر هي ، وما يزيد هذه المرأة غموضا صمتها القاتل ، كم أشعر بالأسى على وحيدة !! وكم أتمنى أن امسح دمعها بيدي ، لو تقبلني أختا لها ، فقط ، لاسعد قلبها ،!.

عدت من السوق ذات مساء متوجهة لبيتي حين لمحتها تخرج من أحد الزقاق حاملة أكياسا كثيرة كبيرة ، تابعتها بنظري حتى دخلت شارعا ضيقا ، لا ادر لم أوقفت السيارة وتتبعت خطاها ، كانت تسير بخطا متثاقلة من حملها ، توقفت للحظات تجمع أنفاسها المبعثرة من تعب الطريق ، وأنا ارقبها من بعيد دون أن ادري ما دافعي لملاحقتها ، كم اشعر بالألم على وحيدة ، دوما اشعر بالألم عليها ، واشعر أنها تشعر بتعاطفي معها لكنها تتجاهله دوما ، بل تحاول الابتعاد كلما حاولت الاقتراب !!! مسكينة وحيدة ، ربما تظن أنها اقل من البشر ، ربما كونها لقيطة افقدها ثقتها بنفسها !! . خرجت من حلقة أفكاري حين رأيتها تدخل ساحة كبيرة معلق على بوابتها يافطة كبيرة لم أتبينها ، قطعت الشارع على عجل وسرت أمام سور حديدي مرتفع يحيط بتلك الساحة ، توقفت ونظرت من خلاله و عجبا رأيت ، أطفالا يتركون امرأة معهم ، و يجرون نحو وحيدة المقبلة عليهم ، يلتفون حولها بشوق ، تقبلهم وتخرج ألعابا كثيرة من الأكياس ... لاول مرة اسمع صوت ضحكات متتابعة تخرج من قلب وحيدة ، لاول مرة تذوب كتلة الجليد المتراكمة على جبهتها ، تنادي بعلو حسها : هيا نلعب الغميضة !!! لاول مرة اسمع صوتها عاليا ، صوتا ناعما ، طفوليا ، كانت امرأة أخرى غير وحيدة التي استملكت مشاعر العطف داخلي .. امرأة تمنح العطف لا تحتاجه ، كريمة ، ثرية النفس والروح

و لاول مرة اكتشف أن وحيدة اسم بلا مسمى ، وأنني أنا طيلة الفترة السابقة من كانت الوحيدة !!!
توقيع :  إيناس الطاهر

 

إيناس الطاهر غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس