الموضوع: كن مع الله
عرض مشاركة واحدة
قديم 07/12/2008, 05:45 PM   #7
حبيب محمود
لا أمثـّل إلا نفسي
 





من مواضيعي
 
* تجربة مهمة
* الواعدون


حبيب محمود is on a distinguished road
افتراضي

دارسو شعر الزّهد رصدوا سماتٍ خاصة في بنية هذا اللون من الشعر الذي صنّفه أسلافنا ضمن "شعر الحكم والمواعظ"..!



وبساطة التعبيرمن السمات المهمّة في شعر الزهد. وحين قرر أبو العتاهية أن يتخصّص فيه؛ حاول أن يُطبّق مفاهيم التفكير الأخلاقي والدينيّ من خلال لغة سهلة وعلى مستوى كبير من المباشرة. لقد سبق ابا العتاهية كثيرون من الشعراء الذي جعلوا من الشعر وسيلة من وسائل التقرّب إلى الخالق، وإثارة إحساس الضمير إزاء السلوك البشريّ الخطـّاء.



وقد نجح أبو العتاهية في بلورة مدرسة شعرية استفادت من تجارب الشعراء الذين مرّوا بتجربة "الوعظ" في نصوصهم، من دون أن يُكرر تجربة "الحكمة" التي عرفها الشعر العربي منذ عصره الأول. كان أبو العتاهية شاعراً متخصصاّ تخصصاً دقيقاً.



لكنّ مستوى البساطة في شعر الزهد يُمكن أن يُحسب عليه أيضاً. وأبو العتاهية ـ نفسه ـ لم ينجُ من الوقوع في شراك الركاكة والضعف، حين انهمك في مشروعه الخاصّ الزهديّ. وذلك بسبب توسله طرقاً محدودة في بناء القصيدة الزاهدة الواعظة، ومن أكثر الطرق المتوسّلة لديه هي طريقة "الإملاء" القائمة على فعل الأمر الصارم..!


الحقيقة هي أن الزهد، بمفهومه وأساسه، قائم على إعمال العقل إعمالاً صريحاً، والتفكير بصرامة قائمة على حقيقة واحدة من حقائق التفكير: هي حقيقة الاستسلام للآخرة كلياً، والتخلّي عن الدنيا كلياً. ولا يُمكن للفن عموماً، وللشعر بشكل خاص، أن يعمل بحرّية وانطلاق تحت هذا الحصار المضمونيّ المعطـّل، بالأوامر والنواهي المحضة..!


وهو على العكس من لون آخر من الشعر تحرّر من ضغط "الزهد" الوعظي.

إنه الشعر الصوفيّ الذي أسّس أنماطاً فارهة في لغة الشعر ووجدانه وخياله. والمدرسة الصوفية هي المدرسة التي أحالتْ التفكير العقلي الدينيّ إلى حالة عشق هائم وتخيّل يجوس خلال الخيال والمجاز مبتكراً ومكتشفاً ومتأملاً. الشعراء الصوفيون لم يستولوا على منابر الوعـّاظ ويفرضوا أساليب الترهيب بالنار والتشويق بالجنة. بل احترموا أودية الشعر وراحوا يهميون فيها عشاقاً مدلّهين، وفنانين يرسمون وينحتون ويصوّرون ويلوّنون، ويملؤون مساحة الورق عطراً مصدره حبّ الله.


تحياتي
حبيب محمود غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس