عرض مشاركة واحدة
قديم 14/04/2007, 10:36 AM   #54
إيناس الطاهر
روح المـطر
 
الصورة الرمزية إيناس الطاهر
افتراضي 4

الأحدب


دوما تشده قصة ( احدب نوتردام) يتوه في كلماتها ، في زواياها ، هو و أحدب القصة مختلفان متشابهان في الوقت ذاته ، يختلفان في أن أحدب نوتردام رأس الصفحة ، و هو ذيلها ، ربما ، لان هناك بشر جاءوا لهذه الدنيا ، ورحلوا منها نسيانا باختيارهم ، و يتشابهان في أن كلاهما يحمل حدبة ثقيلة فوق ظهره ، حدبة أجبرته على الركوع وهو عزيز النفس طاهر الروح!!!

نعم أحدب هو ، لا تكفيه هموم الأرض بل تزيد عليها كتلة ثقيلة دمجت نفسها بقوة وتسلقت كاللبلاب ظهره ثم مدت جذورها عميقة إلى العظام فنخرتها وبنت مستعمرتها فيها فشلّت إحدى القدمين وباتّ لا يفارق كرسي بعجلات ، أحدب مشلول !!! ولم تكتفي تلك الكتلة اللعينة بذلك ، بل لقد مصّت عروقه وشربت دم الحياة من وريده وقضت على لسانه بأن يحمل فوق ظهره ثقلا يمنعه من إبانة المعنى وتوضيح الكلمات ، احدب ، مشلول الحركة ، اخرس اللسان !!!

منذ وعى على الدنيا وتفتحت مداركه للحياة منع عن نفسه نور الأرض ، لم تر غرفته ضوء النهار ، لم تعشق شرفته رائحة القهوة بين زواياها ، كيف يفعل و هو يرى عيون الناس شامتة ، مستخفة ، حاقدة ، مشفقة ، وربما خائفة ، ليس والله مجرما ، ليس مخيفا ، داخله طاهر ، يحتاج المحبة ، يحتاج الأمان ، لكن حدبته اللعينة تقف حاجزا بينه وبين البشر ، ضغوط نفسية أجبرته على أن يغلق عليه بابه ، ويبتعد عن كل شئ ، وحش هو ، من يرضى بوحش !!! يعيش بين الكتب والروايات ، هكذا رضي لحياته بأن تكون ، ولفكرة أنه احدب وحشي مثقف استسلم !!!

ويحن للنفس الخروج ، فيعاتبها : يا نفس استكيني وليني ، وإياك أن تُهاني أو تهيني ، ما لك بين البشر مستقرا فاهدئي ، وبالله استعيني ..

لكنها نفس عدوة ، تأبى إلا الخروج ، وبعد زمن طويل ، زمن جدا ، جدا طويل ، يفتح بابه وينزل الشارع ، يجوب الشوارع ، يرى العيون تهاب أو تلوم أو تبتعد مشمئزة ، و كأنه كتلة من القذارة ... يستمع للكلمات الجارحة ولكنه صمم عدم التراجع ، أراد أن يكسر هالة الخوف داخله ،مضى في طريقه ليرى مطعما أمامه ، توجه نحوه وحين هم بالدخول صده صاحبه ، عذرا لا مجال ، أخرج محفظته إيحاء بحمله النقود ، فاعتذر الرجل مرة أخرى ، منظرك لن يشجع الزبائن على البقاء ، ابتلع الإهانة مجبرا ومضى ، ساهما ضائعا لا يفيق إلا على شتيمة ، أو كلمة بذيئة ، ثم ، دون سابق إنذار التف حوله مجموعة من المراهقين ، غطوه ، وفي لحظات كانوا يجرون بعيدا ، سرق الفتية محفظته ، ربما رأوه وهو يخرجها لصاحب المطعم فتبعوه ليسرقوها ، وها قد فعلوا ! ، فماذا يفعل ؟؟ كيف يتبعهم ؟؟ كيف يصرخ مستغيثا ؟؟ ومن يغيث احدبا ، مشلولا ، اخرسا ؟؟؟ ... ورغما عنه انطلقت من فمه ضحكة كبيرة طويلة جدا ، احدب مشلول اخرس ... تزداد حدة الضحكة وعمقها ، احدب مشلول اخرس ، شهقة طويلة مع الضحكة وبكاء محروق ، لماذا يبكي ؟؟؟ كان يضحك ، يضحك !! ، احدب مشلول اخرس يضحك !!!! أدار الكرسي عائدا لبيته ، وقرر ، ستكون هذه المرة اليتيمة التي يرى فيها نور العالم الخارجي !! ( و كأنه كائن من عالم آخر )

في اليوم التالي ، وفي الصفحة الأولى في صحيفة عريقة ، موضوع يحمل صورته فاتحا فمه بوسعه ضاحكا و هو يجوب الشوارع ، يقول :

" بلد حر ، وعقول متفتحة متفهمة ، والكل فيه مترابطون .. هكذا نحن في بداية القرن الواحد والعشرين !!! "
توقيع :  إيناس الطاهر

 

إيناس الطاهر غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس