عرض مشاركة واحدة
قديم 20/05/2008, 07:52 PM   #2
عبدالجواد خفاجي
شاعر و أديب و روائي
 
الصورة الرمزية عبدالجواد خفاجي
افتراضي

النقد وأممية العرب (2)

عبدالجواد خفاجى

تبقى لنا أممية اللغة وهو ما تشير إليه العلاقة اللغوية بين المفردتين "أمة " و "عربية " كان بإمكانى أن أتفاءل بهذا المكون لولا أنه أساسًا تجميع متعمد لشتات لهجيٍّ لقبائل عربية ، وهذه هي طبيعة المعجم العربي، الذي ظل يعانى حتى الآن من إشكاليات الترادف ، وما تلاها من إشكاليات نحوية وصرفية كثيرة ساهمت إلى حد كبير في القضاء على أممية اللغة العربية ، والارتداد بالاستخدام اللغوي مرة أخرى إلى المظهر القبلي لها وأعنى به اللهجات . غير أن الاستخدام اللغوي فوق الخارطة الموسومة بالعربية الآن لم يعد خالصًا تمامًا للغات العرب ، بقدر ما أنه ارتداد بالأقليات غير العربية إلى لهجاتها غير العربية ، فيما ظلت الأكثرية تتلعثم في الأداء اللغوي الفصيح ، بينما السائد هو استخدام لهجي مخوزق بلغات أجنبية وافدة مع الحضارات الوافدة إلى ساحات العرب، وربما أن مقولة الكسائي : " إن لغة العرب أوسع من أن يلحن فيها أحد " تؤكد أن لا قاعدة مطردة في الأساس ، ومقولته الأخرى : " إن أنحى النحاة هو من لم يخطِّئ غيره " تؤكد بدورها تجزر القواعد وتشتتها واتساعها بحيث يصعب الإمساك بقاعدة دون أن نمسك بضدياتها، وبما ينقضها ويقوضها .. ليس من قاعدة ، وإنما هناك قواعد كثيرة ، وكل قاعدة تضرب الأخرى بيد أن هناك قاعدة متسيدة على غيرها بفعل عوامل تاريخية ، وربما بسبب الجغرافيا أحيانا ، وربما لأسباب عقدية كذلك ، والأمر نفسه بالنسبة للهجات ، هناك لهجة متسيدة ، ولهجات متنحية ..
نعود إلى أزمة الحضارة .. الكثيرون يتحدثون عن هذه الأزمة وكأنها بازغة لتوها ، والحقيقة هي قديمة بلغت الحضارة العربية الإسلامية أوجها في العصرين الأموي والعباسي ، ولم يتم القضاء عليها من خارجها ، أو بفعل الاستعمار كما يتصور البعض .. أوهل قضى الاستعمار على الدولة العربية ، وطمس معالم حضارتها في الأندلس ؟ أم أنها الطائفية والقبلية ؟ .. وهل ضعضع الاستعمار الحضارة العربية أم هو الصراع المذهبي والطائفي والقبلي ؟ .. هل انتهت هذه الألوان من الصراعات رغم انحسار الحضارة العربية ، أم مازالت تتحكم في الصراع حتى الآن وبنفس الآلية القديمة التي تنتهي غالبًا باستجلاب الطائفة ذات الطَّوْل من خارج العرب لتصلح بين طائفتين عربيتين مقتتلتين ، أو لتردع الأقوى منهما ، ثم لتلجم الاثنين بلجام الأفول؟! .. أنا لا أرى أحدًا قضى على أممية العرب غير العرب أنفسهم ، ولا أحد ساهم بالتالي في انحسار حضارتهم غير فهمهم القبلي للصراع ، وغير استبداد فكرهم القبلي برؤوسهم ، وغير جعلهم الدين خلفية لهذا الفكر القبلي الذي لخص شرف الحياة في التسيد القبلي ، وإن بدا الدين خلفية لهذا الفكر ، فهي خلفية توظف الدين لصالح القبيلة وليس العكس .
ونعود إلى السمة .. هل هي حضارة عربية ، أم إسلامية ؟ .. إذا كان من حضارة تسيدت في التاريخ فهي حضارة إسلامية كان منهجها ودستورها ومرجعها الإسلام , وقد صنعها العرب وغير العرب من المسلمين ، وبصرف النظر عن الأممية السياسية التي استبد بها العرب وحدهم في العصور الثلاثة الأولى للإسلام .. نصرف النظر عنها في هذا المقام لأنها لم تكن مرجع الحضارة ومنطلقها بقدر ما كان الإسلام هو المنهج والمرجع ، الذي حدث أن الأممية السياسية العربية القبلية هي التي نافحت الحضارة الإسلامية وقضت عليها ومن دون أن تدري ، فلنصحح المفاهيم إذن فالحضارة إسلامية ، وليست عربية

( يتـبع )
توقيع :  عبدالجواد خفاجي

 لأنى اسـتنطق الصمت كان لابد أن أُسْـكِتَ الضجيج

عبدالجواد خفاجي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس