بيع ..!
بدأ الصبح يتنفس من بين أضلاع الليل .. البرد يكتنف المدينة .. ندف الثلج تتساقط .. أنفاسي تضطرب في صدري .. أحاول أن أوقد نارا .. فلا أجد قطعة من حطب .. أطفالي نائمون .. يلفحهم الزمهرير .. فلا يستطيعون أن يخفوا أقدامهم في "غطاء" .. الشتاء لا يرحم .. و أنا أتعثر فلا أرحمهم .. والدهم قتل .. بعد أن اندلعت فتنة القتل .. قتل لأن اسمه يدل على مذهبه .. وجدته في الطب العدلي ..بعد أن طلبوا قطاع الطرق فدية تقدر بالملايين .. لم يكن معي المال .. توسلت بهم و لهم أن يتركوه ليس لي في هذه الدنيا سواه .. كان والدي و زوجي و أخي .. و كل شيء ..صمت المتحدث .. و أعطى السماعة لزوجي .. كان صوته يرتجف .. كنت أشعر بذلك .. زوجي لم يكن شريرا أبدا .. كنت أقول له و أنا أبكي بشدة " سأجمع الفدية" لا تهتم لذلك .. حينما أراد أن يقول شيئا ..أخذوا منه الهاتف .. و حادثني رجل آخر .."سنقتله .. لا أسهل من ذلك .." -الشرطة .. القانون ..؟ - هه .. يعيش القانون ..! أغلق الهاتف .. و بعد يومين فقط .. أتصل بي رجل بأن آتي لأخذ الجثة .. أغلقت الدنيا في وجهي أبوابها .. و بدأت .. أشعر بهوان الأرملة .. و بمرارة اليتم ..أطفالي الثلاثة .. أصبحوا يتوسلون بي .. أشعر بذلك في نظرات أعينهم .. الصغيرة .. حتى الرضيع .. أشعر به يصرخ بي " أمي لا تتركيني أموت جوعا.." .. صرت رجلا .. هكذا صرت .. يوما نجد لقمة .. نسد بها جوع بطوننا .. و يوما .. لا نجد غير الخيبة .. يوما نمرض .. فلا نجد دواء .. و يوما ..تتمزق ملابسنا البالية أصلا ..فلا نجد من يسترنا .. يوما .. كنت أجلس بطفلي الرضيع .. أتوسل أمام أحد المساجد .. التقط ما قد تجود به النفوس .. اقترب مني رجل ما و قال و هو ينظر لطفلي .." ما أجمله .. غير أن العوز ظاهر على محياه .." - والده شهيد .. و لا عائل لنا .. و حين أردت أن أكمل حديثي .. همس لي " من الأجدر بك .. أن تبحثي عن من يرعاه ..!!" الدنيا تدور في عيني .. " ماذا ..؟!" أخرج ورقة فيها أرقام .. و مدها إلي .." أشتريه .. و أعطيك ما يجعلك ملكة للأبد ..و تستطيعي أن تربي أخوته .." نهضت .. بطفلي .. و سقطت الدراهم أرضا ..تلمست بكفي رأسه الصغير .. و أضلعه البارزة ..و نظرت لعينيه الشاحبتين .. أيعقل أن أتخلى عنك و عن أخوتك ..؟! اللعنة على لحظات الفقر .. اللعنة على تلك الحاجة .. التي تجعلني أقف منحنية إلى جانب جدار و أمد يدي.. الموت لأولئك الذين ينعمون بالنعيم الدنيوي .. و يدور بهم الكرسي .. من مكان إلى أعلى منه .. لم أشعر بنفسي إلا أمام .. جارتي في البيت و الفقر .. كانت تبحث في النفايات .. عن علب مشروبات .. أو أي شيء قد يباع .. -ماذا هناك ..؟ أراك تسيرين شاردة .. - لا شيء .. غير أن هناك من يريد شراء طفلي ..! و بسعر غال جدا .. شدهت جارتي .. حين سمعت ما أقول ظننتها .. ستقول لي "يا مجنونة ..!" لكنها كانت تتفقد أطفالها الذين تكوموا في كومة النفايات ..! ما زالت الورقة في جيبي .. و ما زال ابني .. يبكي من الجوع .. و كذلك أخوته .. خرجت به بحثا .. عن طعام .. عن راحم يرحمنا .. الحياة ليست سهلة .. الألم أكثر من الأمل فيها .. حياة أحدنا.. حياة كريمة أفضل من يموت فقرا .. و جوعا .. و عوزا .. أن يحمل القدر أحدهم .. إلى مكان جميل و أبوين بديلين .. و يتعلم .. و يدرس .. خير من أن يموت في السجن مثلا .. بعد أن يسير في الدرب الخاطئ .. ليس مهما كم من الدموع سأذرف .. المهم أن تبقى روحي التي وهبتها هذا الصغير حية ..سأتألم .. لكن سأشفى .. بعد أن أشعر بأني قد اخترت له حياته .. كانت الورقة تهتز بين يدي .. و أنا أنتظر الرجل .. الذي سيأتي .. انتهزت الثواني .. بضم صغير و شم شعره .. و جسده .. كنت أوصيه أن لا ينساني أبدا .. "أنا لا أكرهك يا طفلي .. لكني أهبك الحياة .. لا أريد أ تموت بين يدي جوعا .. سامحني يا طفلي .. سامحني .. لكني أمك فلا تنسى ذلك .. حينما تكبر .. تعال لتراني .. أو لتذهب لقبري .. صدقني إني أحبك .. أحبك .." لم أر الرجل .. الذي جاء و معه امرأة خمسينية .. كانت عيناي مملؤة بكم كبير من الدموع .. و بصوت شهقاتي .. المرتفعة .. لم يكونا ليواسياني .. بل رميا .. المال في وجهي .. وطلبا مني توقيع ورقة صفراء .. كنت أوقع و أنا مذهولة لا أعي ..هل أنا فعلا أنا ..؟! التقطوا طفلي من بين يدي .. لم ينتظراني .. بل اختفيا .. اختفيا بين الجموع ..كنت أهذي .."انتظرا ..طفلي .. جائع .. إنه يريد حليبي .. انتظرا ..!" |
مؤلمة جداً يا ريم...
حالة مزرية تلفُّ الأسرة , ضياع مشاعر وعذاب وتشتت وفقدانٌ وخسارة . وغريب ما يجري.. رغم ألمها فقد انتشرت هذه الظاهرة كثيراً في البلدان الفقيرة جداً . لا نستطيع الحكم على شخص إلا إن كنا بمكانه , فلا أنا بالمؤيدة ولا الرافضة لمثل هذا الفعل ... ربما به وجهة نظر حيث سيعيش الطفل حالاً أحسن بكثير من الحال الذي ينتظره بالقرب من أمه وأخوته . وقد يكون نازعٌ للأمومة والإنسانية والمشاعر, قأي قلب يستطيع أن يجتثَّ فلذة كبده ؟؟ لا يسعنا إلا القول : لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ..اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين ... واسترهم في الدنيا والآخرة دعواتي لكِ ريم , دمتِ ممطرة في إملاءاتكِ |
بَاكِية جداً يا رِيم ، أنتِ روائِية جيدَة وجميلَة جداً . . صدقاً هذا الحضُور افتَقدنَاهُ كثِيراً :) دوومًا أنعِشينا :Heart: لقلبكِ / أعذَب الأمنِيَات وأطيَبَها :blush: :rose: |
و الله ما كنت لأبيع قطعة حشاي و لو كلفنا الأمر أن نموت جوعا في أحضان بعضنا البعض!! كيف و قد تكفل الله برزق كل دابة قال الله سبحانه وتعالى في سورة الأنعام: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ (151)}. ... ثم كررها تأكيدا في موضع آخر في سورة الإسراء: ({وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم إنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْءاً كَبِيراً } فكيف لأم أن تصرف على قوتها ثمن فلذة كبدها!!! و كيف لها أن تعلم أن الذين ابتاعوه سيربونه على المنهج القويم و ينشؤونه كما أرادت له في عيشة كريمة، و ليس غرضهم المتاجرة به فيما يغدق عليهم أضعاف ما دفعوه، أو معاملته بلا رحمة أو شفقة!! فليس من قلب يحمل مثقال ذرة من رحمة يستطيع أن يشتري طفلا من أمه و يدفع ثمنه نقودا زائلة! لو كفله يتيما لنال أجر كفالة الأيتام بدلا من أن يشتري من أمٍ روحها!! مؤلمة جدا يا ريم... تضعين يدك على الصميم في سرد قصصي يسفر عن أحوال المجتمع بطريقة خلابة.. قاصة مبدعة لا يشق لك غبار.. اقتباس:
ألا توافقينني؟؟: أن الفعل (توسّل) إذا تعدى بحرف الجر (الباء) فإنه يفيد معنى التقرب بغير الله، أما إذا إذا تعدى بحرف الجر (إلى ) فإنه يفيد معنى (الاسترحام و طلب العفو و التخفيف) و التوسل إلى الله طلب القربى أما التوسل بالعباد فهو طلب القربى إلى الله بواسطة عباده.. و الله أعلم |
رِيم مُحمّد رَغْمَ الوجَع الذي يكسوها أتَتْ رائِعة كَأنتِ لكِ عطر المُفردات ونفث الأبجديات |
. قمةُ الوجع ... أن تننفسَ من سَمِّ إبرة ! ريم مُحمّد أزهرتْ بكِ الجدائلُ .. / إيمَان |
اقتباس:
|
قلبُ الأمّ لا يلفظ وليده
هو نُقص الإيمانْ فالفقرُ أحيانًا يبلغُ بالمرء لأن ينقصَ إيمانهْ أو يتلاشَى مبدعةٌ يا ريمْ .. في شوقٍ دائمٍ لهكذا سرد إضافةً لما تكرّمت به شاعرة الأوركيد "مملؤة / مملوءَة " مودّة ،! |
اقتباس:
كم سررت بردك البهي .. لقلبك flwr2 . دمت نابضة .. |
اقتباس:
. شكرا بحجم النقاء لك .. لكن .. أعاني من صعوبة تصفح الإملاءات ..! و كذلك صعوبة تصفح ذاتي .. . لقلبك الأبيضflwr3 |
الساعة الآن 06:05 AM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.8 Beta 1
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
3y vBSmart
جميع الحقوق محفوظة لـ منتديات إملاءات المطر الأدبية - الآراء المطروحة في المنتدى تمثل وجهة نظر أصحابها