عرض مشاركة واحدة
قديم 11/06/2008, 09:51 AM   #19
خالد الغاشم
يقين الحرف!!
 
الصورة الرمزية خالد الغاشم
افتراضي

.

.

.

وقف أعرابيّ على أبي الأسود الدؤلي وهو يتغدى فسلم فرد عليه ثم أقبل على الأكل ، ولم يعزم عليه .
فقال له الأعرابيّ :
أما اني قد مررت بأهلك . قال كذلك كان طريقك . قال وإمرأتك حبلى .
قال :
كذلك كان عهدي بها .
قال :
قد ولدت .
قال:
كان لا بد لها أن تلد .
قال :
ولدت غلامين .
قال كذلك كانت أمها .
قال:
مات أحدهما .
قال:
ما كانت تقوى على إرضاع أثنين .
قال:
ثم مات الآخر .
قال :
ما كان ليبقى بعد موت أخيه .
قال :
وماتت الأُم .
قال :
حزناً على ولديها .
قال :
ما أطيب طعامك .
قال:
لأجل ذلك أكلته وحدي والله لا ذقته يا أعرابيّ .

* * *

خرج أعرابيّ قد ولاه الحجاج بعض النواحي فأقام بها مدة طويلة ، فلما كان في بعض الأيام ورد عليه أعرابيّ من حيه فقدم اليه الطعام .
وكان إذ ذاك جائعاً فسأله عن أهله وقال :
ما حال ابني عمير .
قال :
على ما تحب قد ملأ الارض والحي رجالاً ونساءً .
قال :
فما فعلت أم عمير قال صالحة أيضاً .
قال :
فما حال الدار قال عامرة بأهلها .
قال :
وكلبنا ايقاع .
قال :
ملأ الحي نبحاً .
قال:
فما حال جملي زريق .
قال:
على ما يسرك .

فالتفت إلى خادمه ، وقال :
ارفع الطعام فرفعه ، ولم يشبع الأعرابيّ ، ثم أقبل عليه يسأله وقال :
يا مبارك الناصية أعد عليّ ما ذكرت .
قال :
سل عما بدا لك.
قال فما حال كلبي ايقاع .
قال مات .
قال:
وما الذي أماته ؟
قال:
اختنق بعظمة من عظام جملك زريق فمات .
قال :
أومات جملي زريق .
قال :نعم .
قال :
وما الذي أماته ؟
قال :
كثرة نقل الماء إلى قبر أم عمير .
قال :
أوماتت أم عمير ؟
قال : نعم .
قال:
وما الذي أماتها؟
قال:
كثرة بكائها على عمير .
قال :
أومات عمير ؟
قال :نعم
قال :
وما الذي أماته ؟
قال: سقطت عليه الدار .
قال :
أوسقطت الدار
قال :نعم .
فقام له بالعصا ضارباً فولى من بين يديه هارباً .

* * *

حكى بعضهم قال :
كنت في سفر فضللت عن الطريق ، فرأيت بيتاً في الفلاة ، فأتيته فإذا به أعرابيّة ،
فلما رأتني قالت :من تكون ؟
قلت: ضيف .
قالت :
أهلاً ومرحباً بالضيف ، انزل على الرحب والسعة .
قال : فنزلت فقدمت لي طعاماً فأكلت ، وماءً فشربت ، فبينما أنا على ذلك إذ أقبل صاحب البيت . فقال: من هذا ؟
فقالت :ضيف .
فقال :
لا أهلاً ولا مرحباً ، ما لنا وللضيف ، فلما سمعت كلامه ركبت من ساعتي وسرت ، فلما كان من الغد رأيت بيتاً في الفلاة فقصدته فإذا فيه أعرابيّة فلما رأتني قالت: من تكون ؟
قلت: ضيف .
قالت: لا أهلاً ولا مرحباً بالضيف ، ما لنا وللضيف ، فبينما هي تكلمني إذ أقبل صاحب البيت فلما رآني قال: من هذا ؟
قالت ضيف .
قال: مرحباً وأهلاً بالضيف ثم أتى بطعام حسن فأكلت ، وماء فشربت ، فتذكرت ما مر بي بالأمس فتبسمت .
فقال :
مم تبسمك فقصصت عليه ما إتفق لي مع تلك الأعرابيّة وبعلها ، وما سمعته منه ومن زوجته ،
فقال:
لا تعجب ان تلك الأعرابيّة التي رأيتها هي أختي ، وان بعلها أخو إمرأتي هذه ، فغلب على كلٍ طبع أهله .

* * *

ساوم أحد الأعراب حنيناً الإسكافي على خفين ، ولكنه لم يشترهما بعد جدل طويل ، فغاظ حنيناً جدل الأعرابي ، فقام وعلّق أحد الخفين في طريق الأعرابي ، ثم سار وطرح الآخر في طريقه ، وكمن له . فلما مر الأعرابي ورأى أحد الخفين قال :
ما أشبه هذا بخف حنين ولو كان معه الآخر لأخذته ، فتقدّم ورأى الثاني مطروحاً ، فندم على تركه الأول ،
فنزل وعقل راحلته ، ورجع إلى الأول ، فذهب حنين براحلته ، ورجع الإعرابي وليس معه إلا الخفان ، فقال له قومه :
ما الذي جئت به من سفرك ؟
فقال : جئت بخفي حنين .

* * *

حكى الأصمعي قال :
ضلت لي إبل فخرجت في طلبها وكان البرد شديداً ، فالتجأت الى حي من أحياء العرب وإذا بجماعة يصلون وبقربهم شيخ ملتف بكساء وهو يرتعد من البرد وينشد :

أيا رب إن البرد أصبح كالحـــــاً وأنـت بحالي يـا إلهـي أعلــــــــم

فإن كنت يوماً في جهنم مُدخلي ففي مثل هذا اليوم طابت جهنم

قال الأصمعي : فتعجبت من فصاحته وقلت له : يا شيخ ما تستحي تقطع الصلاة وأنت شيخٌ كبير ، فأنشد يقول :

أيطمع ربي أن أُصلي عارياً =ويكسو غيري كسوة البر والحر
فوالله لا صليت ما عشت عارياً =عشاء ولا وقت المغيب ولا الوتر
ولا الصبح إلا يوم شمس دفيئة =وإن غيمت فالويل للظهر والعصر
وإن يكسني ربي قميصاً وجبة =أصلي له مهما أعيش من العمر

* * *

قال الأصمعي : أصابت الأعراب مجاعة فمررت بأعرابي قاعد مع زوجته على قارعة الطريق وهو يقول :

يا رب اني قاعد كما ترى

وزوجتي قاعدة كما ترى

والبطن مني جائع كما ترى

فما ترى يا ربنا في ما ترى ؟


خالد الغاشم غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس