إملاءات المطر

إملاءات المطر (http://www.emlaat.com/vb/index.php)
-   حرائـر غيمتي (http://www.emlaat.com/vb/forumdisplay.php?f=5)
-   -   دعوني وشأني ..! (http://www.emlaat.com/vb/showthread.php?t=3729)

ماجد عبد الرحمن 14/04/2010 08:46 PM



لم أقترب من الموقدِ كثيراً ..

بضعُ خطواتٍ تفصلني عن الاحتراق ..

النارُ لا تتحدثُ إلا بـ ألغاز ٍ غير مفهومة ..

الحطبُ لا يُعَذَّبُ في النار ..

الحطبُ لا ينطفئُ سُدى ..

فـ الرمادُ الذي يُخلفهُ يُصبحُ مهرجاناً في اليوم التالي ..

أخذتُ أنا وصديقي بعضاً منهُ ورسمنا على وجوهنا :

شاربَيْ قطٍ ؛ وقرناً على أنفٍ صغير ..

لم نكن نتناطحُ بـ الطبع ..

لكننا اختبأنا كلٌ في مكان ٍ يتسعُ له ..

خرجَ صديقي بعدَ فترةٍ يبحثُ عني ..

وأنا أختبئُ في حاويةِ تفاح ٍ خشبية ..

كانت أسطوانية ً منتفخة ً من المنتصف ..

ورائحة ُ التفاح ِ تملؤها ..

" آآهِ يا امرأة ً اعتنت بي في غياب المشرفة ..

صوتكـِ الآنَ يضمّ اختفائي ..

ودفئكـِ يلمني من أطرافِ الأرض .. "

كانَ صديقي قصيراً لا يستطيعُ النظرَ داخلَ الحاوية ..

فـ فضلتُ المكوثَ قليلاً حتى مضى ..

وبـ التالي بكيت ..!


ماجد عبد الرحمن 14/04/2010 08:48 PM



في اليوم الأول من المدرسةِ حضرتُ متأخراً ..

أمسكني المدرّسُ من يدي اليُمنى ..

وسارَ بي إلى المدير ..

فوجئتُ بـ السيدِ " زيس " جالساً خلفَ مكتبٍ كبير ..

مكتبٌ كـ مائدةِ الحيّ إلا أنهُ طويل ..!

فـ خفضتُ رأسي أسفلَ المكتب ..

أبحثُ عن لسان ٍ لـ هذا الشيء ..!

زيسُ الثريّ جداً ابتسمَ لي قائلاً :

لم أركَ في نافذةِ العليةِ منذ زمن ..؟

وهنا ركضتُ خلفَ المدرّس واختبأت قائلاً :

أنا لم أركَ من نافذةِ العليةِ منذ أن اشتريتَ المنزل ..؟

ابتسمَ زيس ؛ وقدّمَ طبقاً مليئاً بـ الحلوى ..

لم آخذ قطعة ً منه ..

انتظرتهُ أن يُخبرني عن اسم الحلوى كـ صديقي القديم ..

صرختُ :

أريدُ فراولة ..

قهقهَ زيس ..

وكدتُ أ ُخرجُ أصبعي الأخضر لـ أطعنه ..

لكنني لم ألحظ فرواً على جسده ..

أخبرني الثريّ العجوز أنني أعجبه ..

لـ ذلكَ قرّرَ أن يُهديني ثوباً جديداً ..

وحقيبة ً جديدة ..

آآه يا زيس ..

أريدُ صديقي القديم ..

وذكرياتي القديمة ..

أريدُ المرأة َ التي اعتنت بي في غيابِ المشرفة ..!



ماجد عبد الرحمن 15/04/2010 02:53 AM



وأريدُ أن أحزن ..

كـ ما يحزنُ الأطفالُ عادة ً على أيّ شيء ..

أريدُ أن يختفي شِقّ شفتي العلويةِ في السفلية ..

وأن أنظرَ بـ رأس ٍ منخفض ٍ إلى الأعلى ..

أريدُ أن أبكي ..

فـ البكاءُ حقّ مشروعٌ لي كـ طفل ٍ ناضج ٍ لـ سببٍ ساذج ..!

وأريدُ أن " أريد " ..

لا حقّ لي في هذا الميتم الباهت ..

الأشياءُ العالية ُ عالية ً هكذا ..

دونَ سببٍ واضح ..

والأشياءُ السفلية ُ سفلية ..

وأنا " أنا " ..

وصديقي هوَ أيضاً طفلٌ مثلي تماماً ..

لا أريد حلماً أحلمُ به ..

أريدُ حلماً يتحقق ..

هكذا تمتدّ إليهِ أصابعي حتى تلمسهُ وتـُثلج ..!





أريدُ أن أحزن ..

فـ الحزنُ مشروعٌ في هذا العالم ..

والفرحُ إن جاءَ فـ لا بأس ..

أما الحزنُ فـ هذا حقي الأولُ في تركةِ أبي ..

ووفاة ُ أمي ..

وذلّ المشرفة ..!


ماجد عبد الرحمن 19/04/2010 02:31 AM



وأنا متعبٌ يا أمي ..

مجهدٌ كثيراً من وطأةِ الأيام ..

وقلِـقٌ عما سـ يؤولُ إليهِ مصيري ..

أريدُ أن أبكي ..

كي أتنفسَ أكثر ..

فـ الغصّة ُ تملأ قلبي إلى فمهِ النازف ..

وحلقي جافٌ كـ صحراء خامدةٍ في الداخل ..!

أنا متعبٌ يا أمي ..

أنظرُ إليّ بـ وجهٍ لا أعرفهُ في المرآة ..

وأنا بـ خير ..

بـ خير ٍ إلا من ذاكرة ..

الأشياءُ البسيطة ُ يا أمي باتت أصعب ..

والصعبة ُ انقضى زمنها منذ أمدٍ ليسَ بـ بعيد ..

ولم أخبركـِ يا أمي عن ألمي ..

وعن الليل الذي لا أنامُ بهِ دونَ أن أتذكر ..

قدري أن أمتلكَ ذاكرة ً لا تـُمحى ..

وقلباً يئنّ كـ مُقعَدٍ تماماً ..

أمي ؛ يا وجهَ السماءِ في شكلها الأول ..

يا صوتَ المرأةِ الأولى لديّ ..

المرأة ُ الكاملة التي لا تنقصُ كلما أخذتُ منها ..

والتي لا تزيدُ كلما أثقلتُ عليها بـ همومي ..

أمي ؛ من أيّ ترابٍ يأتيني الوجع ..

أيّ طيني ٍ أنا أو أيّ مائيّ ..؟

وحلقي جافٌ كـ جرادةٍ ميتة ..

متحطبٌ كـ شجرةٍ سقطتْ منذ ألفِ عام ..

أخافُ أن أشربَ ماءً فـ تخضرّ ..

وأنا لا أشعرُ بـ الهدوء ..

ولا أشعرُ بـ الطمأنينة ..

أريدُ أن أنام ..

ولو في ثلاجةِ موتىً باردة ..

أريدُ أن أغفو بـ لا ذاكرة ..

بـ لا وجع ٍ بـ لا ألم ٍ بـ لا جفاف ..

أريدُ أن يتبخرَ حزني من جلدي لـ تنخفضَ حرارتي ..

أن ينبضَ قلبي دونَ إحباط ..

رأسي ممتلئٌ بـ حكايا اليتامى والمشردين ..

بـ قاطعي طريق ٍ مظلم ..

ممتلئٌ بـ كلّ خطأ ٍ تشجبهُ الإنسانية ..

أنا أتألمُ يا أمي ولا يظهرُ ذلكَ في عيني ..

ولا أستفرغُ شيئاً منهُ على طاولةِ حديثنا ..

أخشى أن أضمكـِ فـ تلمسي هذا الخوف داخلي ..

أخشى أن أضمكـِ فـ تـُفجعي بـ مقدار التعب ..

أن أكونَ ثقيلاً بينَ يديكـِ كـ صخرةِ كِلس ..

أنا مجهدٌ ومرهقٌ ومنهك ..

وصوتكـِ الذي يتخللُ أوردتي فـ يمشطها من الحزن ..

ويستوطنُ داخلي ليلاً كاملاً كـ جندي ٍ نبيل ..!

أخشى عليكـِ مني ؛ ومنكـِ عليّ ..

أخشى على كلينا منا ..!

ماذا حلّ بي ..؟



ماجد عبد الرحمن 21/04/2010 02:05 AM



في المدرسةِ تعرّفتُ على صديق ٍ جديد ..

لم يكن حميماً كـ ما أردت ..

لكنهُ صادقٌ على الأقل ..

في الاستراحةِ الأولى لـ ثالثِ درس ٍ أخذناه :

ذهبتُ معهُ لـ نتسلقَ شجرة ً في الفناء ..

أنا صديقُ الأشجار وهوَ لا ..

لـ ذلكَ وقعَ وجُرحتْ ساقهُ بـ بشاعة ..

حملني المدرّسُ مرة ً أخرى إلى " زيس " ..

والذي قدّمَ لي طبقاً مليئاً بـ الحلوى ..

وأنا أنظرُ تحت المكتبِ إلى لسان ٍ رأيتهُ أخيراً ..

أخبرني " زيس " الدافئ أنهُ لا يريدُ مني تسلقَ الشجرة ..

وإن فعلتُ ذلكَ سـ يقومُ بـ توبيخي ..

لا أكترثُ لـ توبيخ ِ زيس / المشرفة / طفلها / الفأر الجائع ..

لا أكثرتُ لـ توبيخ ِ أحد ..

أنا رجل ؛ أقلهُ هذا ما اعتقدته ..

وحينَ تطورت الأمور من تسلق ِ شجرةٍ ..

إلى قفز ٍ بينَ الأشجار ..

أوقفني " زيس " يوماً كاملاً على قدم ٍ واحدة ..

لـ ذلكَ عدتُ إلى الميتم بـ القدم ِ الأخرى ..!

هنالكَ قابلتُ الشجرة َ العجوز ..

والتي كانت غاضبة ً مني كثيراً ..

أخبرتني أنّ أبناءها غاضبون ..

وأنني آذيتهم عندما كانوا يرعونَ الصبية َ في المدرسة ..

اعتذرتُ لـ الشجرةِ الأمّ ..

وانحنيتُ لها ..

ووقفتُ على قدم ٍ واحدةٍ ويدين ِ في الهواء ..

وتمايلتُ تمايلتُ تمايلت ..

حتى سقطتْ مني تفاحة ..!



ماجد عبد الرحمن 21/04/2010 10:24 PM



الذي يفيضُ مني خارجاً ..

ليسَ بـ الضرورةِ أحمرُ اللون ..!



ماجد عبد الرحمن 23/04/2010 04:10 AM



أوردتي صدأة ٌ بـ حزن ٍ قديم ..!


ماجد عبد الرحمن 23/04/2010 04:12 AM



يقولونَ أني بـ خير ..!

كنتُ على غيمةٍ بيضاء ..

لكنّ الوريدَ الخارجَ مني :

يمتدّ طويلاً إلى قلبٍ يَقـْطرُ تلقائياً ..!


ولـ أني لستُ نائماً أو في حالةِ إفاقة ..

فـ قد كنتُ أسمعُ أصواتهم من بعيد ..

رغمَ قربِ المسافةِ بيني وبينهم ..

كـ أنْ تشعرَ بـ ألم ِ أحدهم وهوَ بعيدٌ عنك ..!


الوريدُ يهتز ..

طرفهُ دقيقٌ جداً كـ مسألةٍ شائكة ..

وطرفهُ الآخرُ ينتفخُ كـ بالون ِ العيد ..

أنا ملقىً لـ تأكلَ مني الأرض ..

وتـُنبتني السماءُ على مهل ..!


قالوا أني بـ خير ..

رغمَ ذلكَ لم أشعرْ بـ ما قالوا ..

ولم أشعرْ بـ سوئي أيضاً ..

حالتي تسمحُ بـ شيءٍ واحدٍ فقط :

النسيان ..!


وفي النسيان ِ ما يجعلكَ قادراً على التركيز ..

كـ أنْ تنسى جلوسكَ بينَ أربعةِ أشخاص ..

وتركزَ على شخص ٍ خامس ٍ ليسَ معكم :

تـُرى كيفَ هوَ الآن ..؟


النسيانُ أولُ حاسةٍ لا تـُلمسُ بـ اليد ..

يليها الخوفُ والشكّ والفرح ..

الحزنُ يتجسدُ دمعاً ..

الفرحُ يحبسُ أنفاسك ..

أما الخوفُ فـ لا ..

الخوفُ ما بينَ هذين ِ الإثنين ..

فـ هوَ يتجسدُ كـ رعشة ..

ويُحبسُ فيكَ كاملاً إلا وجهك ..

لـ ذلكَ تبدو شاحباً لـ من يراك ..!




الساعة الآن 08:11 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.8 Beta 1
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
3y vBSmart
جميع الحقوق محفوظة لـ منتديات إملاءات المطر الأدبية - الآراء المطروحة في المنتدى تمثل وجهة نظر أصحابها