عرض مشاركة واحدة
قديم 14/04/2007, 10:37 AM   #55
إيناس الطاهر
روح المـطر
 
الصورة الرمزية إيناس الطاهر
افتراضي 5

القمر




1

- ما اجمل الصباح حين يحمل معه توقيع السلام
- يآآآآه ، منذ زمن لم تنطق بكلمات أدبية يا حامد !! تعال واشرب قهوتك على الشرفة..
- الأدب ؟؟ تعلمين يا زوجتي الحبيبة أني لست أنساه ، محفور في حجرات القلب ولكن رغيف الخبز أبعده عني بعض الوقت ..
- والحرب ؟؟ أنسيتها ؟ تلك الصراعات من اجل الكنز ، الأرض ، والابرياء هم الضحايا دائما ...
- هههههههه ، ما زالت فيكِ تلك اللمسة السياسية ، ألا تخشين الجدران يا نبيلة ؟؟


شاركته الضحك ولم تعلق ، فكلاهما يعلم وفي قرارة نفسه أن روح طالب الجامعة والتي سكنت جسديهما بما فيها من أحلام بالحرية والرفض والطموح قد رحلت بعيدا ، بل ماتت منذ صارا أبوين لثلاث أبناء .. ولاحت فكرة هادئة تقتل أي مجال للاعتراض ، فكرة تهمس بحنان( أن كم هو جميل ذلك الصباح من شرفة منزلهما الدافئ) .

- أبي ، أبي أريد هدية العيد
- ألا تحيي والدك يا كريم !؟ - بلوم-
- آسف يا أمي ، سلام الله عليك يا أبتِ
- أهلا بولدي الجميل ، هل نمت جيدا ؟؟
- نعم ، لكن البعوض ضايقني قليلا ، لقد شرب دمي كله .
- ههههه ، وهل أحضرت دما جديدا .. لا عليك يا حبيبي ، ستقضي البلدية عليه قريبا
- البلدية ستدفن المستنقعات ، وترمم البيوت ،وتحسن شبكة الصرف الصحي ، وتقضي على البطالة ، ربما أنها ستحرر الأرض أيضا !!
- حسبك يا نبيلة .. ما يزال كريم صغيرا على اعتراضاتك .. ها كريم ، ماذا تريد هدية العيد يا بابا ؟؟؟ أتريده كبش العيد ؟؟ أم ثوبا جديدا ؟؟
- لا هذا ولا ذاك .. أريد القمر الذي في السماء ..
لم يستطع الأبوان إخفاء دهشتهما فولدهما ابن الرابعة يطلب القمر ، قالت نبيلة التي لم تستطع تمالك نفسها من الضحك : القمر الذي في السماء !! ماذا ستفعل به يا ولدي؟؟

- أريد أن أضعه في حجرتي ، فالكهرباء دائمة الانقطاع ، وأنا أخاف الظلمة والشمعة يموت نورها بسرعة...
- الطريق إلى القمر يا ولدي طويل ، فيه هموم وعقبات ، ولكن لا تقلق سأحضره لك إن شاء الله بشرط ان تكون مطيعا لامك... طبع قبلة دافئة على خد ولده وحمل حقيبته متوجها للباب قائلا : إن تأخرت فلا تقلقي علي ، قد أمر بالسوق ، سأشتري لكريم فانوسا بصورة قمر ، ثم أمر بالبلدية لأرى ما آخر تطورات وعودهم...
- احذر الكلاب ، إنها تملأ لشوارع..
- لا تقلقي الله الحامي ، ستقضي البلدية على الكلاب...
- أتظن ؟؟ حين أحضروا الكلاب أول مرة قالوا إنها لحراسة الناس ، لكنها سعرت وتمردت وطغت ، حتى البلدية نفسها لم تستطع ان توقفها ولن تستطيع ...
تنهد ومسح رأسها بحنان ، يعلم أنها تعلم انه غير راض ، لكن الصمت في اغلب الأحيان يكون ارخص سلعة لمن لا يملك الثمن....

تجاوز الوقت منتصف الليل ، وكالعادة الكهرباء مقطوعة ، جرس الهاتف ينبئ أن هنالك خبرا عن حامد الذي لم يعد بعد ، امسكت الهاتف بقلق وبدون تركيز ...
- السلام عليكم ..
- أجل ، أنا زوجته !
- بربك ماذا تقول ؟؟ لا فالكهرباء مقطوعة عندنا وصوت مولدة الكهرباء يمنعني من التركيز ، في أي مستشفى ؟؟ سأحضر فورا ..

2

نهضت بفزع من سريرها ، كان كابوسا إذا .. مررت يدها على الفراش الناعم ، كان باردا .. تنهدت بألم ، ورجعت ذاكرتها لاربعة أشهر مضت حين تلقت مكالمة هاتفيه تطالبها التوجه لمستشفى العاصمة لاستلام جثة زوجها ... هي تذكر أنها بقيت لآخر لحظة تأمل ألا تكون الجثة له .. لكنها تأكدت أنها جثته حين لمحت بألم وجهه البارد وقد غادرته الروح ، أبلغوها أن كلبا ضالا قد عض زوجها من عنقه . ما زالت تذكر كيف تقدم رئيس البلدية منها واعدا أنه سيمسك ذلك الكلب المسعور ويقتله وحين صرخت أنتم من أدخل الكلاب إلينا ، قلتم أنها ستساعد في نشر الأمان لكنها في كل يوم تقتل بريئا لا ذنب له .. أنتم من قتل زوجي .. يومها نظر رئيس البلدية لها بجفاء وقال : لا تعترضي على حكم الله ، الموت حق يا سيدتي ، ثم إن الكلب الذي عض زوجك لم يكن من الكلاب التي أحضرتها البلدية ، أنه كلب محلي ..

بعد أربعة أشهر رغما عنها تضحك... كلب محلي !! ، تنهدت بألم : نعم ، كلب مستورد ، وآخر محلي ... حتى الكلاب أصبحت بدرجات ، لكنها وفي قرارة نفسها تعلم انهم من سلط الكلاب على زوجها الذي كان له صولات وجولات في معارضتهم ومحاولته طرد الكلاب ، لقد وشى به ذو ثقة ، .. حتى الخيانة أصبحت بمستويات !! مسحت دمعها ونهضت لتتفقد الأولاد ...
- كريم ؟؟ ماذا تفعل على النافذة يا ولدي ؟؟ - اقتربت منه ، كان يبكي – ما بالك كريم ؟؟ أرأيت حلما ضايقك ؟؟
- لا ، ولكن أبي تأخر يا أمي .. قال انه ذاهب ليحضر القمر لكنه لم يعد ..

قشعريرة باردة سرت في أوصالها . ابتسمت لصغيرها وطمأنته : سيعود يا حبيبي ... قريبا سيعود
نظر الصغير لها متشككا وقال : حين يغيب القمر من السماء سيعود بابا ولكنه لن يغيب .. أمي ، إن كلمك ابي بالهاتف أخبريه أن يعود فاني بأشد الشوق اليه، قولي له أني ما عدت أريد القمر .. لاني ما عدت أخشى ظلمة غرفتي ونوره يملأ السماء التي تعلو سقفها يا أمي .. دعيه يعود ، لم اعد اخش شيئا بعده الا الظلمة ...

حضنته بقوة ، نظرت للقمر في السماء ، ودق قلبها ، سيسرق نور القمر يوما ما ، فماذا تجيب ولدها حين لا يعود والده ولا يظهر القمر ؟؟؟ حينها ستكون الظلمة والوحدة والكلاب ... ورغما عنها أجهشت بالبكاء ..
توقيع :  إيناس الطاهر

 

إيناس الطاهر غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس