المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هناك امرأة


زهران القاسمي
01/06/2007, 07:31 PM
إلى : عبدالعظيم فنجان


دائما هناك امرأة
تطعم العصافير
وتوقد النار
وتنسى أن تغطي أرجلها عن البرد
بعد أن تؤمن النوم لقبيلتها

دائما هناك
تغني للحزانى
دائما..
تأكل نفسها حية
ولا تموت

كلنا مضينا
شيعنا ظلالنا الطويلة
لتبقى هناك وحدها
بلا ظل

دائما .. هناك
تلملم سيرتنا
تودعها صندوقا معدنيا قديما
ثم تسند ظهرها
على محيط الكون النائي
موزعة أدوارا جديدة

مرة حفرنا بئرا
استخرجنا مياها قديمة قدم التاريخ
كانت الرائحة تفوح
وكانت جماجمنا تتشظى
ظلت الأرواح التي تسكننا تخرج
شفافة ورقيقة
عبّت من الماء
تحولت ديدان وسحالي
ثم دخلت فجأة في الصخر

هي الأنثى الوحيدة في الكون
رصدت تحركات النجوم
أنسنت البشر
أدخلتهم رياض الأطفال
وعلمتهم الأبجدية

تركت كل واحد يتنفس رجولته بعمق

أنثى الحكايات والأساطير
دخلت إلى فلقة الأرض
صارت ماء

عندما ولد
وطن الحطابين والرعاة
لفته في خرقة بالية
وضمته إلى صدرها
صار الليل بهيجا
والموال الذي هدرت السنين بوحه
اقترب حتى لامس ركبتيها
فجأة وهو يحدق في الوجه
صاح
فتكسرت أغشية الصمت
ظل الموال حزينا
ومن حزنه
اكتست السحب المطيرة لونها
بينما تعلم كيف يسافر دائما بين الأمتعة

مرّة في المساء
عندما استطال الظل
وأخذنا قيلولتنا
حلمنا بالنهر ينبع من بين أصابعها
حيث قسّم العالم إلى نصفين
جاءت الأمم ببدائيتها
ليكون لها ..
حاضرا و تواريخا خالدة

رأينا في منامتنا كيف ينزح الظل
شيئا فشيئا
تحت أقدامها
وكيف اقتربت الشموس وادعة
بينما لعينيها ذلك البريق الذي لا يخفت
وعندما استفقنا
كنا نلهث من جفاف حلوقنا
بحثنا عن أصابعها
لكن القمم كانت تتغطى بالضباب

مرّة توقفنا في سهل ممتد
عزمنا أن نقيم لها عيدا
أوقدنا نارنا
غنينا ورقصنا
حتى تشققت الأرض

قطعنا أرضا بيضاء
كاد ضوء أبصارنا يذهب
وكلما مرت فوق رؤوسنا فراشة
حلمنا بظلها كثيفا
نسافر بحثا عن حكاية ترجعنا إليها
ثم نعود مع السيل
نلتصق بزبده على الضفاف القاسية

كان يا ما كان
كانت الحكاية وحيدة
تنام
وعندما قرر صيادا أن يبتعد قليلا عن محيطه
لقيها تتعثر في مشيتها
كانت عجوزا

تطفح الفضيحة من الوجه
ومن بين الأصابع
يتسلل الأصدقاء بخطاياهم

لم تكن لنا حكاية
كنا مغيبين عن الألسنة
لم يعترف بنا إلاها
لكنها فقدت لسانها ذات جوع
أكلت نصفه
وأطعمت الباقي للمتسولين

كدنا نغرق في اللوم
ولكن
لم تزل امرأة تحمل إلينا الزاد
صامتة
لم تكن تبكي في غيبتها
كانت تصلي

هي زهرة تفتحت
على مصب واد سحيق
زهرة حجرية
تتدلى من أغصانها قلوب صغيرة
لأطفال سوف يجيئون
من الكهوف
يقلبون المكان
مفتشين بين الحصى وأشجار الأثل
هؤلاء الأطفال
كلما قطفوا قلبا
أشرقت نجمة في الأفق

هي بنكهة القهوة
تسافر كأنها الريح
ولا تسكن إلا على عرق رملي
فإذا صادفت نخلة في طريقها
عقدت جدائلها
وزوجتها لأول مسافر
اهترأ حذاءه
فيصير أميرا

كدنا نتقاتل على من سيحمل لها
لحافها
كانت العصافير قد بنت
أعشاشها بين ثناياه
والفراشات مفتونة
صارت ذيلا آخر
لكنها
تلك المرأة التي كلما توقفت
يتكاثر الضباب باردا على الوجوه

نحن بلا ملامح
وبلا أغنية واحدة
نحن الفلاحين الذين غرسوا فسائلهم
ورحلوا
نبحث عن سارق أصواتنا
ذات ليلة

قيل أنه يحمل فوق كتفه بوقا مسحورا
لم يُسمع شيئا مما كان ينصت إليه

ها نحن نبحث عن تلك الزهرة المتوحشة
قطعنا البراري
واستعنا بالبصارين
مخرنا عباب البحار
سقطنا واحدا تلو آخر
ثم عدنا غبارا لنتكدس
عند ساقها

تلك هي قبورنا
يعرفها الرعاة
تشبه مشية امرأة عرجاء
قبور بلا شواهد وبلا ملامح
إلا أحجار متناثرة
وتلال قد شرخها السيل

وطن من انتظار
تلك العينين العسليتين
وطن للكناسين والباعة المتجولين
وطن للذين لا وطن لهم
أو الذين تركوا أوطانهم
مقتعدين الأرصفة
والأزقة الضيقة

وطن من قش
كان فيما مضى مسكنا لعصفور
تلك النظرة الدامعة
تتسولنا لكي نسكن قليلا إليها
لكننا
نحن الدجالون المحترفون
نبحث عن وطن سحريّ
حتى تساقطت أحلامنا

كان يا ما كان
كان هنالك رجل
وكانت له أربع أرجل
كان يسير في طرقات المكان
لم يكترث به أحد
قطع كل هذا العالم بأقدامه الأربع
وعندما قرر التوقف
تساقطت أطرافه في الجهات

لقد أتعبني سفر حياتك أيها الينبوع
ها نحن أصدقاء صدفة
فلقد تركني الأعداء
على ضفتك
بعد أن قطّعوا أطرافي

لا تبك
دع دموعك الآن في جرة وأرحل
سوف تغنيك مصبات الأنهار البعيدة عن عطشك
سوف تبكي ما شئت

رحل كثيرا
مرّ على مصبات وديان قاحلة
حلم بجرعة ماء يغتسل بها
وعندما أراد أن يبكي
لم يتساقط الثلج
ولم تثمر الأشجار من حوله لؤلؤا
لكنه تحول إلى حجر صلد

إيناس الطاهر
02/06/2007, 03:44 PM
بعيداً
حيثُ نما للعينين قدمان ، فهرولت حيث الظلام ،
وتكاثرت بالفسائل ، لتلد ألفَ عينٍ بلا بؤبؤ
ويجوبُ المدينةِ متسولٌ ، ينثر الشؤمَ حين يرفضُ الحسنى
ألا بئساً لها من حالٍ تصيررت ، حتى اختفت ، فأتحفت مارداً همّه قنديلُ سندباد !!!

الزهران
صدقاً بالله ، وجدتُ متكئاً وبراح
في خرافات الحروف ، تولدُ الأفكار
وفي تناسقِ الظروف ، تُسبّر الأغوار

نصّكَ ساحرٌ ، استعلى على الظرف وما حكمه حرفٌ أو فكر
رائع أنت سيدي ، وصدقاً لن أملّ إعادة التكرار ،

بوركتَ سيدي

رانية أحمد
21/06/2007, 09:49 PM
هنا رجل كتب الح ـرف ( حكم )


زهران القاسمي

لن نمل قراءتك ..

ودي

ساره
22/06/2007, 01:22 PM
لن أُحبها و لن أتمنّاها، مشاعر اكتظ الحزن بها.

تبحث عن فقيدة لها، و تلوك الحرف موالا حزينا.



رغم جمالها، فإنّها تنسج الألم و الأمل.


لروحك يا زهران، ابتهال و دعاء.

يُمنى سالم
26/06/2007, 01:05 AM
القاسمي

يكتب بلغة الحقيقة..

ويصور تاريخ لا نعرفه..
ويعبث بالفكر ليخلق حكما تليق به..

لله درك

تحياتي