عرض مشاركة واحدة
قديم 10/02/2008, 02:03 AM   #3
عبدالجواد خفاجي
شاعر و أديب و روائي
 
الصورة الرمزية عبدالجواد خفاجي
افتراضي

تابع الموضوع أعلاه :


2 ـ استخدام اللغة استخداماً سليماً وفق قواعدها على الأصعدة النحوية والصرفية والدلالية واللغوية والإملائية , وأن يكون قادراً على تنظيم الشكل الكتابى وفق آلية معينة يستخدم فيها علامات الترقيم وكافة الأدوات الأخرى, يدخل من ضمنها البنط الكتابى وحجمة ويدخل من ضمنها هندسة البياض والسواد فى الصفحة ، وتحضرني هنا مقولة " إن الأديب الجيد هو الذي يخدم اللغة بشكل جيد ، لا الذي يستخدمها بشكل جيد " وأري أن كلا الطريقين مسدودان أمام من لم يسيطر بعد على قواعد الاستخدام الصحيح للغة .
3ـ أن يضع فى اعتباره أن هناك سمة نوعية فارقة هو معنيٌّ بالضرورة بها لحظة أن يبدأ فى إنتاج النص، وهي سمة نوعية أسلوبية ورؤيوية تتوقف علي طريقته في التعامل مع اللغة، إذ عليه أن يبني اللغة بطريقة مخصوصة ، عندما يعرف متى يقدم ويؤخر عند بناء الجملة أو العبارة ، وعليه أن يعى كيف يأتي المجاز كثيفاً، وكيف يأتي التعبير رشيقاً، غنياً بالدلالات ، وغير ذلك عليه اللجوء إلى التعبير التصويرى والرمزى والإيحائى عن المعنى أو عن الحالة أوعن الموقف ، ليس هذا فحسب بل أيضاً أن يكون قادراً على تحقيق الإيجاز المطلوب، وعليه أن يتوقف عند كل كلمة ، أوعبارة ، أوتفصيلة حدت ليسأل نفسه سؤالاُ مهما : تري لو استغنينا عن هذه أو تلك هل سيتأثر المعنى؟ فإذا كانت الإجابة بـ" لا " فعليه أن يتخلص من الترهلات إذن .. وغير ذلك لابد أن يضع الأديب في اعتباره أنه معنيٌّ بالتعبير عن حالة سديمية، أو عن رؤية غائرة ، وليس عن معانٍ واضحة، أو سطحية، أو محددة جبرياً على عادة الأفكار والمعاني العلمية، مثلما أنه ليس معنياً بالتعبير عن رؤية اعتيادية، أو عن موقف اعتيادي ، وليس ناقلاً لما يألفه الناس، وليس بنفس الطريق التى يعبرون بها وهم يلوكون الأخبار والحكايا .. إننا بحالة ما لسنا على استعداد لأن نتوقف عند محطة كاتب يَدَّعي ـ مثلا ـ أن لدية قصة قصيرة عن حرب أكتوبر بين الجيش المصري والجيش الاسرائيلي في سيناء عام 1973، ثم نفاجأ أنه لم يزد عما تناقلته الدوائر الإعلامية و السياسية و العسكرية أو حتى عما يتناقله الجنود العائدون من الحرب .. لاشك أنه أديب مخيب للآمال إذ يستهلك وقتنا فيما خبرناه، وربما بأكثر من خبرته، غير أن الاشكالية ليست في أنه قدم حكاية ألفناها وخبرناها أكثر منه أو أقل ، الاشكالية تكمن في : ما الذي يريد الوصول بنا إليه من وراء الحكاية تلك ، وهل هذه الرؤية المستهدفة تقع أيضاً في إطار خبراتنا الاعتيادية ام أنه يصعد بنا إلى منطقة رؤيوية جديدة لم نألفها من قبل؟.

فيما أظن أنه بغير ذلك تنتفى عن الأديب خصوصيته كمنشىء باللغة، وكرائي ، وكرؤيوي ، ومن ثم يصبح كل خطاب يقدمة إعتيادياً, ومن ثم فكل كتابة يقدمها تقع بالضرورة خارج الكتابة الأدبية .

*******

ثانياً: الجوانب الفنية للنص القصصي

1 ـ القصة كعمل درامي:
لقد تطور فن القصة في خلال القرون الثلاثة الماضية حيث وصل في عصرنا الحاضر إلى ما يُسمى بالقصة الدرامية، ولا شك أن القصة ذات الطابع الدرامي هي أرقي أنواع التعبير القصصي المعاصر ، والدراما تعني ببساطة الصراع في أي شكل من أشكاله ، والتفكير الدرامي هو ذلك اللون من التفكير الذي لا يسير في اتجاه واحد ، وإنما يأخذ دائماً في الاعتبار أن كل فكرة تقابلها فكرة، وأن كل ظاهر يستخفي وراءه باطن، وأن التناقضات ـ وإن كانت سلبية في ذاتها ـ فإن تبادل الحركة بينها يخلق الشيء الموجب، ومن ثم كانت الحياة نفسها إيجاباً يستفيد من هذه الحركة المتبادلة بين المتناقضات.
وإذا كانت الدرما تعني الصراع ، فإنها تعني أيضاً الحركة من موقف إلى موقف مقابل، ومن عاطفة أو شعور إلى عاطفة أو شعور متقابلين، ومن فكرة إلى وجه آخر من الفكرة ، وهي موضوعياً ـ أي الدراما ـ تتخذ مادتها من الحياة ، وربما لهذا يقال : إن الحياة في طبيعتها درامية .. طبيعة بناء الحياة في مجملها قائمة على هذا الأساس الدرامي، فلا غرو أن تتمثل الدراما في كل جزئية من جزئيات هذا البناء، وأعني مفردات الحياة ذاتها. وربما لهذا يقال إن التفكير الدرامي تفكير موضوعي إلى حد كبير حتي عندما يكون المعبر عنه موقفاً أو شعوراً ذاتياً صرفاً. وعموماً فإنه ليس من السهل أن يتحقق الطابع الدرامي في العمل القصصي ما لم تتمثل وراءه أو فيه العناصر الدرامية الموضوعية الأساسية وأعني بها الإنسان والصراع وتناقضات الحياة ومفارقاتها.
وبجانب خاصيتي الحركة والموضوعية اللتين تميزان التفكير الدرامي هناك خاصية اساسية هي التجسيد ، إذ لا يأتلف التفكير الدرامي ومنهج التجريد؛ لأن الدراما أي الحركة لا تتمثل في المعنى أو المغزي ، وإنما تتمثل فيما يؤدي إلى معنى ومغزى، وأعني الوقائع المحسوسة التى تصنع نسيج الحياة ، ومن ثم كان التفكير الدرامي هو التفكير بالأشياء، أي مجسماً لا تفكيراً تجريدياً، ولهذا فإن من سمات العمل القصصي الدرامي أنه يعني بالتفصيلات الحية والجوهرية.
ولذلك فإن طبيعة العمل الفني الرامي ينظر إليها من جانبين، الفني والرؤيوي معاً، إذ لا يمكن أن يكون التفكير دراميا والنتج الفني غير ذلك، والعكس أيضاً صحيح، ولا يمكن أن يكون التعبير درامياً مالم يكن الدافع الأول للكتابة يحمل في ثناياه بذوراً درامية.
فمن حيث الرؤية فإن الفنان في إطار التفكير الدرامي يدرك أن ذاته ليست معزولة عن بقية الذوات الأخرى في العالم الموضوعي بعامة، وإنما هي ـ ومهما كان استقلالها ـ ليست إلا ذاتاً مستمدة من ذوات تعيش معها في عالم موضوعي تتفاعل معه ، وهو ينفتح ببصيرته على دراما الحياة في مسيرة سعيه الدؤوب لرصد الأشياء وفهم الحياة على التناقض الذي يتمثل في أبسط جوانب الحياة قبل أن يكون في أكثر الجوانب تعقيداً. وهو ـ أي الفنان ـ في حالتي الصراع ورصد المتناقضات ، و المفارقات قادر على أن يقدم إلينا إنتاجاً درامياً من الطراز الأول، إذ يستطيع أن يقيم بناء فلسفياً يفسر لنا الحياة والأشياء تفسيراً خاصاً. ، ومن ثم ـ وفي إطار التفكير الموضوعي ـ لا يمكن للفنان أن يصب شعوره أو فكره إلا في إطار البنية الدرامية العامة للحياة.
ولذلك يقال إن من طبيعة التفكير الدرامي أنه لا ينظر في اتجاه واحد ، ولا يتوقف عند السطوح ، ولا يقول ما قيل من قبل ، ولا يقول ما قيل دون معاناة، وكما قال الدكتور عز الدين اسماعيل في معرض حديثه عن النزعة الدرامية : " إننا في عصر لم تعد فيه السطوح الملساء تستثيرنا، لكثرة ما استثارتنا من قبل ولم تعد الأنوا وحدها تبهرنا، ولم يعد الظلام وحده يخيفنا، ولكن حين يجتمع النور والظلام يكون البهر والخوف" ، وربما أن المثل القديم " إنما يظهر الشىء ضدُه" قائم أساساً على تصور الفكرة بين نقيضين، هكذا يمكننا أن نقرر أن النبرة الوعظية المباشرة ، والخطاب الممهود المسطح،الذي يؤثر السلامة فوق السطوح الملساء، لم يعدا لهما موضع في الخطاب العصري الدرامي، ربما لأنهما فقدا جدواهما على التأثير، لمجافاتهما طبيعة الحياة من جهة ، ومن جهة أخرى لأن إنسان العصر لم يعد من السذاجة التي تجعله بحالة ما يتأثر بخطابات لا تتماهي مع طبيعة الحياة المتصارعة، بمفارقاتها، وانهياراتها المتلاحقة، وحركيتها التي لا تريم. وربما لهذا يقال: لا تسطح ولا استواء في العمل الدرامي، والفنان المنهمك في فهم الحياة لا يمكن بحالة ما إلا أن يكون صاحب نزعة درامية مسيجة بالوعي الشمولي، وإن وعي الفنان هذا هو ما يحميه دائماً من التسطح والإبتذال والتفاهة، وربما لهذا يقال أيضاً : إن السارد (الراوية) المطمئن غير مقنع وغير منطقي وغير مؤثر، إن اطمئنانه يجعله منفصلا عن الواقع المضطرب الذي يتصارع من حوله، ولذلك يقرض عليه اطمئنانه كثير من التمهيدات والتهييئات قبل الدخول إلى الحدث، كما يعطيه سلطة السيطرة على الزمن ، فنراه يوقف الدراما ويعطل الحركة أحيانا ممارساً ثرثرته حول الحدث، وحول أفعال الشخوص وتصرفاتهم، وهو غير مقنع لأنه في عالم اللايقين يمكنه أن يدخل إلى رؤؤس ونفوس الشخوص لينقل لي بدلا عنهم كيف يسعرون الآن، وفيما يفكرون.
ومن حيث الفن فإن للتعبير الدرامي وسائله في النص القصصي الكثيرة، منها ما نلمسه من عناية بالتفصيلات الحية والجوهرية والتى من خلالها تتجسد رؤية القاص، فمهما يقال إن الدراما متجسدة في الحياة ، فإن اكتشافها رهن برؤية الفنان عموماً.، ما نلمسه على مستوى الحدث من صراع بين النقائض، وفي الحركة والحركة المتقابلة بين الأفعال وردود الأفعال، وسائر المقابلات التى تغزى الدراما، ، وعلى المستوى التعبيري ما نلمسه فى اللغة من مقابلات.بين الصور والمفردات، أوبين الجمل والألفاظ، أو المقابلات بين الأبعاد الداخلية للشخوص وخارجهم، ولهذا كان الحوار بنوعيه الداخلي (المنولوج) والخارجي (الديالوج) من عناصر المغذية للدراما في النصوص لو أحسن توظيفهما، ومن شواهد التعبيرالدراما أيضاً ارتباط اللغة بالموقف الدرامي الذي يعبر عنه الفنان، ولذلك من ضمن فنيات القصة الدرامية وجمالياتها أن تأتي لغة السرد الدرامي متوائمة مع الحدث ومع الشخوص وبيئاتهم ورغباتهم ومستوى تفكيرهم.
ولنا أن نتوقف ـ ونحن في طريقنا إلى الأسس البنائية للقصة القصيرة ـ عند السارد (الراوية) باعتباره صاحب السرد، وصاحب وجهة النظر القصصية ، وصاحب منظور القص الذي يمارس من خلاله رصد الأحداث، أو باختصار هو أداة المؤلف للتعبير عن الدراما.


( يتبع )
توقيع :  عبدالجواد خفاجي

 لأنى اسـتنطق الصمت كان لابد أن أُسْـكِتَ الضجيج

عبدالجواد خفاجي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس