إملاءات المطر

إملاءات المطر (http://www.emlaat.com/vb/index.php)
-   حرائـر غيمتي (http://www.emlaat.com/vb/forumdisplay.php?f=5)
-   -   دعوني وشأني ..! (http://www.emlaat.com/vb/showthread.php?t=3729)

ماجد عبد الرحمن 10/04/2010 01:05 AM



زيادة ُ الطول ِ تشبهُ كثيراً فكرة َ :

إفلاتُ رأسكَ وكتفيكَ من الجاذبية ..!



ماجد عبد الرحمن 10/04/2010 01:07 AM



صديقيّ الذين ِ مرّا على ذاكرتي يوماً ..

أحدثا ثقباً هائلاً فيها ..

هناكَ من يأتي كـ هدهدٍ ينخرُ جذعَ ذاكرتكـَ لـ يستوطنَ بها ..

وهناكَ من يكتفي بـ الجلوس ِ في الطرفِ القصيّ ..

أما صاحبيّ ..

فـ أخذا جميعَ معاول ِ الذكرى ..

وشقـّـا طريقهما إلى الفصّ الأخير من الدماغ ..

وهبطا إليّ كلّ منهم يشغلُ مساحة ً تزاحمُ الأخرى ..

هبطا إليّ كـ فجر ٍ هائل ٍ يبدأ من منتصف السماء ..

وهبطا أخيراً إلى ذاكرتي :

بعضهم لـ بعض ٍ عدوّ ..!



ماجد عبد الرحمن 10/04/2010 01:08 AM



الأشكالُ التي ترسخُ في الذاكرةِ لا تـُمحى ..

حتى معَ نسيانها الضروريّ أحياناً ..

تعودُ إليكَ في شكل ِ " صُدفة " ..!

إلا شكلاً واحداً لا أتذكرهُ :

وجهُ أبي ..!



ماجد عبد الرحمن 10/04/2010 09:48 PM



لـ المرةِ الأولى حاولتُ الكتابة ..

حملتُ غصناً قديماً لـ شجرةٍ ناضجة ..

وكتبتُ على طين ٍ زحفَ إلى بابِ الميتم ..

- طينٌ حاولتُ جاهداً ألا يقعَ في يدِ المشرفة -

وكتبتُ :

أبي ؛ حروفكَ الثلاثة ٌ تأخذ ُ نفـَساً كاملاً ..

تأخذ ُ شهيقاً يدفعُ بـ رئتيّ إلى الأرض ..

وتغمسُ قدميّ في سؤال ٍ جارف :

كيفَ أعرفُ وجهك ..؟



ماجد عبد الرحمن 11/04/2010 01:59 AM



بحثتُ عن شخص ٍ سوايَ يعرفُ أنّ :

لـ الميناءِ حنجرة ٌ نُصدِرُ صوتها عنها ..

كـ أنْ يُتمتمَ المرءُ بـ كلماتٍ غير مفهومة ..

ليسَ لـ أنهُ يبكي ..

ذلكَ لـ أنّ لغة َ الميناءِ مُبهمة ..!



ماجد عبد الرحمن 11/04/2010 02:01 AM



اليتيمُ الذي أحملهُ في داخلي ..

الضميرُ الذي لم ينضجْ بعدُ لـ يؤنبني ..

والعقلُ الباطنُ الذي لم يمتلئْ بعدُ بـ أشياءَ كثيرة ..

كلّ هذا الجوفُ الفارغ ..

والصدرُ الممتلئ ..

كلّ تلكَ الأشياء ؛ والتي أُخرجها من فمي :

مبعثرة ً على الأرض ..

لـ أرتبها من جديد ..

وأغسلُ ما اتسخَ منها ..

وأبتلعهُ لـ يعودَ تلقائياً كـ ما كان ..!





كلّ تلكَ الأشياءِ التي تتسخُ وأُخرجها ..

حينما تخرجُ أصبحُ شخصاً آخر ..

أصبحُ صبياً لا يحملُ هماً ..

ولا يُوَبّـَخْ ويُحبَسُ في العلية ..

أصبحُ " طفلَ المشرقة " ..!



ماجد عبد الرحمن 11/04/2010 03:48 PM



في القبو نزلتُ أنا وصديقي ..

كنتُ أريدُ الثأرَ من الفأر الجائع ..

لكنّ صديقي حذرني قائلاً :

إنّ أسنانهُ حادة ٌ كـ مزاج ِ المشرفة ..!

لكنني طمأنتهُ بـ أني معتادٌ على أمور ٍ كـ هذه ..

أخذنا في السير قـُدُماً نحوَ الباب ..

يا الله ؛ كم كانَ صوتُ البابِ موجعاً ..

وكُوّتـُهُ تئنّ ..!

وكـ أنّ صوتاً خلفَ البابِ يَصدُرُ من القبو ..

سرنا على رؤوس ِ أصابعنا ..

كـ من يحملهم عملاقٌ :

ولا تلمسُ الأرضَ إلا أصابعَ أقدامهم ..!

وهناكَ تجلى الشيءُ الضخم ..

الذي اعتدلَ واقفاً ..

يملأ الفروُ جسدَهُ تماماً ..

وأخذ يقرضُ آذاننا بـ كلماته :

من أنتم ..؟

في الحقيقةِ لم أكن خائفاً من ضخامته ..

بل كنتُ خائفاً من صوتهِ فقط ..

صوتهُ يتدحرجُ من حنجرة الجوع ..

صوتهُ كـ أحمق ٍ يحملُ سكيناً ؛ لا بدّ أن تخاف ..!

أجبتُ الفأرَ الجائع :

لـ ماذا عضَضْتَ يدَ صديقي ..؟

فـ قهقهَ كثيراً ؛ وارتمى أرضاً من شدةِ الضحك ..

حينها لم أتمالك نفسي ..

وأخرجتُ أصبعي الأخضرَ ورحتُ أطعنهُ في قلبه ..

أطعنهُ في رئته ..

وبـ لمح ِ البصر وجدتـُني أطيرُ في الهواء ..

صفعتهُ مؤلمة ..!

كانَ صديقي يبكي كثيراً ..

ويصرخُ لـ الفأر :

سـ تقتلكَ أمي ؛ سـ تقتلكَ أمي ..

لم يكترث الفأرُ لـ ما قالَ الصبيّ ..

وانحنى - فاتحاً فكّيْهِ - نحوي ..

في تلكَ الأثناء ؛ كـ أنّ يداً :

كـ يدِ امرأةٍ اعتنت بي في غيابِ المشرفةِ سحبتني ..

ثمّ صديقي كـ ذلكَ تِباعاً سُحِبْ ..

فتحتُ عينيّ فـ وَجدْتـُني قربَ الشجرةِ العجوز ..

كانت تهتزّ ..

تهتزّ كثيراً أمامنا ..

وكـ أنّ جذورها تتحركُ في الأرض ..

وكانت تنقبضُ إلى الأعلى ..

وتندفعُ إلى الأسفل ..

ويصدرُ صوتٌ مزعجٌ جرّاءَ ذلك ..

الشجرة ُ العجوزُ تلد ..!

- هذا ما قالهُ صديقي -

لكنني قلتُ :

الشجرة ُ العجوزُ تقاتل ..

وما أن أنهيتُ حديثي ..

حتى سكنت الشجرة ُ عن الحراك ..

وارتختْ إلى الأمام ..

وظهرَ الدمُ من حفرةٍ قربَ الشجرة ..

ومعهُ فروٌ قليل ..!



ماجد عبد الرحمن 12/04/2010 05:35 PM



الرياحُ تشتدّ في هذا الفصل ..

كم من المؤلم ِ أن يمرّ الشتاءُ عليكَ :

وأنتَ في كامل ِ عُريكـِ من الأشياء ..!

كنتُ أشاركُ صديقي اللحافَ الوحيد الذي تبقى ..

بعدَ أن كنا نلعبُ صباحاً في الفناءِ الأماميّ بـ ألحفتنا ..

فـ هبّ الهواءُ وحملَ معهُ لحافَ صديقي ..

بكى كثيراً ..

لكني طمأنتهُ تماماً :

اللحافُ يُصبحُ أطولَ يا صديقي في ليل الشتاء ..!

اللحافُ لا يكفينا يا أبي ..

وهوَ الذي يضعُ أصبعهُ في فمهِ تارة ً ..

وتارة ً يضمّ ذراعيهِ إليهِ هذا الصديق ..

رائحة ُ شعرهِ صادقة ..

فـ هيَ تخبركَ بـ الضبطِ كيفَ عانى طويلاً ..!

وإغفاءتهُ العميقة ؛ لم تكن تدعُ مجالاً لـ تشكّ :

في أنّ التعبَ يبحثُ عن الأطفال ِ في كلّ المنازل ..!

اللحافُ لا يكفينا ..

والكوبُ الدافئُ لم يعُد دافئاً ..

فـ الحراكُ يُوقظ ُ صديقي ..

وأنا انتظرتُ حتى نامَ تماماً ..

وشربت ما بـ الكوبِ بارداً كـ يدِ عجوز ..!





الرياحُ تشتدّ هذا المساء ..

وصريرُ النوافذِ العاليةِ لا يهدأ ..

نحنُ وحيدان ِ في ميتم ٍ كبير ..

ميتمٌ يبتلعُ أحلامنا ..

يُخبّـؤنا داخله ..

يحبسنا فيه ..

يمضغُ أصواتنا ..

ويُوقدُ الأمنية َ بـ حطب الإحباط :

أينَ أنتَ يا أبي ..؟



ماجد عبد الرحمن 13/04/2010 02:38 AM



لا زالت الأمكنة ُ تحملُ ذاتَ الصوت ..

إلا أنّ شكلها يتغير ..

الشارعُ الضيقُ يُفضي إلى مائدةِ الحيّ ..

- هكذا كنا نسمي النافورة الكبيرة أنا وصديقي -

مائدة ُ الحيّ متسعة ٌ جداً ..

فـ هيَ تكفي لـ أنْ يسبحَ بها الفأرُ الجائع ..

رغمَ حجمهِ الهائل ..

وتكفي لـ أنْ يشربَ منها الحصانُ العنيد ..

لكنها لا تكفي لـ يكبرَ أصبعي الأخضر ..!




مائدة ُ الحيّ يومياً تلملمُ ما في جيوب المارّة ..

طلبها مُجاب ..

فـ ما إنْ تمدّ لسانَ مائها ؛ حتى يُصغي لها الجميع ..

ويُشيرونَ إليها ..

بعدَ فترةٍ ليست قصيرة ..

كسرَ أحدهم فمَ المائدة ..

صارَ لسانها يخرجُ بـ شكل ٍ عشوائيّ ..

أصبحتْ كلماتها تطولُ المارّة َ والمتجولين ..

- أغلقوها -

هذا ما هتفَ بهِ أحدهم ..

لكنها حزنت كثيراً ..

وأخذت تلملمُ لسانها الطويل ..

حتى اختفى ..!




مائدة ُ الحيّ متسعة ٌ كثيراً ..

لكنها خالية ٌ مما يجعلها على قيدِ الحياة ..!



ماجد عبد الرحمن 14/04/2010 02:49 AM



كم أشعرُ بـ الألم الآن ..

الطرقاتُ فارغة ٌ تماماً هذا الفجر ..

الفجرُ الذي خرجتُ فيهِ وحيداً من الميتم ِ على غير العادة ..

حملتُ معي أصبعي الميتُ جراءَ قتال الفأر ..

ورحتُ أجوبُ المدينة َ الهامدة ..

الليلُ مُتعَبٌ جداً ..

لـ ذلكَ قرّر إنزالَ سترتهِ من كتفيه ..

فـ أرى صدرهُ الأبيض ..!

أشعرُ بـ ألم ٍ كـ قبضةِ أحدهم داخلَ الحنجرة ..

وغصة ٌ في القلبِ كـ من يلمسَ بـ أنملهِ داخلي ..!



الطرقاتُ فارغة ٌ تماماً ..

إلا من صديقي الذي لحقَ بي كثيراً ..

حتى تعبت قدماهُ ونامَ قربَ مائدةِ الحيّ ..

فـ حملتهُ إلى الميتم ..

يا صديقي الهادئ :

أمكَ لم تحملكَ بـ يديها ..

وأبوكَ لم يفعل ..

فـ اعذرني إن تجرأتُ على ذلكْ ..!




الساعة الآن 02:33 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.8 Beta 1
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
3y vBSmart
جميع الحقوق محفوظة لـ منتديات إملاءات المطر الأدبية - الآراء المطروحة في المنتدى تمثل وجهة نظر أصحابها