عرض مشاركة واحدة
قديم 17/05/2008, 11:42 AM   #11
سليمان منذر الأسعد
شَاعر / سَادن البَوح
 
الصورة الرمزية سليمان منذر الأسعد
افتراضي

عودة إلى ما أثارته سودة..

أخشى أنني تورّطت في الحديث بصرامة وجدّية بعد أن كنت أميل إلى السخرية، فالدراسات النظرية حول هذه المسائل كثيرة جداً بحيث لن أضيف إلى هوامشها حرفاً. لكنني أحب أن أوضح رأيي الخاص في بعض ما قالته سودة، وهو أنني لا أرى الحداثة شراً مطلقاً، ولا خيراً مطلقاً!. مع أن التسمية نفسها تحمل خللاً اصطلاحياً لا مجال لتفصيله في مقام كهذا.
لا بعقل أن نظل إلى الأبد قابعين في خيمة امرئ القيس، ومتلحفين عباءة الأعشى بحجة أننا متعلقون بالتراث.
ولا يعقل في المقابل أن نستورد حضارة لم نشارك في بناء أركانها، ولا تناسب أصلاً دعائم حياتنا الاجتماعية والثقافية والدينية، ولا تصل أصلاً إلى مستوى مكتسباتنا التاريخية...
وكان علينا إذن أن نبني حداثة على مقاس حاضرنا دون أن نستعلي على تراثنا..
أما شعر التفعيلة يا سودة فلم يكن خروجاً مارقاً على بحور أبي الخليل.. بل كان تطويراً لها.
فهو لم ينقض تفعيلات الشعر العربي مقترحاً بدائل جديدة. بل انتزع تفعيلة واحدة ليبني عليها شطره الحرّ. وهذه الطريقة خلّصت الشعر من الحشو الذي يكتبه الشاعر ليتمم شطره دون معنى. كما أنها أتاحت للشاعر أن ينشئ "شطره" الشعري تبعاً لنفَسه وإحساسه الخاص..
وتلك كانت ثورة في عالم الموسيقى الشعرية لا بد أن نشكر السياب ومجايليه على إبرامها في أدبنا، لأنها قدّمت لنا منذ منتصف القرن الماضي نصوصاً جميلة ما كان لنا أن نبلغ سحرها لولا تفعيلتهم...
وفيما يتعلق بـ "الجنس الثالث" من الشعر، أو ما يسمى اصطلاحاً قصيدة النثر، فتلك مسألة تحتاج إلى كثير من التفصيل.. لكنني أيضاً سأحاول أن أدلي برأيي الشخصي إن كان هناك من يعبأ به.
كثير مما يكتب باسم قصيدة النثر لا يرقى إلى مستوى الأدب الرفيع، وكثير أيضاً يقترب من روح الشعر، وبعضه يصل إلى مستوى الإدهاش.. لكنّ افتقاره إلى الموسيقى العروضية يجعل تسميته شعراً مسألة شاقة علي، رغم ما يحكى عن موسيقاه الداخلية التي لا أشعر بها مطلقاً!.
لكنني - رغم كل ما قلتُ - أقدّر كل الأجناس الأدبية وليس لمثلي أن ينتقص من كتاب قصيدة النثر فبعضهم أصدقائي وبعضهم روّاد وأساتذة كبار أتضاءل أمام هامتهم، وعليّ أن أعتمد المقياس الجماليّ لا الشكلي للتفريق بين الكلام الجميل والرديء..
فالشعر المترجم هو قصائد نثر بطريقة أو بأخرى، ومن ينكر أن قصائد لوركا أو بيرون أو غيرهما قصائد رائعة؟ كما أنني أقرأ لموهوبين من أبناء جيلنا يكتبون النثر بطريقة ساحرة، لكنني أشعر أنهم يواجهون تحدياً أمام قرائهم لإثبات شاعريتهم، وهو أن يكتبوا قصيدة واحدة -على الأقل- تثبت تمكنهم من البحور العربية. وهو ما لا يفعله معظمهم!.
توقيع :  سليمان منذر الأسعد

 (( فإنّ الموتَ يعشقُ فجأةً مثلِي ....
وإنّ الموتَ مثلِي لا يُحبّ الانتظَار / محمود درويش ))

سليمان منذر الأسعد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس