[خالد المعمري]

وداعا محمود درويش ...




" سجل أنا عربي ..
ورقم بطاقتي خمسون ألفْ
وأطفالي ثمانيةٌ
وتاسعهم سيأتي بعد صيفْ
فهل تغضب "


وداعا محمود درويش ... بكل لغة أفهمها أو لا أفهمها .. أقولها وأنا أستقبل رسالة نصية على هاتفي من أحد الأصدقاء مفادها " درويش يرحل كما تنبأ دون ضجيج ! " ، علمت لحظتها أن الشعر فقد أحد أعمدته الشعرية المعاصرة ، وحده الموت من يغيّب العظماء !!

درويش يرحل تاركا خلفه أمة تهوى الشعر وتعرف قيمته ، يرحل وقد وضع الحروف على نافذةٍ صغيرة تطلُّ على بحر كبير ، تحلق مع نوارسه ، وتغني أغنيات الحياة ، يرحل درويش وقد أوقد شموع الشعر ، ومنح الحب غيمة ماطرة ...

وقفتُ طويلا على " أثر الفراشة " ديوانه الجديد ، وكأنني أقف في جنة مثمرة ، لا أنتقل إلا بعد أن أطفئ رغبتي القوية حيثما توقفت .. درويش الساحر سحر القلوب والعقول بكلماته الرائعة وهو الذي يقول :

"هزمتك يا موت
الفنون الجميلة جميعها هزمتك
يا موت الأغاني في بلاد الرافدين
مسلة المصري
مقبرة الفراعنة
النقوش على حجارة معبد..
هزمتك..
وأنت انتصرت ".



محمود درويش آخر قصيدة بقيت لنا من زمن الشعر ، شاعر أثّرتْ كلماته السحرية في أقلام الكثيرين ، صنع من الحرف لوحة لا يتقنها إلا هو ، لا أعتقد أن هناك شاعرا لم يمر على تجربة محمود درويش ، ولم تؤثر فيه ، ولم يصنع من حروف درويش جسرا ليعبر أرض الشعر من خلالها ، درويش أصبح يسكن ذات الشعراء ، عن نفسي آخر ما كنت أقرأ لدرويش " أثر الفراشة " ديوانه الأخير الذي أتوقف كل مرة عند محطة من محطاته فلا أنتقل إلا بعد أن أشبع نفسي حيث ما وقفت ، هكذا درويش عندما يحط كحمامة بيضاء على أغضان الشعر ، لا نملك إلا أن نصفق لهديله ..


رحيل محمود درويش عن هذه الحياة يمثل فقدا عظيما للأدب العربي الحديث ، حيث تفقد القصيدة العربية عمودا من أعمدتها الشعرية و خارطة الشعر ستفقد جهة من جهاتها ، محمود درويش طيلة حياته الشعرية أثرى المكتبة العربية شعرا ، وقدم نفسه كشاعر ذي تجربة صافية النبع ، تجربة تتحدث بلغة الكل ، رحيل درويش دمعة جديدة تتحدر على خد الإنسان العربي ، ولحظة يختلط فيها الحزن بالذكرى ، ذكرى القصائد التي كانت تناجي الزمن وتعلنها ثورة في وجه التاريخ ، هنا فقط أتذكر ما قاله في ديوانه الأخير :

على قلبي مشيتُ كأنّ قلبي ..
طريقٌ أو رصيفٌ أو هواءُ

فقال القلبُ أتعبني التماهي ..
مع الأشياء وانكسر الفضاءُ

وداعا يا درويش ،، ستشتاقك السطور طويلا ..


خالد المعمري