عرض مشاركة واحدة
قديم 14/04/2007, 10:38 AM   #56
إيناس الطاهر
روح المـطر
 
الصورة الرمزية إيناس الطاهر
افتراضي 6

قريتي والخوف


لم أكن انتظر طيفه حين مر غريبا ... لأول مرة يأتي قريتنا زائر ... جلس بجانبي وقال ... أنت سكان هنا ؟؟؟

- نعم سيدي هل من خدمة ؟؟
- أرجوك ، هل لي بشربة ماء
- تفضل ... - وبعد أن شرب سألته : هل جئت ضيفا أم ساكنا أم باحثا عن أحد؟؟؟
- بل جئت قاتلا !!! - قالها وضحك -
- قاتل ؟؟؟ من أنت سيدي ؟؟؟
- أنا رسول ما عليه إلا البلاغ ... جئت من بعيد لترحل معي روح مائة من أهل قريتك ... أنفث المرض فيهم فيموتوا من لحظتهم

قالها ومعالم الجدية واضحة عليه ... شهقت وقلت له : رسول مَن أيها الغريب ؟؟؟؟ أصدقا ما تقول ؟؟؟

نهض ونفض الغبار عن ثوبه المخملي الأسود ... همس بجدية : رسول المرض الذي سيموت منه مائة من قريتك .. ابق خارج القرية حتى الغروب ... أراك على خير ...

هممت بالحديث لكنه كان قد اختفى ، لجم لساني و قلب حالي وتبعثرت أفكاري ... رسول المرض !! ... لا لا ... لابد أني كنت أتخيل ... يا رب ... مالي وعقلي ... أينكي يا غنماتي ؟؟ ...


أفلت الشمس و عدت قريتي وخوف يعتريني ... ما أن دخلت حتى بدأت الأصوات والنواح تقرع طبلة أذني ... أحد الشيوخ مر من أمامي مستعجلا

- يا عم ... يا عم - ناديته - ... ماذا هناك؟؟؟
- إنها اللعنة ... اهرب يا ولدي وانفذ بجلدك ...
- ماذا حدث ... خبرني !!
- ألف من سكان القرية ماتوا ...
- ألف ؟؟؟ وكل قريتنا لا تزيد عن ألفين شخص ؟؟؟ نصف القرية ؟؟؟ لكنه قال مائة ....
- ماذا تهذي يا ولدي ؟؟
- كيف ماتوا يا عم ؟؟؟
- لا ادري ... الكل يهرب ، اهرب يا ابني ، اهرب

عشر سنوات مرت ... ولم يبق غيري في قريتنا وغنماني ... عشر سنوات ولم تخطو قريتنا قدم ... أسموها القرية المشؤومة .. الكل يخشى دخولها ... فالموت حدث ولا سبب له ...

بينما مزماري يعزف اللحن الحزين ... سمعته يهمس لي : أما زلت قابعا في ذات المكان ؟؟؟
وحين التفت له ... كان هو بذاته ، رسول المرض !! ، بحاله وشحمه ، لم يتغير به شئ . نهضت بفزع وقلت له : ماذا فعلت ؟؟؟ أنصف القرية تقتل ... ما بالك يا رجل ؟؟؟ كيف فعلتها وجعلتها دمارا ...؟؟؟؟
تنهد وقال ... من المرض ... والله ما مات إلا مائة كما وقد أخبرتك..
- بل ألف يا سيدي
- مائة أيها الطيب ... مائة وحسب ...
والتسعمائة الباقون كيف ماتوا؟؟؟
- رحلت أرواحهم – ببرود -
- إذا ... ليسوا مائة !
- من المرض مائة يا ولدي
- و الباقون ؟؟؟
- مائة من المرض يا ولدي ... ولكن الباقون ... للأسف ماتوا ... ولكن ... كحال البشر ... ماتوا
- من ماذا ...
نظر للسماء ... ثم حدق في عيني وقال بعمق ... من الخوف ... الخوف ...
ثم اختفى ... اختفى ولم يبق غير الصدى
مائة ماتوا من المرض ... والتسعمائة الباقون ماتوا من الخوف

والتسعمائة الباقون ماتوا من الخوف
ماتوا من الخوف
من الخوف
الخوف
الخوف


الخوف
توقيع :  إيناس الطاهر

 

إيناس الطاهر غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس