إملاءات المطر

إملاءات المطر (http://www.emlaat.com/vb/index.php)
-   جدائـل الغيـم (http://www.emlaat.com/vb/forumdisplay.php?f=3)
-   -   " أســــطورة "... قصة قصيرة (http://www.emlaat.com/vb/showthread.php?t=2416)

عبدالرحمن خالد الديب 18/07/2009 11:30 PM

" أســــطورة "... قصة قصيرة
 
أســـــــطورة

انتبهت من نومي على صوتِ المذياع الصادرِ من مُكبِّرِ صوتٍ بأحدِ المساجد فى حَيـِّنا ، أمسكتُ بهاتفى ، نظرت فى الساعة، الفجرُ أوشك أن يؤذن ، حاولت النهوض فأحسست بثقلٍ فى جسدى وكأنى مربوط ٌإلى السرير ، بعد محاولاتٍ عدة تمكنت أخيرا ًمن النهوض ، توضأت وصليتُ ركعتين ، وما هى إلا لُحيظات وارتفع صوت المؤذن ليعلن بدء يومٍ جديد ،يا الله ، ما أروع أن تبدأ يومَك مع الله ، وتنهيه مع الله ، وبين البداية والنهاية أنت مع الله ، فحياتك كلها لله وبالله ومع الله ، تنتهدت تنهيدة رضا عندما راودتنى تلك الخواطر ، وقمت من محرابى مسرعا كى ألحقَ بتكبيرة الإحرام .


فى المسجد جلست أنتظر الإقامة ، لسانى لا يتوقف عن التسبيح ، وعيناى ترقبان المؤذن ، كان فى حالة ترقبه المعتادة ، عيناه على باب المسجد ، نظراته توحى بأنه فى انتظار أحد ، بالطبع كلُّ من فى المسجد يعلم من هو المُنْتَظر ، انتفض المؤذن فجأة عند رؤيته وقام على الفور ليقيم الصلاة ، فالشيخ " سعيد " قد وصل .


الشيخ سعيد رجلٌ ملامحه تخبرك بأنه على الأقل قد تجاوز الثمانين ، قصيرُ القامة ، مُهلهل الملبس ، بطيء المشية ، عندما كنت مستجداً فى الصلاة فى هذا المسجد ، كنت أحسبه متسولا ، إلا أنى صُعقت عندما علمت أنه إمام المسجد ، هو ليس الإمام بصفةٍ رسمية ، فالمسجد له إمامٌ آخرٌ ذو صفةٍ رسميةٍ ووظيفةٍ حكومية ، إلا أن الشيخ سعيد يصلى إماما بالإكراه، الكل يسلـِّم بفكرة أنه الإمام ، معظمهم نشأ منذ صغره وهو يراه يؤم المصلين ، عقودٌ مرت على إمامته ، حتى صار وجوده مقترنا ًبالإمامة، العجيب أنه لا يملك أيا من مقوماتها ، صوته من الأصوات التى تحتاج إلى سدادت أذنٍ لتحميك ، تجويده يدخل فى دنيا العجائب ، الرفع عنده منصوب ، والنصب عنده مجرور ، والكل يصبُّ فى النهاية إلى القلقلة، حفظه للقرآن معدوما، أذكر مرة كان يصلى بسورة يوسف ، وكان يتلو الآيات التى تحكى قصة غواية امرأة العزيز لسيدنا يوسف ، وفجأة دخل فى آيات دخول إخوة يوسف عليه بعد أن ملكه الملك على خزائن الأرض ، حاولت جاهدا أن أصحح له ما أخطأ به ، إلا أنه لم يكترث لتصحيحى واستمرَّ بلا توقف ، تعجبتُ فى البداية أشدَّ العجب ، وغضبت أكبرَ الغضب ، إلا أنـِّى علمت بعد ذلك أنَّ شيخنا لا يعترف بفكرة التصحيح ، هو مؤمنٌ بحفظه حتى ولو أدخل إخوة يوسف عليه وامرأة العزيز تغويه .


تمرُّ الأيام ، واستغرابى لهذا الوضع يزداد ، وتعجبى من سكوت أهل الحىِّ يتفاقم ، و دهشتى من تسليمهم لهذا الأمر وكأنه محتوم ٌحتمية الموت تتنامى ، وما كاد أن يدفعنى للجنون هو رؤيتى للمسجد يكتظ ُّبحفظة القرآن ، و بمن أحسبهم من العاملين به ،الا أنـُّه عند كل صلاة ترى شيخنا يمشى بخطوات واثقة نحو موضع الإمامة ، ويُتـحفنا بصلاةٍ لا نراها فى مكان غيرِ مسجدنا ، حاولت أن أتحدث ذات مرةٍ مع أحد رواد المسجد ، فأشعرنى بجرم ما اقترفته ، ودناءة ما ساورنى من أفكار ٍوظنون،الشيخ سعيد أصبح يمثل لهؤلاء الناس أسطورة من الأساطير ، شأنه كشأن التنين الذى يقذف ألسنة النيران من فمه ، أو مصاص الدماء ذو الأنياب البارزة ، إمامته صارت بالنسبة لهم قضاءٌ وقدر لا يجرؤ أحدٌ على الاعتراض عليها أو التشكيك فيها ، ومهما تواجد فى المسجد من علماء أو قراء ، يظل شيخنا هو أحقهم بالإمامة ، والحالة الوحيدة التى من الممكن أن تنهى إمامته هى أن تحدث معجزة ، والمعجزات انتهت بموت رسول الله ، لذلك صار الجميع راضين بالصلاة ورائه ، مهما ساء صوته او خطأت قراءته .


حتى أتى هذا اليوم التاريخى ، رجلٌ غريبٌ عن الحيِّ مرَّ بجوار مسجدنا وقت صلاة المغرب ، فدخل ليصلى ، كان مستناً بسنة النبى فى إعفاء اللحية وقص الشارب ، قام المؤذن ليقيم الصلاة عندما رأى الشيخ "سعيد" عند باب المسجد ، الرجل الغريب التفت يُمنةً ويُسرةً يتفحَّصُ فى وجوه الناس ليرى ان كان هناك مَنْ أحقَّ منه فلم يجد ، فقدم المسكينُ نفسه للإمامة ، لم ينبس أحد ببنت شفه ، الكل يرقُب ما سيحدث لهذا المجنون الذى تجرأ ودخل ليؤمَّ الناسَ فى حضْرة شيخهم المُبجَّل ، وكأنهم يترقبون أن ينزل الله عليه صاعقةً من السماء ، أو يسخطه قردا فى الحال ، دخل الغريبُ فى الصلاة على الفور،فجلس الشيخ "سعيد" على كرسى فى مؤخرة المسجد ليصلى مأموما ً فى مشهد يستحق أن يُصوَّر ويوضع فى طيَّات كتب التاريخ ، الناس فى صلاتهم لا يصدقون أن المعجزة قد حدثت ، الكلُّ يشعر بأنه فى حُلمٍ سيستيقظ منه ليجد شيخه هو من يصلى بهم ، إلا أن توالى الركعات والسجدات أخبرهم بأن الأمر حقيقى ، الأسطورة تحطمت ، الشيخ سعيد أصبح مأموما ًمثلهم ، الغريبُ فى التشهد ، الكلُّ منتظر السلام ، الغريبُ يُسلَّم يمنة ويسرة ، أنهى الصلاة فأنهوها ورائه ، الكل يجلس مذهولا، كيف حدث هذا ؟! ، انها حقا معجزة ، كنا نظنها مستحيلة ًفتحققت أمام أعيننا ، الجميع ما بين ذهولٍ ودهشةٍ وتعجبٍ واستغراب ، لم ينتزعهم من صدمتهم إلا صوتُ الغريب يتحدث فى مُكبّرِ الصوت


" السلام عليكم أيها الأخوة الأحباب ، أعتذر إليكم أشد الإعتذار ، فإنى تذكرت فى نهاية صلاتى أنى لم أكن متوضئا ، فأعيدوا صلاتكم ، عذرا شديدا إليكم ، فسامحونى "

الكل يتنهد فى إرتياح ، الشيخ "سعيد" يشق الصفوف ، و ...


" إستقيموا يرحمكم الله "


*******************
تمت بحمد الله

سودة الكنوي 21/07/2009 02:14 AM

ترى ما هو السر الكامن وراء انسياق
كل هذه العقول وراء العم "سعد" ؟؟؟
فهل هناك فعلا أسطورة تناقلتها الألسن و ارتبطت بتقديم
هذا الإمام غير الكفء للإمامة..
القدير عبد الرحمن ترك السؤال مفتوحاً و للعقل و الخيال
أن يستنبطا المغزى..

قصة شيقة و ممتعة تميل للواقعية بشكل كبير

ابتسام آل سليمان 21/07/2009 10:58 AM





لله أنت عبد الرحمن !
بعض الأمور عند الناس من المسلمات التي لا يجوز الخوض فيها ، حتى وإن بدا هزالها
كما قيل : ولكن الرضا بالجهل سهل !



الساعة الآن 02:46 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.8 Beta 1
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
3y vBSmart
جميع الحقوق محفوظة لـ منتديات إملاءات المطر الأدبية - الآراء المطروحة في المنتدى تمثل وجهة نظر أصحابها